لا حاجة إلى سؤال المناوئين لتيار المستقبل في قضاءَي المنية والضنية عن أحوالهم وأوضاع الناخبين. اختصر الرئيس سعد الحريري المشهد كله حين قال في إفطار تيار المستقبل في الضنية: «هذه المنطقة شبعت وعوداً»
مرة يكون الموقوفون الإسلاميون هم الموضوع، فيقف الشيخ عمر الرفاعي المكلف متابعة ملفاتهم في داره لشكره على جهوده التي أفضت إلى إخلاء سبيل عشرة، والتمهيد لإخلاء سبيل عشرة آخرين. ومرة يكون انقطاع الكهرباء هو المشكلة، فيعقد المؤتمر الصحافي تلو التظاهرة، فالاجتماع مع المدير العام لشركة كهرباء لبنان. ومرة يصرف مجلس بلدية المنية أموالاً في غير محلها، فيجمع عدداً كبيراً من شباب البلدة ليفنّد معهم أولويات الإنفاق من الكهرباء إلى المياه والطرقات والصحة والتربية.
ولا يكاد يزوره وفد من المتعاقدين مع وزارة الإعلام حتى تصبح المطالبة بتثبيت هؤلاء شغله الشاغل عن كل شيء. وحين يمرّ أسبوع من دون حدث ما، يبادر إلى عقد مؤتمر صحافي يخصصه للمطالبة بتوفير فرص عمل للشباب. وفي مقابلاته التلفزيونية يسأل ما يطرحه جميع المواطنين على أنفسهم عن كيفية تحويل الكثير من عناصر الدرك وأمن الدولة إلى خدم وحشم لدى أهل السياسة، في حين أن المخافر والمراكز الأمنية والعسكرية تعاني نقصاً حاداً في الأفراد. وحين تختلف عائلتان، واحدة من صيدا والأخرى من المنية، «يطير» كمال الخير إلى صيدا لعقد اللقاءات مع فعالياتها من أجل حلحلة الموضوع.
الخير أو «الحاج» كما يسميه أنصاره اشتهر بأنه حليف حزب الله و«عاشق الرئيس السوري بشار الأسد» في منطقة من لون طائفيّ واحد تُعَدّ معقلاً لتيار المستقبل. إلا أن الأهم من هذه وتلك أنه نال في انتخابات المنية ــ الضنية الفرعية عام 2010 أكثر من 40 في المئة من أصوات المقترعين. ففي وقت حصل فيه المرشح الفائز النائب كاظم الخير على 20119 صوتاً، حصل الخير على 14097 صوتاً. يومها لم تكن وزارات المردة وحركة أمل وحزب الله وحتى التيار الوطني الحر مفتوحة أمام الخير كما هي اليوم، ولم تكن حال المستقبل سيئة في المقابل كما هي اليوم. وما يجب التوقف عنده أن الخير لم يعد وحده في هذا العالم بفضل قانون الانتخابات الجديد. فقضاء المنية الذي يمثل بنائب واحد ضم إلى قضاءَي الضنية الذي يتمثل بنائبين وطرابلس التي تتمثل بثمانية نواب. ولم يعد بوسع الرئيس نجيب ميقاتي أو الوزير المتقاعد أشرف ريفي أن يديرا ظهريهما للمنية والضنية، إنما تنطبق شروط وظروف مواجهتهما للمستقبل في طرابلس كما في المنية والضنية. ومن يتابع حركة النائب السابق جهاد الصمد، يلاحظ بسرعة أن ديناميكيته الإنمائية والإعلامية إنما تأثرت سريعاً بتحالفه المعلن مع الرئيس نجيب ميقاتي. علماً أن تحالف ميقاتي ــ كرامي ــ الصمد لم يعلن انضمام الخير إليه بعد، ويرجح أن يتأخر إعلان هذا التحالف نظراً إلى شعور ميقاتي بالإحراج من حماسة الأخير السياسية، إلا أن الصمد و«الحاج» كانا واضحين في إفطار أقامه بعض المهندسين في المنية، أن مسارهما ومصيرهما مشترك، وسيخوضان الانتخابات معاً. والجدير ذكره أن في المنية عشرات المرشحين. لكن بيت المرشح كمال الخير هو البيت السياسيّ الوحيد المفتوح في هذا القضاء، 24 ساعة على 24، دون كلل أو ملل. وما ينطبق على الخير في المنية ينطبق