عماد مرمل
بالتزامن مع تحضيرات الجيش اللبناني لشن هجوم حاسم على مواقع «داعش» في جرود القاع وراس بعلبك، بدت الحكومة خلال جلستها أمس مبعثرة الصفوف ومتعثرة الخطوات، بدل ان تواكب مهمة الجيش وهي متماسكة ومتجانسة.
وفيما المستجدات الميدانية في الداخل السوري تدفع أكثر فأكثر نحو تثبيت جذور النظام برئاسة بشار الاسد على وقع الانتصارات المتنقلة، وفيما العديد من العواصم الغربية والاقليمية المعروفة بعدائها للرئيس السوري توقفت عن المطالبة المتكررة بتنحيه وراحت تتعامل ببراغماتية مع الوقائع المستجدة… في هذا الوقت بالذات يبدو البعض في الداخل ملكيا أكثر من الملك، متجاهلا التحولات ورافضا التكيف معها، اقله بالحد الادنى الذي يخدم مصالح لبنان المباشرة.
ويعكس التجاذب الحاصل حول الزيارة المرتقبة لعدد من الوزراء الى دمشق قريبا حجم «الخواء السياسي» والمراهقة في بعض المواقف، وكأن مصير النظام وشرعيته يتوقفان على تفاصيل لبنانية من هذا النوع. والمفارقة ان رافضي منح تلك الزيارة اي صفة رسمية ينطلقون في موقفهم من ضرورة عدم مساهمة الحكومة في اعطاء شرعية للنظام السوري، في حين ان هناك سفيرا معتمدا لسوريا في بيروت وسفيرا للبنان في دمشق عيّنه مجلس الوزراء ذاته قبل فترة وجيزة، فهل يمكن للنظام ان يكتسب شرعية أوضح واكبر من هذه؟
اكثر من ذلك، ليس مفهوما كيف «يغص» البعض بزيارة وزارية تقنية الى دمشق، متجاهلا في الوقت ذاته ان لبنان يستجر الكهرباء من سوريا، وان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم يتواصل باسم الدولة اللبنانية مع القيادة السورية للتنسيق في ملفات امنية، وآخرها ملف ترحيل ارهابيي النصرة وعائلاتهم في مقابل الافراج عن أسرى المقاومة، علما ان هذه المهمة تحديدا حظيت الى جانب دعم رئيس الجمهورية بغطاء رئيس الحكومة سعد الحريري.
وإذا كانت دول بعيدة قد أعادت مد الخطوط مع دمشق، سواء من فوق الطاولة او تحتها، فكيف يمكن للبنان المتاخم لسوريا ان يقفز فوق حقائق التاريخ والجغرافيا، وقبلها ان يقفز فوق مصلحته المباشرة التي لا تحتمل ترف المكابرة السياسية، لا سيما في مثل هذه المرحلة الحساسة.
ولعل أخطر انواع المكابرة هي تلك التي تتعلق بعمل الجيش اللبناني الذي يستعد لتحرير جرود القاع وراس بعلبك من «داعش»، وهذه عملية تتطلب وفق كبار الضباط في المؤسسة العسكرية تنسيقا معينا مع الجيش السوري على الجبهة الاخرى، فهل يجوز امام مثل هذا الاستحقاق الوطني ان ترتفع أصوات بعض المنظرين السياسيين لتعترض على تنسيق حيوي يحتاج اليه الجيش لينتصر على «داعش» بأقل كلفة وأقصر وقت.
وليس معروفا أيضا اين تكمن الحكمة في رفض التواصل مع دمشق، بينما يوجد على ارض لبنان أكثر من مليون ونصف مليون نازح، تتطلب عودتهم الكلية او الجزئية، تنسيقا مع الحكومة السورية التي يفترض ان تكون معنية بالمشاركة في تحمل مسؤولية معالجة هذه القضية.
والى جانب ما سبق، تبرز تفاصيل أخرى تتصل بحاجات حيوية للناس، إذ ان السوق السورية تشكل ملاذا للعديد من المنتوجات الزراعية اللبنانية، وقد بادرت سوريا قبل مدة الى شراء كميات كبيرة من محصول الموز اللبناني بعدما ضاقت امامه الاسواق العربية، الامر الذي يؤشر الى اهمية بقاء العلاقة والحدود بين الدولتين منتظمة.
