IMLebanon

«اللعبة» في القلمون انتهت : نحن أمام انتصار ميداني

نصر الله نجح في استراتيجيّة «الغموض البنّـاء» المتدحرجة

«اللعبة» في القلمون انتهت : نحن أمام انتصار ميداني

ابراهيم ناصرالدين

خيب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ظن الكثيرين ممن اعتقدوا انه سيخرج اليهم بخطاب التباهي بالنصر المبين في القلمون، طبعا هم خيبوا ظنه ايضا لانه كان يظن انهم يدركون كيف يفكر، وكيف يدير معاركه، لكن لا بأس فما حصل دليل على نجاح استراتيجية «الغموض البناء» المتدحرجة بمفاجآتها الميدانية المذهلة ونتائجها التي ستتظهر خلال المرحلة المقبلة، لكن ثمة من خرج ليطرح السؤال عن الاسباب الكامنة وراء الاطلالة المتلفزة؟ وهل من امر ملح استدعى ذلك؟

من يواصل طرح اسئلة مشابهة يتمتع بسذاجة منقطعة النظير، تقول اوساط بارزة في 8أذار، فهذه المواكبة الاعلامية من قبل السيد نصرالله هي جزء من ادوات المعركة المفتوحة في القلمون، «فالتدحرج» الميداني يقابله «تدحرج» في حل «الاحجية»، والامين العام لحزب الله يمارس «لعبة» «البازل» مع «خصومه»بنجاح ويعمل على تركيب القطع «بتقسيط» ممنهج ويتعمد تاجيل اكتمال الصورة، فهو على سبيل المثال اختار عن «قصد» هذه المرة حسم التأويلات حول طبيعة هذه المواجهة، وقدم بعدها اللبناني على ما عداه من اهداف استراتيجية، لم ينفها، ولم ينكر اهميتها، ولكن تصويب البوصلة لجهة شرح فوائد النظر اليها من منطلق حسابات محلية وجغرافية «ضيقة»، مهم لان اولى التداعيات ستكون في المرحلة المقبلة داخلية.

فحماية البلدات البقاعية واهلها من الارهاب التكفيري، وحماية الداخل اللبناني من خطر هؤلاء، اولوية لدى حزب الله تتجاوز اي حسابات ترتبط بالمواجهة الكبرى في المنطقة، والدليل على ذلك الاعلان المسبق للسيد نصرالله قبل عدة اشهر في خطاب «ذوبان الثلج»، محددا «ساعة الصفر» لمعركة «الحسم» التي لم تاخذها قيادة فرع تنظيم القاعدة في القلمون على محمل الجد، ولم يحسن تيار المستقبل الاستفادة من الفرصة لاجراء مراجعة جادة تحصن الساحة الداخلية، وراهن على انتصار «التكفيريين»، ورغم ذلك منح السيد نصرالله هذه القوى فرصة جديدة لتصحيح اوضاعها والتاقلم مع الواقع الجديد تحت عنوان الاقفال النهائي «للجبهة اللبنانية» ووضعها خارج «الخدمة». لكنه زاد «قلقها» هذه المرة عبر الايحاء بان المرحلة الجديدة ستسمح لحزب الله ايلاء الوضع الداخلي درجة اكبر من الاهتمام، واعطاء زخم اضافي لتحرك حليفه الجنرال ميشال عون في معركته الرئاسية.

ووفقا لتلك الاوساط، جاء كلام السيد نصرالله ليشرح هذا التلازم بين توقيت اطلاق «الجنرال» لمبادرته لايجاد حلول للازمة الداخلية المعقدة، وبين نتائج التقدم العسكري في القلمون، ففي كلا الملفين تبرز «استراتيجية» اتاحة الفرصة للفريق الاخر للتلاقي في «منتصف الطريق»، وعلى ما يبدو فان ايقاع التصعيد «العوني» سيكون متلازما مع ايقاع نتائج المواجهة ، ولا يخفى على احد ان هذا الحراك الثنائي ياتي عقب اللقاء المطول بين الرجلين، ويبدو واضحا انه تمت «فرملة» التصعيد الذي كان يتجه عون الى البدء به وجرت «دوزنته» لتحصينه عبر تغيير موازين القوى على الحدود بما يسمح بتحقيق النتائج المرجوة منه، وكان السيد نصرالله واضحا بتقديم النصيحة «لخصومه» بالتعامل بجدية مع المخارج التي قدمها «الجنرال»، وقدم اشارة واضحة الى استعداد الحزب «لتدوير الزوايا» دون التنازل عن الثوابت للوصول الى تسويات، وهي «رسالة» مزدوجة تريح رئيس تكتل التغيير والاصلاح الذي يلح على ضرورة ايلاء حزب الله الشان الداخلي اهتماما اكبر، ولا شك انها «رسالة» مقلقة لقوى 14آذار التي تعرف ان عودة الحزب الى «الداخل» تعني ان «الصداع» قادم لا محالة.

