IMLebanon

برّي «ممتعض».. وأوساط «الوطني الحرّ» : البرلمان فاقدٌ أصلاً للشرعيّة!

لطالما كان «التوافق المسيحي» حلمًا بالنسبة للكثيرين، ولكنّه حلمٌ بدا بعيد المنال نظرًا للانقسامات والخلافات التاريخية والمبدئية بين الأحزاب المسيحية المختلفة على كلّ شيء والمتباعدة في العمق. مع ذلك، تمنى اللبنانيون أن يتحقق هذا «الحلم»، فيتوافق المسيحيون فيما بينهم على إنجاز الانتخابات الرئاسية، لينعم اللبنانيون للمرّة الأولى برئيسٍ «صُنِع في لبنان»، وهو ما دفعهم ليستبشروا خيرًا بمناخ الحوارات التي انطلقت في أكثر من مكان. انتظر اللبنانيون هذا «التوافق» رئاسيًا، فإذا به يأتيهم «نيابيًا»، على شكل «تطيير» الجلسة التشريعية التي كان يفترض أن تُعقَد خلال الأيام القليلة المقبلة.

توضح مصادر نيابية مطّلعة أنّ الخلفيات التي تنطلق منها الكتل المسيحية ليست واحدة، فموقف حزب «الكتائب» مثلاً حاسمٌ ونهائيٌ وقد أعلنه منذ فترة طويلة، وهو يرفض المشاركة في أيّ جلسةٍ تشريعية بغضّ النظر عن جدول أعمالها وبنوده، لأنّه يعتبر أنّ المجلس النيابي هو اليوم «هيئة انتخابية»، وبالتالي فإنّ «أولوية الأولويات» بالنسبة إليه يجب أن تكون انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، لا «التطبيع مع الفراغ» وتحويله إلى أمرٍ واقعٍ طبيعي يمكن للحياة أن تستقيم من دونه، وكأنّه لم يكن بكلّ بساطة، كما هو حاصلٌ اليوم أصلاً.

في المقابل، تشير المصادر إلى أنّ موقف «القوات اللبنانية» أقلّ «تطرّفًا»، إذ يحمل بعض «الاستنسابية»، فهي لا ترفض التشريع بالمُطلَق، ولكنّها تستند إلى ما بات يُعرَف بـ«تشريع الضرورة» لحسم موقفها من أيّ جلسةٍ تُطرَح على بساط البحث، وهي ترفض انطلاقاً من ذلك أن ينزلق «تشريع الضرورة» من الأهمّ إلى الأقلّ أهمية وصولاً حتى إلى التشريع العادي. من هنا، تشدّد المصادر على أنّ هناك «شروطًا موضوعية» بالنسبة لـ«القوات» لأيّ جلسةٍ تشريعيةٍ، أولها أن يتضمّن جدول أعمالها قانون الانتخاب أو قانون الموازنة في الحدّ الأدنى، مع عدم الممانعة في إقرار عدد من المشاريع الضرورية الأخرى لتسيير حياة المواطنين، ولكن على هامش جلسة تتناول أحد القانونين السابقين.

واستنادا إلى مبدأ «تشريع الضرورة» أيضًا، أعلن تكتّل «التغيير والإصلاح» مقاطعته للجلسة التشريعية، بعدما رأى أنّها تفتقد لمقوّمات «تشريع الضرورة»، كما أعلن بعيد اجتماعه الأخير. لكنّ المصادر النيابية ترى أنّ الأمر أبعد من ذلك، وهو مرتبط بمعركة التعيينات الأمنية والعسكرية التي ارتضاها «التيار الوطني الحر» معركة حياةٍ أو موت في هذه المرحلة، خصوصًا أنّ جدول أعمال الجلسة التشريعية المزمعة لم يَبدُ مغريًا بالنسبة له، بغياب سلسلة الرتب والرواتب وكذلك قانون استعادة الجنسية الذي سبق أن طلب إدراجه في جدول أعمال الهيئة العامة، ومن دون أن ننسى وجود خشية لدى «التيار» من تمرير اقتراح قانون معجل مكرر يقضي بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية، بشكلٍ يعتبره مخالفاً للقانون والدستور.

