Site icon IMLebanon

موقف جنبلاط ادى الى تقسيم الدروز بين مؤيد للنصرة ومقاوم لها

موقف جنبلاط ادى الى تقسيم الدروز بين مؤيد للنصرة ومقاوم لها

الضمانات التركية القطرية لم تمنع مجزرة «قلب لوزة» وصلاة الغائب في بعقلين

فصائل درزية شاركت بالدفاع عن مطار ثعلة و«النصرة» تتهمهم بافشال هجومها

كان لافتاً موقف رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من الاحداث السورية وما عصف بدروز سوريا واضحاً وأدى الى انقسام في الموقف الدرزي بين مؤيد لجبهة النصرة ومقاوم لها.

فالنائب وليد جنبلاط دعا الى مصالحة اهالي حوران وفتح صفحة مع النصرة ومع «الثورة السورية» والخروج من المزايدات وعدم التهور لان نظام بشار الاسد انتهى، واكد بان حادثة قلب لوزة فردية وسيعالجها باسلوبه واتصالاته الاقليمية.

وفي المقابل شن المعارضون لجنبلاط هجومات على مواقفه وبان دماء الدروز ليس سلعة وليس للبيع والشراء وقاد الحملة المضادة كل من النائب طلال ارسلان ووئام وهاب وفيصل الداوود وغيرهم من القيادات وحملوا جنبلاط مسؤولية ما سيحصل وبان حماية الدروز من حماية سوريا.

والبارز ان موقف جنبلاط الداعم للنصرة وفتح صفحة جديدة مع المسلحين السوريين المعارضين للنظام ادى الى انقسام درزي واضح حول الملف السوري تجاوز لبنان وصولاً الى سوريا والاردن وفلسطين، بعد ان كان الموقف الدرزي موحداً من ضرورة دعم النظام السوري ومحاربة التكفيريين قبل مواقف جنبلاط.

قلق درزي

قلق درزي عام من لبنان الى سوريا الى فلسطين الى الاردن على المصير، حيث يعيش الدروز اخطر مرحلة في تاريخهم منذ وجودهم على هذه الارض، كون الدروز يعرفون حقيقة القوى التكفيرية وافكارهم القائمة على تكفير الآخر وتحديداً الدروز، فالقوى التكفيرية تعتبر الدروز، كفاراً، وليسوا اسلاماً، ومعتقداتهم، لا علاقة لها بالاسلام، وهذا هو الخلاف الحقيقي، علماً أن الدروز عاشوا «محناً» في تاريخهم، جراء تكفيرهم من الآخر، وتعرضوا منذ مئات السنين وفي نفس المناطق تحديداً «حلب وادلب» الى مجازر ادت الى نزوحهم الى جبل العرب ولبنان وبقي قلة لا تتجاوز اعدادها الـ35 الف درزي يتعرضون للتهجير الآن حيث التاريخ يكرر نفسه. ولكن ليس في الامر اي استغراب كون التكفيريين لا تختلف نظرتهم للدروز عن نظرتهم للمسيحيين وللشيعة ولكل الاقليات وفكرهم قائم على «تكفير الآخر».

بعد سيطرة «النصرة» على جبل السماق في ادلب، حيث يتوزع الدروز على 7 قرى تقع مباشرة على الحدود التركية، فغادر القرى الدرزية اكثر من 10 آلاف مواطن. اما الآخرون فبقوا في ارضهم، واللافت ان الدولة التركية عرضت نقلهم الى الاناضول وتأمين مخيمات لهم فرفض الدروز.

وللحقيقة فان المناطق كانت آمنة عامي 2011 و2012، ومع سيطرة لـ«النصرة» وطرد «احرار الشام» بقيادة جمال معروف، تبدلت الاوضاع كلياً، وبدأ الدروز يتعرضون للتنكيل والقتل وحصلت مجزرة «كرم الزيتون» كما طلب المسؤول عن «جبهة النصرة» عبد الرحمن التونسي، وهو من اصول تونسية ولا يعترف بالآخر، من الدروز، التخلي عن درزيتهم، واعتناق الاسلام السني، والالتزام بالشعائر السنية «وحلق الذقون» و«الشوارب» وارتداء «اللبس الشرعي» لـ«النصرة» ومن يرفض عليه دفع الجزية، حتى وصلت الامور بأن المطلوب من كل درزي الانحناء عند مرور اي عنصر من «النصرة» ولا يرفع رأسه الا بعد مرور الموكب او العنصر.

وتشير معلومات ان النائب وليد جنبلاط تحرك على الفور باتجاه تركيا وقطر، وحصلت اجتماعات في تركيا بمشاركة ممثلين دروز، وتم تخفيف الاجراءات لفترة بسيطة جداً، ويبدو ان الضمانات التي اعطيت لجنبلاط لم تنفذ وبقرار تركي وللابتزاز.