ثم ان الاتفاقيات التي تنظم العلاقة اللبنانية – السورية بموجب معاهدة التعاون الموقعة بينهما لا تزال في الخدمة بمعزل عن تفاوت المواقف من مضامينها، والحرص على دولة القانون والمؤسسات يُحتم احترام هذه الحقيقة والعمل بمقتضاها ما دامت سارية المفعول، اما من يعارض استمرار تلك الاتفاقيات فما عليه سوى السعي الى اسقاطها دستوريا، وعندئذ فقط تصبح غير ملزمة.
لا احد يطلب من معارضي النظام السوري التخلي عن مواقفهم حياله والتحول الى اصدقاء له، لكن لا بأس في ان يستفيد هؤلاء، او يتركوا لبنان يستفيد، من «الهامش» الذي يمكن ان يؤمنه حلفاء دمشق، أقله لـ«تصريف الأعمال» ومعالجة الشؤون المشتركة.
ثم ماذا لو علت أصوات من فريق 8 آذار لاحقا تعترض على زيارات يقوم بها مسؤولون الى السعودية او الولايات المتحدة الاميركية، ربطا بخصومة هذا الفريق مع هاتين الدولتين وقناعته بأن سياستهما تتعارض مع مصالح لبنان؟ ومن يقفل هذا الباب إذا فُتح على مصراعيه؟
بل أبعد من ذلك، كيف يصح ان يزور الرئيس الحريري واشنطن في خضم الحملة الاميركية على حزب الله ويسمع من الرئيس دونالد ترامب كلاما قاسيا بحق الحزب من دون ان يرد عليه، فيستوعب السيد حسن نصرالله ما جرى ويمتنع عن انتقاد سلوك رئيس الحكومة في هذا المجال، بينما لا يحتمل البعض في المقابل ان يزور وزيرا الزراعة والصناعة معرض دمشق الدولي؟
وقد حاول الحريري احتواء الآثار المرتبة على الاصطفاف الحاد الذي ظهر في الجلسة الحكومية، متسلحا بسياسة النأي بالنفس، قائلا: لقد اتفقنا عند تشكيل الحكومة على وضع القضايا الخلافية جانبا… ما نحن بصدده الآن هو أمر خلافي، ولذلك لم أكن أحبذ مناقشته في مجلس الوزراء، حتى لا يتعمق الانقسام… واللي بدو يطلع على سوريا، لن أقف ضده، لكنه يذهب كخيار شخصي.
وتابع الحريري ضاحكا: في كل الحالات، أنا ما بقدر اطلع على سوريا لاني محكوم إعدام…
وهنا رد الحاج حسن: انا فيي إطلع…
وبعد النقاشات، أخفق مجلس الوزراء في التوصل الى مقاربة مشتركة لمبدأ الزيارات الرسمية الى سوريا، وسط الانقسام الذي عكسته المداخلات المتضاربة، ما دفع رئيس الحكومة الى طلب سحب المداولات من المحضر، وهو الامر الذي وافقه عليه الوزراء.
وقد اختصر وزير الاعلام ملحم رياشي المشهد بقوله بعد الجلسة ان مجلس الوزراء نأى بنفسه عن المحاور الاقليمية.
وكان وزير «القوات اللبنانية» بيار ابي عاصي قد سأل في مستهل النقاش عما إذا كان هناك قرار من الحكومة بأن يزور عدد من الوزراء سوريا، فما كان من الوزير الحاج حسن ان أجابه: أنا ذاهب لحضور معرض اقتصادي، وهناك مصلحة للبنان من هذه الزيارة، علما انني كنت أفضل ألا يُطرح الموضوع على مجلس الوزراء، خصوصا انني تكلمت بخصوصه مع دولة رئيس الحكومة قبل الجلسة.
وتعاقب عدد من وزراء 8 آذار على الكلام، مؤكدين تأييدهم للتنسيق مع سوريا في كل المجالات ولزيارة الوزراء اليها، لان في ذلك مصلحة للبنان بالدرجة الاولى.