على الصمد في الضنية وأجزاء واسعة من المنية أيضاً. فالنائب قاسم عبد العزيز من أنشط الأطباء في المنطقة، لكن حركته متواضعة ولا يمكن ذكرها عند الحديث عن الفراغ الإنمائي والخدماتي والمالي الذي خلفه اعتكاف تيار المستقبل وإقفاله مكاتبه وكل الحنفيات الجانبية. أما زميله النائب أحمد فتفت، فدفع ثمن مزايدته السياسية الدائمة بعد أن تغير المزاج الشعبيّ وقرر محاسبة المستقبل على تقصيره الكبير، لا خدماتياً وإنمائياً فقط، بل سياسياً أيضاً. في الاستحقاقات السابقة مثّل فتفت رافعة للائحة الحريرية، لكنه بات يحتاج لمن يرفعه اليوم: علاقته مع الرئيس سعد الحريري عادت لتتحسن بعد مزايدته عليه في الملفات السياسية، ولا سيما انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، لكنه لم يعد الرجل القوي والنافذ في التيار. ولم يتغير شيء في أداء فتفت منذ الانتخابات البلدية التي ألحقت به مجموعة هزائم لم تلحقها بأيّ سياسي آخر. علماً أن آخر «بوست» على صفحة «أنصار تيار المستقبل في الضنية» على موقع فايسبوك يعود إلى 10 كانون الأول 2014، والتفاعل الشعبيّ بارد مع مواقف النواب الحريريين. وبضغط من القيادة المركزية، يحاول النواب أن يفعلوا شيئاً فينظموا مع الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير جولة إنمائية يطلعون فيها على سير الأعمال الروتينية في بعض الطرقات، قبل أن يتحدث فتفت فيؤكد بحسب الوكالة الوطنية للإعلام «متابعته اليومية والحثيثة لكل القضايا الإنمائية والحياتية في المنطقة»، مردفاً العبارة التي يجب أن تُقال عنه لا أن يقولها عن نفسه إنه يهتم بقضايا المنطقة «باعتباره واجباً لا منّة». وإذا أخذت أزمة الكهرباء التي عانت منها المنطقة أكثر من سائر المناطق لأنها غير مجهزة بمولدات خاصة كبيرة نتيجة تأمين التغطية عادة أكثر من عشرين ساعة لوجود معامل إنتاج فيها؛ يلاحظ أن الحاج كمال الخير أصدر بياناً عملياً بعد زيارته المدير العام لكهرباء لبنان يفند فيه اتفاقهما على: أولاً، رفع قدرة الحمولة على كل من مخرجي كرم الأخرس وسركيس حمدون ٢٠ ك.ف بطريقة تمنع تكرار انقطاع المخرجين المذكورين، وذلك ضمن مهلة ٤٨ ساعة. وثانياً، اتصال المدير العام بحضور الخير بالفنيين لإنهاء المشاكل حالاً. أما الرئيس الحريري، فأصدر البيان التقليدي عن إجرائه الاتصالات اللازمة لحل المسألة. وكان الحريري قد اختتم جولاته الرمضانية بزيارة الضنية، داعياً من كان يعدهم بالمنّ من تدمير سوريا إلى انتظار إعادة إعمار سوريا لرؤية الازدهار الذي ستعيشه المناطق الشمالية كلها، وما على مزارعي التفاح والدراق والكرز وغيرهم من مزارعي الضنية سوى الجلوس والانتظار. ولم يجد الحريري إنجازات يعددها أمام الحاضرين سوى افتتاح مكتب إقليمي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والبدء بتنفيذ المرحلة الثانية من طريق الضنية – الهرمل. إضافة إلى إعلان إنشاء اتحاد بلديات جرد الضنية، وهو اتحاد يتألف من ثلاث بلدات صغيرة جداً هي مراح السفيرة وطاران وحازمية يكاد يكون الهدف الوحيد لتيار المستقبل من الوقوف خلف إنشائه هو القول إن لديه نفوذاً وسط بلديات الضنية التي يتمثل غالبيتها في اتحاد بلديات الضنية الذي يرأسه محمد سعدية المقرب من الصمد.