واللافت وحسب المعلومات ان انقسامات حصلت بين دروز ادلب على «خلفية التدخلات» ومعاملة بعض الدروز «بالعنف» واتهامهم بالولاء للنظام السوري، وبالتالي زادت الممارسات الوحشية لـ«النصرة» بحق الدروز عبر مداهمات يومية للمنازل منذ اسابيع، بالاضافة الى اسئلة توجه للدروز عن مدى التزامهم بالفرائض الاسلامية والويل لمن «لا يلتزم او لا يفهم بالامور الدينية».

وقبل يوم من المجزرة، وحسب المعلومات، حضر المدعو عبد الرحمن التونسي وطلب من الشباب الدروز الذين تتراوح اعمارهم بين 16 و28 سنة الالتحاق بمخيمات «النصرة» تحت حجة ان الدروز «اسلام» ويجب عليهم الالتزام بقوانين «النصرة» وكذلك مصادرة كل منازل الدروز التي تركها اهاليها واسكان عائلات «النصرة». وهنا حصل الخلاف وقام التونسي ومرافقيه باطلاق النار على مسنين من الاهالي وقتلهم، واثناء دخول عناصر من «النصرة» لاحد المنازل تصدى لهم الاهالي، وقام احد الشباب بانتزاع بندقية عنصر من «النصرة» واطلق النار عليه، فما كان من التونسي الا ان استقدم آليات وعناصر وقام بارتكاب مجزرة بدم بارد بحق الاهالي، وقتل 41 شخصاً وسقط اكثر من 50 جريحاً، ولاحق الاهالي بالحقول، ومنعهم من دفن القتلى حيث بقيت جثثهم ليومين في الارض وسط انين المرضى وصراخ النساء ويقول احد شباب جبل السماق انها مجزرة تدمي القلوب ووضعنا صعب انهم لايعرفون الله ولا اي شيء بالاسلام، «نعيش محنة صلوا لاجلنا»، وقال انهم قتلوا مقعداً داخل منزله، وتسأل المصادر الدرزية، هل ما جرى حادثة فردية ؟ واين الضمانات التركية؟ واين ضمانات النصرة والمعارضة السورية التي اعطيت للبعض بان الدروز سيتم تعزيزهم شرط البقاء على الحياد، علماً ان الدروز لم يدخلوا في اية معارك وان العناصر الدرزية في الجيش العربي السوري كانوا يقاتلون كما يقاتل كل الجيش السوري، هل تقضي حادثة فردية كما يقول البعض قتل الناس بهذه الطريقة.

والانكى انه تم الدخول وحسب المصادر الدرزية من باب الضمانات التي اعطيت للدروز لتحريض دروز السويداء على انتهاج خط الاعتدال ورفض التطوع بالجيش السوري، ولعب على هذا الخط قيادات درزية لبنانية بارزة وتحديداً جنبلاط مع معارضين دروز في سوريا وبرعاية تركية وقطرية وسعودية.

وبالتزامن مع الاجتماعات في تركيا مع مسؤولين في النصرة ارتفعت اصوات في السويداء تدعو الى عدم التطوع في الجيش السوري، وبات على الدروز في الجيش السوري ان ينسحبوا ويدافعوا عن جبل الدروز فقط، ومنع الدولة من نقل اي سلاح ثقيل خارج السويداء، وحصلت انقسامات في الجبل، وقاد هذا النهج الشيخ وحيد البلعوس وحصل على دعم مادي، ورغم ذلك بقيت هذه الفئة اقلية وبقي صوت مشايخ عقل الدروز في سوريا هو الاقوى لجهة الالتزام بخط الدولة السورية. والدروز مواطنون سوريون ولن يخرجوا عن نهجهم السوري، وان الدفاع عن دير الزور دفاع عن السويداء.

هذه الاجواء الانقسامية خلقت بلبلة في السويداء ودفع الدروز عدم الدفاع عن بصرى الشام الثمن، ولو دافعوا عن تلك القرية لما وصل التكفيريون الى حدود السويداء.

وتقول مصادر درزية ان العناية الالهية لعبت دورها، حيث تزامن هجوم النصرة وداعش على السويداء مع ارتكاب مجزرة ادلب، وحصل استنفار درزي شامل في السويداء وتوحد الموقف وسلمت قيادة الفصائل الى الضابط السوري الدرزي المشهور نايف العاقل، الذي نظم القوات، ودعا مشايخ العقل الثلاثة الى التطوع والقتال وطالبوا الذين لم يلبوا نداء التجنيد العسكري الى الالتحاق بقراهم في السويداء للقتال، كما اصدر المشايخ الدروز الثلاثة بياناً اكدوا فيه وقوفهم الى جانب الدولة السورية وانهم مع النسيج السوري وكل ما يصيب سوريا يصيبهم، وتشير المعلومات ان مئات الشباب الدروز تطوعوا بقوات الدفاع الوطني، كما طالب مشايخ العقل الدروز الزعماء في لبنان عدم التدخل بشؤونهم وهم قادرون على حل مشاكلهم.

