Site icon IMLebanon

شائعات انهيار الاقتصاد تخدم اهدافا سياسية

 

 

كتب المحرر الاقتصادي :

مع تفاقم الخلاف السياسي على تشكيل الحكومة، تزداد الإنذارات في شأن انهيار اقتصادي متوقّع.

 

الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة اعتبر في حديث إلى «الشرق»، أن «هذه الشائعات تخدم أهدافاً سياسية لبعض الأفرقاء، ولا أساس لها من الصحّة بحكم أن المؤشرات الاقتصادية تُظهر نموًا اقتصاديًا واضحًا. إلا أن الاهتمامات تنصّب أكثر على عجز الموازنة الذي قد يزيد من نسبة الدين العام».

 

ولفت إلى أن «الاقتصاد اللبناني ينمو بنسبة 1 إلى 1.5% بحسب التقديرات، وذلك منذ العام 2013». وتابع: هذه النِسَب من النمو تؤشّر إلى أن حجم الاقتصاد (53 مليار دولار أميركي) ينمو بنسبة 1 إلى 1.5% سنويًا ما يعني في علم الاقتصاد أن هناك نمواً اقتصادياً، إلا أن البحث أكثر في المؤشرات الاقتصادية، يكشف أن نسبة النمو هذه ليست كافية لتغطية كلفة الدين العام (1% على 53 مليار د.أ أقلّ من 7% على 83 مليار د.أ) وبالتالي لا يستطيع هذا النمو الاقتصادي امتصاص العجز الناتج عن ثلاثة بنود أساسية هي (بحسب الأهمية): بند الأجور والتعويضات في القطاع العام، بند خدمة الدين العام، وبند دعم مؤسسة كهرباء لبنان.

 

وأشار إلى أن «رفع نِسَب النمو لا يمرّ إلا عبر الاستثمارات. لذلك من غير المُجدي الحديث عن أي نمو اقتصادي من دون ضخ أموال في الماكينة الاقتصادية التي يؤدّي النمو فيها إلى نفخ الاستهلاك، زيادة الاستثمارات، وزيادة مداخيل الدولة. هذا البند الأخير يسمح للدولة بامتصاص العجز الذي لا يُمكن محوه إلا إذا وصلنا إلى نسب نمو 11% وهذا من شبه المستحيل في ظل هذه البيئة التي يوجد فيها الاقتصاد».

 

أما القطاعات الإنتاجية في لبنان «فتواجه صعوبات، لكن لا يُمكن القول إنها تواجه «تسونامي» سيقضي على الاقتصاد. على سبيل المثال، تراجعت صادرات لبنان الصناعية منذ العام 2012 من 4.3 مليارات دولار إلى 2.64 مليار في العام 2017، أي أن هناك تراجعاً لا يتخطّى الـ 12% على صعيد الإنتاج بحكم أن 19% فقط من الإنتاج هو للتصدير، في حين أن السوق الداخلي (81%) ينمو بحسب طلبات الترخيص (652 في العام 2017)» بحسب عجاقة.

 

أضاف: سياحيًا، وعلى الرغم من زيادة عدد السياح الوافدين إلى لبنان إلا أن الإنفاق السياحي يراوح مكانه بحكم أن السياح مُعظمهم من اللبنانيين المغتربين الذي يزورون لبنان وبالتالي لا يُنفقون مثل السياح الخليجيين الذين يُنفقون أضعاف مصاريف السياح اللبنانيين، وبالتالي أيضا يُمكن الاستنتاج أن القطاع السياحي يراوح مكانه.

 

أما على صعيد الخدمات، فقال عجاقة: إن التجارة والخدمات المصرفية ما زالت تُسجّل نِسَب نمو مقبولة جدًا نظرًا إلى وضع البلد وبيئته السياسية والجغرافية. وعلى هذا الصعيد، يحظى القطاع المصرفي بشكل شبه حصري بثقة المستثمرين المقيمين والمغتربين حيث أن نمو الودائع ما زال إيجابياً مع نِسَب نمو ستصل إلى 7% في نهاية العام 2018.