تعدّدت الأسباب التي تسلح بها كلّ فريقٍ إذًا، لكنّ النتيجة بقيت واحدة. ذهبت الجلسة التشريعية مهبّ الريح، وبقي اللبنانيون أسرى انتخاباتٍ رئاسيةٍ تتحمّل الكتل المسيحية نفسها مسؤولية أساسية بعدم إنجازها. إزاء هذا الواقع، تستبعد المصادر أن يلجأ رئيس المجلس النيابي نبيه بري لتحديد أيّ موعدٍ للجلسة التشريعية، طالما أنه واثق أنّ «الميثاقية» ستكون غائبة عنها، وهو يرفض فكرة عقد أيّ جلسةٍ، أيًا كان شكلها أو نوعها، يغيب عنها مكوّنٌ أساسيٌ، ولو تأمّن نصابها الدستوري. لكنّ المصادر تؤكد أنّ بري «ممتعض» بشدّة من موقف الكتل المسيحية الأساسية الثلاث، وخصوصًا من موقف «حليف حليفه» الذي كان ينتظر منه أن يؤمّن «الغطاء الميثاقي» لمثل هذه الجلسة، لا أن يغطّي «تطييرها» بكلّ بساطة، وإن كان «يتفهّم» موقفه، في إطار «سوق المزايدات» المفتوح على مصراعيه على الساحة المسيحية هذه الأيام.

«امتعاض» بري دفعه للتلويح بورقة «حلّ المجلس النيابي» من باب «الضغط المعنوي» على النواب المقاطعين لا أكثر ولا أقلّ، كما تقول المصادر، لافتة إلى أنّ الردود غير المكترثة بل المسخّفة لطرح بري زادت من «امتعاض» الرجل، الذي بات يعتبر الموضوع تحديًا أساسيًا بالنسبة له، وإن كان الدستور لا يتيح له صلاحية حلّ المجلس النيابي من تلقاء نفسه، باعتبار أنّ الآلية تتطلب وجود رئيسٍ للبلاد يقوم هو بدعوة الحكومة للقيام بهذه الخطوة، وبالتالي فإنّ خطوة بري، إذا كانت جدّية، تبقى مؤجّلة حتى إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

وفيما ترفض أوساط «القوات» و«الكتائب» التعليق على طرح بري وفتح سجالٍ معه، مكتفية بالقول أنّ الأمور تُحَلّ بمجرّد إنجاز الانتخابات الرئاسية كون الفراغ الرئاسي هو «عقدة العقد» و«الداء الأساسي» الذي يعاني منه الوطن، «وبالتالي، فإذا كان هناك من أحدٍ يجب لومه، فإنهم دون شكّ حلفاء بري الذين يتحمّلون مسؤولية عرقلة الانتخابات الرئاسية عبر تطيير نصابها بتغطية مباشرة أو غير مباشرة من بري نفسه»، تذهب أوساط «التيار» للقول أنّ البرلمان أصلاً فاقدٌ للشرعية بنظرها، بعد أن مدّد لنفسه دون وجه حقّ لمرّتين متتاليتين، وبالتالي فإنّ المسار الطبيعي يقضي بسقوط هذا المجلس الذي فقد المشروعية الشعبية والميثاقية وانتخاب مجلسٍ جديد، وهي تشدّد على أنه لن يكون «مأسوفًا عليه» متى سقط، بغضّ النظر عن شكل ونوعية هذا السقوط، علمًا أنّها تدعو لـ«تفهّم» موقف «التيار» بدل «لومه»، وهو الذي يسهر على تطبيق القانون والدستور ويرفض تمرير التجاوزات أكثر.

في الختام، تبدو فرص الجلسة التشريعية معدومة في هذه المرحلة، على الرغم من «ضغوط» رئيس المجلس النيابي لتمريرها ولو بالحدّ الأدنى، لمواجهة كلّ الأقاويل التي تتحدّث عن «تقصير» هذا المجلس، الذي لم يجتمع في المحصّلة إلا للتمديد لنفسه، في مفارقةٍ فاقعة تبقى برسم البعض ممّن يعتبرون «مصلحتهم الخاصة» أولى من «مصالح المواطنين»!