وفي ظل هذه الاجواء، لبى العشرات من الشبان الدروز نداء الواجب وقاتلوا الى جانب الجيش العربي السوري في الدفاع عن مطار ثعلة العسكري، وكان لمشاركتهم الدور والعامل الاساسي في صد الهجوم، وهذا ما اعترف به قادة الجيش السوري في مطار ثعلة، بان الحاضنة الشعبية من ابناء ثعلة والسويداء ساهمت بصد الهجوم، وحيث انتشر العشرات من المقاتلين الدروز في تلة ترابية استراتيجية واعاقوا تقدم النصرة.

واللافت ان محطة «اورينت التلفزيونية» التابعة للمعارضة اجرت تحقيقاً مع قائد قوات النصرة التي هاجمت المطار وسألته عن سبب الاخفاق فرد لقد واجهنا مقاتلون اشداء والدروز لا ينسحبون. فقال المذيع، هذا احباط للثوار، فرد القائد العسكري هذه هي الحقيقة.

وبالتالي تحولت السويداء الى ثكنة عسكرية للدفاع عن الارض والعرض ولم تنفع كل المحاولات لتحييد الدروز الذين يدافعون عن عروبة بلدهم كما دافع دروز لبنان عن عروبة بلدهم وليس عن دروز لبنان او دروز سوريا فقط، علماً ان عدد شهداء ابناء الجبل وتحديداً في السويداء، بلغ ثلاثة آلاف شهيد في مواجهة الفرنسيين عام 1925 وان عدد شهداء الجيش العربي السوري في جبل العرب فاق الألفي شهيد منذ بداية الاحداث.

دروز فلسطين المحتلة

لكن الخطر الاكبر، يبقى ممثلا بالخطر الاسرائيلي وفي المعلومات ان دروز فلسطين المحتلة ومنذ اليوم الاول للاحداث في سوريا قدموا ملايين الدولارات لاخوانهم من دروز سوريا، وجاءت المساعدات عبر مشايخ الدروز في الاردن، علما ان الموقف الدرزي في فلسطين المحتلة كان الاشد حماساً لمساعدة دروز سوريا. وناشدوا الرئيس الاسد تقديم المساعدة للسويداء، وحيوا نضالات الجيش السوري، وهذا الموقف عبرت عنه لجنة التواصل الدرزية التي زارت الرئيس الفلسطيني محمود عباس وطلبت منه المساعدة.

وفي موازاة ذلك، فان شيخ عقل الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة موفق ظريف اجرى سلسلة اتصالات ولقاءات مع المسؤولين الاسرائيليين ومع نواب دروز في فلسطين المحتلة وقابلوا كبار المسؤولين وسفراء الدول الكبرى. وطالبوا بان يتدخل التحالف الدولي لضرب داعش والنصرة في بادية تدمر، لكن نوايا دروز فلسطين المحتلة تختلف عن نوايا الدولة العبرية بتفتيت سوريا وتقسيمها الى دويلات خصوصا ان الحلم الاسرائيلي بالدولة الدرزية قديم. والهدف الاسرائيلي تحويل الدروز من خط يمتد من السويداء الى القنيطرة، وحاصبيا وراشيا وبيادر العدس وصولا الى جزين والشوف وعاليه حتى خط الشام وهذا يتطلب تهجير مسيحيي جزين وبعض القرى الشيعية وطرح هذا المشروع منذ الستينات وتصدى له كمال جنبلاط وجمال عبد الناصر وطرح عام 1982 واسقطه الرئيس الراحل حافظ الاسد ووليد جنبلاط ونبيه بري وحزب الله وكل القوى الوطنية عبر اسقاط 17 أيار وفتح طريق بيروت دمشق.

هذا المشروع الاسرائيلي يتجدد اليوم، وامكانية نجاحه متوافرة بعد ضعف الدولة السورية وتقوية اسرائيل للمسلحين وربما جعلهم يحققون انتصارات لدفع الدروز الى طلب الحماية الدولية وربما من اسرائيل، وهذا يتطلب مجازر في الدروز وتحويل السويداء الى كوباني لطلب الحماية.

