ميشال نصر
يجمع الخبراء الاجانب الذين يزورون لبنان في اطار برامج التعاون والتنسيق والتقييم مع الاجهزة اللبنانية على النقلة النوعية التي تمكنت هذه الاجهزة على تحقيقها في مهلة زمنية قياسية ، رغم الضغوط والنكسات التي اصيب بها الجسم الامني اللبناني ما بعد عام 2005 ، معتبرين ان لبنان استطاع تحقيق انجازات ضخمة على صعيد اعادة تنظيم مؤسساته الامنية وتاهيلها في وقت قياسي، رغم الهفوات والاخطاء والمخالفات التي تحصل بين الحين والآخر ، والتي قد تجد تبريرها في الضغط الشعبي والامني الذي ترزح تحته.
ويعتبر المراقبون ان وصول وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الى وزارة الداخلية ، شكل نقطة تحول اساسية، نتيجة التناغم القائم بينه وبين قائد الجيش العماد جان قهوجي، والثنائية التي استطاع خلقها بين اجهزة الداخلية واليرزة ، والتي رفعت نسبة التنسيق والتعاون الى ما فوق الاربعين بالمئة، في مقابل نجاحه بتفعيل التعاون الامني مع حزب الله عبر مسؤول الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا، رغم الاعتراضات الخارجية الكثيرة، العربية والدولية، التي وصلت مسامع الوزير نتيجة تلك العلاقة.
في هذا السياق يعترف مسؤول امني كبير ان الغطاء السياسي الذي تامن من قبل الطبقة الحاكمة بمختلف فئاتها، واجماعها على ابقاء الملف الامني خارج التجاذبات والانقسامات القائمة بحده الادنى، وتوفير المقومات الاساسية للتحرك الذي ساعد فيه من جهة اخرى الحوار القائم بين المستقبل وحزب الله، ساهم الى حد كبير في اعطاء صورة سليمة عن اداء الاجهزة الامنية، بعد فترة من التضارب في تنفيذ المهمات،وسط الضغط الميداني الكبير وتنوع الجبهات التي يعمل عليها ، سواء في مواجهة العدو الاسرائيلي ، او الشبكات الارهابية وصولا الى العمل الروتيني اليومي والذي جديده العمل الدؤوب لبسط «الأمن الاجتماعي» الذي تجلى بسلسلة المداهمات في إطار حملة سلامة الغذاء، بعدما كانت القاعدة هي «الفساد»، حيث كان للمديرية العامة لامن الدولة المساهمة الكبرى في مواكبة عمل مندوبي وزارة الصحة، وفي اتخاذ الاجراءات اللازمة، والكشف عن تجار ادخلوا مواد فاسدة، علما ان هذا الملف يوازي بأهميته توقيف الارهابيين لكونه يمس بحياة المواطنين اليومية .
ويعتبر المرجع في هذا الاطار ان التكامل القائم بين القوى العسكرية والامنية شكل نقطة قوة اساسية، لصالح الامن اللبناني تم البناء عليها ، خاصة مع نجاح الجيش اللبناني باقفال المعابر التي يتسرب منه الارهابيون الى الداخل ، كما في تنفيذ الخطط الأمنية في مختلف المناطق والتي توّجت بالإنتشار في الضاحية وإجراء سلسلة من المداهمات كانت حصيلتها عشرات من المطلوبين والفارين من وجه العدالة والتي شاركت فيها جميع الاجهزة دون استثاء، وتمكنه من استعادة المبادرة في عرسال، التي شكلت المفتاح الاساسي في الحرب ضد النصرة وداعش، مثنيا على المعلومات القيمة التي تجمعها الوحدات العسكرية المنتشرة على الارض ، كذلك النشاط الممتاز لسلاح الجو اللبناني في مجال الاستطلاع الامني، الذي سمح بتحديد مكان تواجد العسكريين الاسرى، فضلا عن تمكن الاجهزة الامنية من زرع «عملاء» لها داخل عرسال وتشكيل خلايا داخل التجمعات السورية، وصولا الى المخيمات الفلسطينية ، وداخل المجموعات الارهابية نفسها، حيث نجحت الاجهزة اللبنانية في استدراج اكثر من مطلوب وتوقيفه في عمليات بقيت بعيدا عن الاعلام، ما اثمر جملة من التوقيفات «الدسمة»، وسمح بتوجيه ضربات قاسية للمجموعات الارهابية افقدها جزءا كبيرا من توازنها.