وكان لافتا للانتباه ان «التيار الحر» ظهر متحمسا للتنسيق اللبناني- السوري، ولفت وزير الخارجية جبران باسيل الانتباه الى ان مجلس الوزراء عين مؤخرا سفيرا للبنان في دمشق، والسفير السوري موجود في بيروت وهو يلتقي المسؤولين، ثم ان كل العالم انفتح على سوريا، وسُجلت زيارات سياسية وامنية في هذا الاطار…
وعلمت «الديار» ان وزير الاقتصاد رائد الخوري الذي تلقى ايضا دعوة رسمية سورية للمشاركة في افتتاح معرض دمشق الدولي، رفع كتابا في هذا الشأن الى الامانة العامة لمجلس الوزراء حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
وأبلغت مصادر وزارية بارزة «الديار» ان موقف المعترضين على زيارة سوريا انما يندرج في سياق محاولة استدراك ما يجري واعادة الاعتبار بعدما شعروا ان قطار التنسيق يمضي في سكته على الصعد كافة.
وتشير المصادر الى ان المطالبة بتوسيع نطاق القرار 1701 للسماح بانتشار قوات «اليونفيل» عند الحدود الشرقية لا تنفصل كذلك عن السعي الاميركي مع بعض القوى الداخلية الى الرد على السيطرة العسكرية لحزب الله على جرود عرسال.
وتلفت المصادر الانتباه الى ان التدقيق في النص الحالي للقرار يُبين انه ليس مطاطا ولا يسمح بنشر «اليونيفيل» على الحدود الشرقية، معتبرة ان المتحمسين لتوسيع رقعة وجود القوات الدولية بحاجة الى استصدار قرار جديد من مجلس الامن وبالتالي الحصول على موافقة روسيا والصين.
وقال الوزير حسين الحاج حسن لـ«الديار»: أنا ذاهـب الى سوريا كوزير للصناعة لا بصفـتي الشــخصية، ومن لديه اعتراض فهذا شأنه وهو حر في رأيه، وهــناك اساسا خلاف في الحكومة حول المسألة السورية.
وأضاف: لم أكن مع طرح الموضوع في مجلس الوزراء، وفي نهاية المطاف سُحب من التداول، وانا سأزور دمشق للمشاركة في مؤتمر اقتصادي ولقاء عدد من المسؤولين.
وقال الوزير علي قانصو لـ«الديار»: البعض توقف الزمن لديه عند حدود عام 2011، بحيث لا يلحظ كل المتغيرات التي حصلت منذ ذلك الحين، ويتصرف على قاعدة: عنزة ولو طارت.
ويشدد على ان مصلحة لبنان قبل غيره تتطلب تعزيز التنسيق مع سوريا في كل الميادين الامنية والاقتصادية والسياسية.
عون… و«السلسلة»
على صعيد آخر، وفي ما يتعلق بمصير سلسلة الرتب والرواتب، أكد مقربون من الرئيس ميشال عون لـ«الديار» انه ليس حتى هذه اللحظة بوارد رد قانون السلسلة، موضحين ان من بين خياراته الدعوة الى عقد طاولة مستديرة لمناقشة مآخذ بعض الجهات القطاعية على السلسلة، او ترك مهلة الشهر تمر بحيث يصبح القانون نافذا تلقائيا بعدها، علما ان الافضل بالنسبة اليه يبقى اقرار الموازنة حتى يبنى عليها اي انفاق او إيراد.
ويرى المقربون من قصر بعبدا ان الموازنة هي الوردة التي يجب ان تتوسط باقة القوانين المالية، وهو يأمل في اقرارها قريبا حتى تنظم المسارات المالية للدولة.
ويشير هؤلاء الى ان العلاقة بين عين التينة وقصر بعبدا جيدة، بمعزل عما إذا كان رئيس الجمهورية سيـرد السلسلة ام لا، مؤكدين ان كلا من الرئيس عون والرئيس نبيه بري يتطلعان الى تفعيل التعاون بينـهما.