وفي النتيجة يمكن القول إن كماشة ميقاتي – ريفي التي تطبق على تيار المستقبل في طرابلس توازيها كماشة الخير – الصمد في المنية ــ الضنية. عام 2005 غيّرت صناديق المنية نتائج الانتخابات في كل لبنان حين صبت بغالبيتها الساحق لمصلحة تيار المستقبل فعدلت النتيجة في دائرة المنية – طرابلس – زغرتا – الكورة. وفي تلك الأيام، لم يتمكن خصوم تيار المستقبل من إيجاد مندوبين يقفون على صناديق الاقتراع في أقلام المنية، لكن مقارنة أحوال المناوئين لتيار المستقبل في جميع الدوائر اليوم تؤكد أنهم في «المنية ــ الضنية» أفضل مما هم عليه في سائر المناطق، من دون ان يعني ذلك أن تأييد التيار الأزرق تراجع إلى ما دون عتبة الـ50 في المئة من الناخبين. فحشد المهنئين بالعيد في منزل كل من كمال الخير وجهاد الصمد يتجاوز بأضعاف المهنئين للنائبين كاظم الخير وأحمد فتفت. وبدل اتحاد البلديات الصغير المستحدث للدوران بالفلك الحريري هناك اتحاد بلديات طويل وعريض يدور في فلك الصمد. وفي مواجهة الوزارات الحريرية وزارات أخرى موضوعة بتصرف المعارضين، وجامعات خاصة وأشكال كثيرة من المساعدات. والأهم من هذا كله أن المعركة السياسية الحريرية المتمثلة بالتحريض على حزب الله، يصعب تأمينها بحكم جلوس الحريري مع الحزب إلى طاولة واحدة في مجلس الوزراء وخارجه، ويتعامل معه تعامل الشريك لا الحليف فقط.
مقعد المنية لـ«المستقبل» على طبق من فضة
آلية فرز الأصوات في قانون الانتخابات الجديد تحتسب نسبة الأصوات التفضيلية التي جمعها كل مرشح في قضائه، لا عدد الأصوات، ثم تعمد إلى ترتيب كل المرشحين في الدائرة في قائمة واحدة وفقاً لنسبة الأصوات التفضيلية التي نالوها في أقضيتهم. ففي دائرة المنية – الضنية ــ طرابلس، هناك ثلاثة أقضية، ويفترض أن تحتسب نسبة الأصوات التفضيلية التي نالها كل مرشح في قضائه.
طريقة الاحتساب هذه، وخاصة بعد فصل المنية عن الضنية، جعلت حظوظ المرشحين في المنية وفي الضنية أفضل من حظوظ المرشحين في طرابلس. وبما أن قضاء المنية يضم مقعداً واحداً، بات مرشحو المنية يحظون بفرصة للتقدّم على مرشحي طرابلس والضنية. وبما أن تيار المستقبل لا يزال، حتى اللحظة، يتمتع بتأييد ما لا يقل عن خمسين في المئة من أصوات الناخبين، فإن مرشحه سيحل أولاً في الدائرة، متفوقاً على الرئيس نجيب ميقاتي واللواء أشرف ريفي والنائب محمد الصفدي والنائب سمير الجسر والوزير محمد كبارة والوزير السابق فيصل كرامي، وسائر المرشحين الأقوياء، كالنائب السابق جهاد الصمد والنائب أحمد فتفت في الضنية. ففي طرابلس، وبصرف النظر عن عدد الناخبين، يكاد يكون مستحيلاً أن يحصل احد المرشحين الأقوياء على 25 في المئة من الأصوات التفضيلية التي ستتوزع على عدد كبير من المرشحين للفوز بـ8 مقاعد. أما فصل المنية عن الضنية، فمنح تيار المستقبل، على طبق من فضة، مقعد المنية. مرشحو الضنية بدورهم سيتفوقون على مرشحي طرابلس. ففي الضنية، ثلاثة مرشحين أقوياء يتنافسون على مقعدين، هم مرشحا تيار المستقبل والنائب السابق جهاد الصمد. ويتوقع، بالتالي، أن ينال كل من الثلاثة أكثر من 25 في المئة من الأصوات. ومن المحتمل أن تتجاوز النسبة التي ينالها اثنان من الثلاثة عتبة الثلاثين في المئة، علماً أن الصمد نال عام 2009 أكثر من 39 في المئة من أصوات الناخبين في الضنية، لكن النظام الانتخابي يومها كان يسمح للناخب أن يضع كلاً من أحمد فتفت والصمد في الوقت نفسه. أما في الانتخابات المقبلة، فيتعين عليه اختيار مرشح مفضل واحد. مع التأكيد أن وضع الصمد في تحسن متواصل منذ عام 2009 فيما المستقبل في تراجع، ولا يفترض أن تفهم الملاحظة السابقة بأنها تشكيك بقدرة الصمد على الحصول على 40 في المئة من أصوات الضنية التفضيلية.