هل تخطى اقتصاد لبنان الخطوط الحمر في ظل تهاوي المؤشرات الاقتصادية؟
إفلاسات وإقفال مؤسسات ونسبة الدين الى الناتج المحلي 145 % والنمو 1 %
جوزف فرح
هل تخطى لبنان الخطوط الحمر «كما ونوعاً» في اقتصاده وهل بات الجميع، من سياسيين واقتصاديين ومجتمع مدني، مدركا من حيث يدري او لا يدري ان المغامرة بسيادة لبنان الاقتصادية وصلت الى نقطة اللارجوع؟
الصرخة بدأت تعلو وترتفع من الاقتصاديين والعمال والموظفين والخبراء الاقتصاديين بان الوضع الاقتصادي تجاوز الخطوط الحمر، في ظل تراجع المؤشرات لمختلف القطاعات الاقتصادية، وفي ظل الافلاسات والاقفالات التي تقع بمؤسسات تجارية او سياحية او صناعية وخدماتية، آخرها اقفال مطعم «مروش» التراثي بالشمع الاحمر في منطقة الحمراء، وانتقال بعض العلامات السياحية والتجارية الى خارج لبنان، وتحديدا الى الدول الخليجية من اجل تخفيف العجز الذي تعانيه هذه المؤسسات، من اوضاع سياسية وامنية غير مستقرة على مدى ثلاث سنوات، دون وجود اي بصيص امل في الافق الاقتصادي.
ليس هذا فحسب، بل ان النزوح السوري الى لبنان والذي تجاوز المليوني نازح بات مصدر خطر وقلق لدى العمال والموظفين اللبنانيين، لان اصحاب العمل باتوا يفضلون العمال السوريين الذين يتقاضون رواتب مخفضة، من اجل مجابهة الكلفة العالية التي يتكبدونها، حتى ان احد المسؤولين الاقتصاديين حذر من حلول 100 الف نازح سوري مكان العمال اللبنانيين، في حال اقرت سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام.
منذ بداية النزاع في سوريا، تهاوت دفاعات الاقتصاد اللبناني وتحطمت صمامات الامان فيه، حتى بات مكشوفا بالكامل ومعرضا لتآكل اللحم الحي ووقع الاقتصاد الوطني في آن واحد في المحظور الانتاجي والاجتماعي والاداري وحتى الاخلاقي كما يقول رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس.
والقطاع التجاري يشهد المزيد من التعثر والاقفال وصولا الى مرحلة الافلاس، لان مناعة القطاع ترنحت واصبحت المؤسسات تتعرض الواحدة تلو الاخرى لمصير مالي وخيم.
اما رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانيين فؤاد زمكحل، فيعتبر ان ثقة المستهلك والمستثمر تراجعت في النصف الاول من العام الحالي من 90 نقطة الى 33.2 نقطة، اي ان التراجع هو بنسبة 60 في المئة، كما ان الاستثمارات الاجنبية التي تؤمن فرص عمل شهدت انخفاضا بنسبة 48.5 %.
ويضيف زمكحل ان الصادرات الاجمالية تراجعت بنسبة 7،22% والعجز التجاري بلغ 8،11 مليار دولار، اي بزيادة 2،3% عن سنة 2013. كما ان الصادرات الصناعية تراجعت بنسبة 17 في المئة، وهذا مؤشر خطر نظرا لان القطاع الصناعي هو اكبر مؤمن لفرص العمل.
ويضيف: لسوء الحظ كل المؤشرات الاقتصادية تدق ناقوس الخطر اذ وصلت الى نسب لم تصل اليها منذ عقود، حتى ان دين القطاع الخاص وصل الى 43 مليار دولار، اي ما يوازي الناتج المحلي، وستكون الاستدانة اصعب بكثير لان الاصول الثابتة استعملت.
ويعتبر زمكحل ان الوضع الاقتصادي خطر جداً، ولا نرى اي اهتمام من قبل الطبقة السياسية، ونحن نتجه الى تفاقم في المشاكل، خصوصا بالنسبة للدين العام الذي وصل الى 65.6 مليار دولار، اي بارتفاع 3.4 % عن نهاية العام الماضي ونسبة الدين العام على الناتج المحلي تجاوزت 145 في المئة، يعني زيادة في الدين وانخفاضاً في النمو، مما سيؤدي الى ركود اقتصادي قاتل.
وهذا ما يردده شماس بأن المعادلة المالية مستحيلة الحل في ظل عجز ودين عام متعاظمين ونمو اقتصادي متدحرج والتزامات مالية غير محسوبة واحيانا غير مسؤولة.
اما القطاعات الانتاجية فبعضها معرض لنكسة، مع تراجع القدرة التنافسية كالصناعة، والبعض الآخر بنكبة كالسياحة والتجارة، في ضوء مقاطعة خارجية خانقة وترد داخلي للقوة الشرائية يحرقان المواسم والاعصاب.
اما المحظور الاجتماعي فيشهد وتيرة متسارعة من التمزق، مع استباحة اسواق العمل من قبل السوريين، فبات النازح السوري مقيماً لاجل غير مسمى وتحول ابن البلد الى مشروع دائم للهجرة، والمفارقة ان بعض الطبقة السياسية اختار هذا التوقيت القاتل بالذات لادخال تعديلات هيكلية على الرواتب في القطاع العام، مغامرة من حيث تدري او لا تدري بسيادة لبنان الاقتصادية.
كل ذلك في جو من الانحلال الاخلاقي غير المسبوق، فالسياسيون يرقصون على القبور والعمال يحتلون مؤسساتهم حسب تعبير شماس، والنقابيون يتصرفون على قاعدة «بعد حماري ما ينبت حشيش».
ويعتبر شماس ان اقتصاداً واحداً لا يطعم شعبين.
اما رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن فيعتبر الاقل تشاؤماً، لان الوضع الاقتصادي ليس ما يفرح ان لم نقل ما يحزن، خصوصاً في ظل تراجع الصادرات التي تنعكس سلباً على قطاعات انتاجية حيوية مرتبطة بقطاعات الزراعة والصناعة التي تؤمن فرص عمل، وفي ظل انكماش داخلي لان القدرة الشرائية تراجعت مع غلاء اسعار السلع والمواد الغذائية، ومع افق بالكاد ينفتح للباحثين عن سوق العمل، فيفتشون عنه في الخارج.
ووجه سهام الاتهامات الى اصحاب العمل الذين يستغلون النازحين السوريين في العمل حتى السخرة، في ظل ارتفاع نسب البطالة الى اكثر من 25 في المئة و30 في المئة لدى الشباب.
ويعطي غصن امثلة على حدة التراجع من خلال تراجع الاستهلاك ووسط اقفال شركات كبرى، وهذا مؤشر خطر في ظل غياب الحوافز، مطالباً بإنشاء خلية ازمة اقتصادية تتمتع بقدر واف من المعرفة والرؤية.
على اي حال فان النمو كان في العام 2010 حوالى 8 في المئة، بينما النمو المتوقع في العام الحالي واحد في المئة، وهذا يعني لا فرص عمل وتراجع وضع كل الشركات، خصوصاً الصغيرة والمتوسطة الحجم، ووسط تراجع الانفاق السياحي من 7 مليارات دولار الى 4 مليارات دولار.