ويكشف المصدر أن توقيف عدد من المطلوبين في الفترة الأخيرة تم نتيجة التنسيق والتعاون بين الأجهزة، التي تضافرت على جمع المعلومات، بالتعاون مع اجهزة صديقة في كثير من الاحيان، واجراء الاستقصاءات اللازمة، ولعل الابرز في الفترة الاخيرة توقيف عمر ميقاتي الملقب بـ «أبي هريرة» وبلال ميقاتي الملقب بـ «أبو عمر اللبناني» و«أبو عمر الطرابلسي»، وخالد حبلص، واخرهم السبت الماضي السوري يعرب عبد العزيز الفرج الملقب بــ «يعرب أبو جبل»، والناطق الإعلامي لتنظيم «داعش» عبد الرحمن بازرباشي، الملقب بـ «حفيد البغدادي»، بعد تضييق الخناق عليهم في المناطق التي كانوا لجأوا اليها، وإجبار البعض منهم على الاستسلام، متحدثا عمل جبار حصل على صعيد ملفين من «الحجم الكبير» بين كل من «امن الدولة» و«مخابرات الجيش» من جهة، وبين «الامن العام» وقوى «الامن الداخلي» من جهة اخرى.
فمجموعة حبلص باتت بحكم المنتهية مع توقيف آخر حبات العنقود محمد وخليل كلينك اللذان كانا متواريين عن الانظار منذ انتهاء المواجهات، وبعده توقيف الناطق الإعلامي لتنظيم «داعش»، الطرابلسي عبد الرحمن بازرباشي (21)، الملقب بـ «حفيد البغدادي»، المرتبط بملف العسكريين المخطوفين، وعلى معرفة بخلايا تكفيرية في الشمال، كما بحوزته معلومات حول «داعش» وقياداته والمتعاملين معه، لأنه كان مقرباً من قيادات الصف الأول في القلمون بصفته ناطقاً إعلامياً، بعد رصده من قبل مديرية المخابرات عندما استخدم مواقع التواصل الاجتماعي للدخول الى صفحة جو قهوجي، ابن قائد الجيش، على الانترنت حيث شن هجوماً لاذعاً عليه وعلى والده، وأطلق سيلاً من التهديدات بحقهما.وقد أمسكت المخابرات بطرف الخيط وراحت تتابعه، الى ان حاول الخروج من الجرود في اتجاه عرسال، حيث تواصل مع بعض الوسطاء فيها وفي طرابلس من أجل تأمين عودته الى المدينة، فتم رسم خريطة طريق العودة بمعرفة مديرية المخابرات التي تمكنت من إلقاء القبض عليه مع آخرين في بلدة اللبوة مع مجموعة من الشبان. وقبل كل ذلك مقتل اوسامة منصور، وانفراط عقد خلايا الشيخ احمد الاسير وشادي المولوي.
ويخلص المرجع الى ان حجم الانهيار الذي أصاب البنية الاساسية للخلايا الارهابية بعد سلسلة التوقيفات الاخيرة، وفقدان المسلحين لقنوات التواصل مع المجموعات المسلحة خارج لبنان، وحالة اليأس التي وصل إليها المسلحون ودفعتهم في الآونة الأخيرة، إما إلى العودة إلى منازلهم أو تسليم أنفسهم، مع استحالة بقائهم فارين أو اللجوء إلى أماكن أخرى كانوا يعولون عليها في جرود عرسال أو القلمون، ساهمت الى حد كبير في شل حركة الارهابيين.
لا شك ان العامل البشري والخبرة لعبت دورا اساسيا في المرحلة السابقة وما زالت حتى الساعة ، الا انه في المقابل ايضا، فقد ساعدت التقنيات الحديثة التي زودت بها الاجهزة المختصة من فرنسا والمانيا والولايات المتحدة، في اطار برنامج المساعدات الدولية وكذلك برامج التدريب ، في تطوير الاداء بشكل لافت، كما ان العمل ببعض المعايير الحديثة على الصعيد المدني لجهة تنظيم بعض المديريات العائدة لوزارة الداخلية سيساهم بدوره في احداث النقلة المطلوبة.وفي هذا الاطار تتحدث المعلومات عن اتفاق مبدئي على اقتطاع جزء من حصة وزارة الداخلية من مكرمة المليار دولار السعودية ، لتمويل اصدار جوازات السفر الجديدة المطابقة للمعايير الدوليةpassport barometrique ، كذلك لوحات السيارات ودفتر السوق الجديدة التي ستساعد الى حد كبير في تخفيف مخاطر السيارات المفخخة.
رغم تلك «الرؤية الزهرية»، يشدد العالمون بالامن وشؤونه ان سياسة الاستقرار الهش التي يشهدها لبنان حاليا، قائمة بجزء كبير منها على المظلة الاقليمية والدولية،على اعتبار ان البلد يسيرعلى الايقاع السياسي فالمعادلة الحاكمة واضحة للجميع ، عندما يهتز التوافق السياسي تتراجع نسبة التوقيفات وتعود الاعتبارات والتغطيات، التي تحكمها الاحزاب والطوائف.