 

وفي ما يتعلق بتحاويل المغتربين اللبنانيين، فرأى أن «هناك زيادة ملحوظة في العام 2017 (7.9 مليارات دولار أميركي) مقارنة بالعام 2016 (7.1 مليارات دولار). وهذا يعني أن توافد هذه الأموال بالعملات الصعبة هي ضمانة إضافية لليرة اللبنانية».

 

وبالحديث عن الليرة اللبنانية، لفت إلى أنها «صامدة مدعومة باحتياطات بقيمة 57 مليار دولار أميركي إضافة إلى 12 مليار دولار أصول بالدولار تمتلكها المصارف اللبنانية في المصارف الأجنبية». وتابع: هذا الأمر يعني أن نسبة هذه الأموال على الناتج المحلّي الإجمالي تفوق الـ138% وهي الأعلى عالميًا وإقليميًا أمام السعودية، تركيا، مصر، سوريا، العراق… إذًا نرى أن أجهزة الدفاع عن الليرة اللبنانية قوية ومتينة بفضل السياسات النقدية.

 

توقعات العجز أعلى من المتوقع في موازنة 2018

 

وأشار عجاقة في السياق ذاته، إلى أن «المالية العامّة وتحديداً العجز في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2018، تُظهر أن توقعات العجز هي أعلى مما تمّ توقعه في موازنة العام 2018 (5.77 مليار د.أ مقارنة بـ4.8 مليارات د.أ كانت مُتوقعة)». واعتبر أن «هذا الاختلاف يأتي من الإنفاق المُفرط على البنود الثلاثة الآنفة الذكر (الأجور والتعويضات في القطاع العام، خدمة الدين العام، ودعم مؤسسة كهرباء لبنان)». وتابع: بشكل خاص نرى أن بند الأجور ارتفع نتيجة التوظيفات التي ما زالت مستمرة في الوزارات والمؤسسات العامة تحت تسميات عديدة (أجير، مياوم، أشغال بالأمانة…) ولكن أيضًا ارتفاع الدعم لمؤسسة كهرباء لبنان التي بفعل ارتفاع أسعار النفط يُشكّل الفيول 65% من كلفة الإنتاج).

 

وقال: كل هذا يؤدّي إلى زيادة العجز والذي في ظل غياب نِسَب نمو عالية يتحوّل إلى دين عام مع كل إصدار جديد لسندات الخزينة. هذه الدوّامة المالية لا يُمكن الخروج منها إلا باتباع الطريقة الهولندية أي خفض كل بنود الموازنة بنسبة مئوية معيّنة أو الطريقة التحليلية عبر الدخول في البنود الأكثر كلفة وخفضها بشكل كبير.

 

وفي غياب الإرادة السياسة لخفض الإنفاق، اعتبر عجاقة أن «الحلّ الوحيد أمام الحكومة يكمن في أن تعمد إلى رفع الضرائب»، لكنه قال: السؤال المطروح هل يكفي رفع الضرائب لسدّ عجز الموازنة؟ الجواب يُمكن أن يكون نعم ولكنه سيقضي بالتأكيد على النمو الاقتصادي مع غياب أي تطبيقات لمؤتمر «سيدر».

 

وختم: في ضوء ذلك، إن الحديث عن «انهيار» ليس صحيحاً بل هناك تراجع ناتج عن خليط من العوامل السياسية، الإدارية… هذا التراجع لا يُمكن عكسه إلا إذا طُبقت دقائق مؤتمر «سيدر» بشقّيه الاستثماري والإصلاحي. وبالتالي يُمكن الجزم أن كل الشائعات التي تطاول لبنان اليوم هي شائعات هدفها (داخليًا) سياسي و(إقليميًا) اقتصادي. هذه الشائعات لن تستطيع زعزعة النظام اللبناني بحكم أن زعزعة هذا الأخير تتطلّب ضرب الليرة وهذا أمر مُستحيل في ظل الإجراءات المُعتمدة من قِبَل مصرف لبنان.