لكن اللافت ايضا ان الملف الدرزي ناقشه المسؤولون الاسرائيليون وتحديدا رئيس الدولة العبرية مع رئيس اركان القوات الاميركية الجنرال ديميس وقال الرئيس الاسرائيلي لن نسمح بمذابح في الدروز وهذا الامر يؤثر على اسرائيل لوجود اقرباء دروز سوريا في فلسطين. فيما اكد ديميس اننا لم نناقش في الاجتماع مسألة تسليح الدروز وتشير المعلومات ان قائد لواء غولاني الاسرائيلي الذي يقوده العقيد الدرزي غسان عليان يقوم بكل الاتصالات لمعالجة الملف الدرزي، وانه تلقى رسائل تبلغه ان جنود اسرائيليين دروز ومئات الشباب الدروز سيتجاوزون خطوط التماس والاسلاك الشائكة لمساعدة اخوانهم في سوريا.

الوضع الدرزي في لبنان

اما في لبنان، فكان القلق الدرزي شاملاً، وتابع المشايخ الاوضاع لحظة بلحظة، وكان الغضب شاملاً لما حصل في قلب لوزة، لكن الانقسام الدرزي ظهر واضحاً حول التعامل مع الملف مع الاحتفاظ بالثوابت، والاستقرار وان لا ينعكس التباين اي توتر على الارض. وكان واضحاً موقف النائب وليد جنبلاط بضرورة مهادنة النصرة وفتح صفحة جديدة بين دروز السويداء واهالي درعا داعياً الدروز الى عدم القتال والبقاء على الحياد والابتعاد عن المغامرات لان نظام الاسد انتهى.

فيما دعا النائب طلال ارسلان الى ترك دروز السويداء وهم يقررون من خلال دولتهم داعياً الاهالي الى حمل السلاح والقتال مع الجيش العربي السوري مؤكداً بان السويداء قوية وصامدة وبان لا حياة للدروز من خلال تقوقعهم.

رئيس تيار التوحيد العربي وئام وهاب كان عاصفاً داعياً الدروز الى الجهاد وحمل السلاح وانتقد كلام جنبلاط بعنف، ودعا وهاب الى احتفال تضامني في منزله في الجاهلية اليوم.

فيما دعا مشايخ من الطائفة الدرزية الى اقامة صلاة الغائب عن ارواح شهداء قلب لوزة في بعقلين اليوم بحضور مشايخ من جبل السماق.

فيما نفى اهالي عاليه اي علاقة لهم بالدعوة للاجتماع في نادي عاليه اليوم لدروز الجبل وشككوا بالدعوة واهدافها.

واللافت ان اتصالات جرت بين القيادات الدرزية لتبريد الاجواء والحفاظ على الاستقرار وان التباين في الرأي لا يغير بالود قضية طالما الموضوع الحفاظ على الدروز، ولذلك صدر بيان المجلس المذهبي الدرزي هادئاً وعبر بشكل دبلوماسي، عن رأي كل الافرقاء الدروز مع تأكيد جنبلاط على موقفه بان حادث «قلب لوزة» فردياً وسيعالجه من خلال اتصالاته.

استنكار «النصرة»

وفي موازاة ذلك، اعلنت جبهة النصرة استنكارها لما حصل في «قلب لوزة» واعترفت بان بعض عناصرها قام بارتكاب المجزرة واعتبرته خطأ غير مبرر ودون علم القيادة وبانها ستحاسب المرتكبين، علما ان عبد الرحمن التونسي الذي قاد المجزرة ما زال مسؤولا عن منطقة ادلب حتى ان عناصر تابعة «لاحرار الشام» طردتها عناصر النصرة من البلدة علما ان اهالي البلدة حملوا مسؤولية المجزرة وعبر الجزيرة لعناصر النصرة، كما اصدر كل من الجيش الحر والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بيانا مشتركا استنكرا الحادثة لكنهم لم يفعلوا اي شيء لمحاسبة عناصر النصرة.

هذا هو جوهر المشروع الاسرائيلي، وما يجري في جبل الدروز لعبة اسرائيلية بامتياز لكن سوريا وحلفاءها والدروز لا يمكن ان يسمحوا بانتصار هذا المشروع مهما كانت الكلفة والمدخل الى اسقاطه حماية سوريا وليس الدروز او العلويين او السنة او الشيعة بل حماية سوريا وتاريخها ضد هؤلاء التكفيريين. المعركة صعبة وطويلة، لكن القدر فرض على الدروز ان يقدموا الكثير من اجل حماية الثغور الاسلامية، واليوم التاريخ يناديهم ليكونوا في «الصفوف الامامية للدفاع عن «خير امة اخرجت للناس» فبقاء الدروز مرهون بالحفاظ على عروبتهم واسلامهم ونسيجهم القومي وليس التقوقع لان الانعزال كان «مقبرة» لكل من سار بهذا الخط، والدروز دعاة وحدة ومحبة.