وبحسب قراءة تلك الاوساط، فان السيد نصرالله اعتمد «الغموض البناء» في توصيفه للمرحلة المقبلة ضمن استراتيجة «الميدان يتحدث»، لكن هذا «التكتيك» يضمر في ثناياه قراراً واضحاً باستكمال المهمة مهما كان الثمن، ومن الواضح ان هذه المواجهة لن تتوقف الا بعد طرد المجموعات المسلحة من الحدود الشرقية، اما التعقيدات المفتعلة والمضخمة لمنع التقدم نحو جرود عرسال، فهي لن تكون عائقا امام الخطة المتدحرجة للمقاومة، القرار متخذ ويبقى التوقيت ملكا للقيادة العسكرية التي حصلت على «الضوء الاخضر» من مجلس الشورى منذ اليوم الاول لاستكمال الجهوزية، اما مشكلة عرسال فحلها بيد من ورط البلدة في هذا المازق، ومن صعد «بالحمار الى الماذنة» عليه بانزاله، ومن يملك قرار هؤلاء القتلة في الجرود حان الوقت ليعترف بسقوط رهاناته اللبنانية والسورية انطلاقا من هذه الجبهة، وثمة فرصة سانحة اليوم كي يخفف خسائره، «ورسالة» السيد الى من يملك «المونة» على هؤلاء واضحة، «الوقت ينفد» والخيارات محدودة، فاما تكرار نموذج المدينة القديمة في حمص عبر تامين ممر آمن للمجموعات التكفيرية لاخلاء المنطقة بشروط الدولة السورية وحزب الله، واما سيتم اخلائها بالقوة العسكرية، وهو امر اصبح بمتناول اليد بعد الانهيارات المتسارعة على امتداد جبهة القلمون.

اما البعد الاستراتيجي المؤجل الحديث عنه فهو حاضر بقوة في معركة القلمون، وعندما اتخذ القرار بالحسم، كانت الرؤية واضحة على المستوى الاستراتيجي في المنطقة، فالفريق السياسي الداعم للمجموعات التكفيرية في لبنان يعاني من مازق كبير لا يحسد عليه، فهو يتاثر بازمة الثقة المتنامية بين المحور الذي تقوده السعودية وبين الولايات المتحدة الاميركية، فواشنطن مربكة بفعل السلوك الخليجي «المتهور» في اليمن، رغم تقديمها المساعدات اللوجستية للعدوان، لكن الاهم في هذا السياق ان الدعم المستجد للتحالف السعودي التركي القطري لـ «جبهة النصرة» في سوريا، يقلق الولايات المتحدة ويتعارض مع استراتيجيتها في مكافحة الارهاب، وهنا يمكن فهم تركيز السيد نصرالله في خطابه على اجراء مقاربة بين «داعش» والمملكة العربية السعودية للوصول الى استنتاج مفاده انهما «وجهان لعملة واحدة»، وهو بذلك يخوض حربا نفسية ودعائية من الدرجة الاولى تزيد من الشرخ في معسكر «الاعداء»، ليبين ان الازمة الراهنة وراء القلق الخليجي ليست طهران التي لم تتغير، بل سبب هذا الهلع هو الادارة الاميركية التي اتخذت قرارا استراتيجيا «بالتسوية» مع ايران وترفض الدخول باي صدام معها تجنبا لاي اهتزاز في المفاوضات النووية، فاوباما لا يبدو معنيا بتعزيز ايران لنفوذها في المنطقة، ويضع «نصب عينيه» الصراع مع التنظيمات التكفيرية، وهذا الانقسام يعزز اوراق محور المقاومة، والساحة اللبنانية لن تكون بعيدة عن هذه التداعيات، ولان حزب الله لم يتعود الانتظار بادر الى تغيير الوقائع «وقلب الطاولة» قبل ان تتبلور صيغة التفاهم بين الحلفاء في المعسكر الاخر، وهو يستغل حالة الارباك الراهنة على اكمل وجه.

لم يطرح السيد نصرالله اسئلته الدالة على ارهاب المجموعات المسلحة في سبيل الحصول على اجابات من الفريق الاخر، ولم يطرحها لتبرير قيام حزب الله بواجبه الوطني في تحرير المناطق اللبنانية المحتلة، كما انه لا يامل بصحوة ضمير من قبل «خصومه» المتورطين بمشروع اقليمي لا يسمح لهم بالتراجع عن الدور المناط بهم، لكنه يبلغهم ان «اللعبة انتهت» ولن يكون بمقدور الرعاة الاقليميين استخدام الساحة ممرا لضرب الاستقرار في سوريا او تهديد الامن في لبنان، المطلوب في المرحلة المقبل ان «يزيحوا» من الدرب ويرفعوا ايديهم عن المؤسسة العسكرية والتوقف عن ممارسة الترهيب والترغيب في محاولة لنزع الصفة الوطنية عن المواجهة في القلمون من خلال المحاولات الدؤوبة لتحييد الجيش وتقييد تحركاته «لحشر» حزب الله وثنيه عن اكمال المهمة في امتارها الاخيرة. طبعا لن تنجح هذه المحاولات ولن يطول الوقت قبل اعلان السيد نصرالله الانتصار في هذه المعركة.