حُسِم الأمر إذًا. سواء جرت انتخاباتٌ شكليّة في «التيار الوطني الحر» أو انتصرت «ديمقراطية التزكية التوافقيّة»، فإنّ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل حزم حقائبه لاستلام دفّة الرئاسة من العماد ميشال عون، بموافقة ومباركة «رفاقه» من الأنصار والخصوم.
لا شكّ أن باسيل يدرك جيّدًا أنّ العبء الذي سيُلقى على كاهله كبيرٌ جدًا، ولا يمكنه الاستخفاف به بأيّ شكلّ من الأشكال، ولا شكّ أيضًا أنّ التحديات التي سيواجهها داخليّا وخارجيًا لن تكون بسيطة، بل ستشكّل اختباراً حقيقياً لمدى قوته وقدرته على تخطّيها لضمان استمرارية «التيار» وعدم تراجعه للوراء، بعد كلّ ما مرّ به من تجارب نضاليّة لا يمكن شطبها بب «شحطة قلم».
وإذا كانت انتخابات «التيار» شأناً داخلياً بحتًا، كما يحرص قياديّو «الوطني الحر» على التأكيد رداً على كلّ «الشامتين»، ممّن اعتبروا أنّ «التيار» سقط في فخّ «ديمقراطيته المزعومة»، ومن رأوا أنّه كرّس «ديكتاتورية» من نوعٍ آخر، أو أنّه التحق بركب «أحزاب التوريث السياسي» المنتشرة على امتداد الوطن من أقصاه إلى أقصاه، فإنّ ما ليس شأنًا داخلياً هو كيفية تفاعل الساحة السياسية الداخلية مع التغيّرات المرتقبة.
بالنسبة لأوساط «الوطني الحر»، فإنّ شيئاً لن يتغيّر على هذا الصعيد، وذلك انطلاقاً من مبدأ الاستمرارية، فرئيس «التيار» الجديد لن يبدأ من الصفر، بل سيكمل خطاً رسمه «الجنرال» طيلة سنواتٍ طويلةٍ، وهو لن يفعل كما يفعل الوزراء في لبنان عادةً، بمعنى أنّهم يلغون كلّ ما فعله أسلافهم، ويبدأون من جديد، خشية أن تسجَّل الإنجازات، إذا ما تحقّقت، لصالح غيرهم. هنا، الأمر مختلف برمّته، لأنّ أحدًا لا يمكنه أن ينكر الدور الرياديّ الذي لعبه العماد ميشال عون في تأسيس «التيار» وإيصاله إلى ما هو عليه اليوم، والكلّ يعلم أنّ شيئاً ما كان يمكن أن يتحقّق لولا هذا الرجل بالتحديد، وهو الذي عرف كيف يجدّ فوجد في النهاية نتيجة تعبه.
وتشدّد أوساط «التيار» أنّه طالما وُجِد «التيّار»، فإنّ مبادئه وأهدافه ستبقى واحدة، وأنّ أحداً لن يستطيع أن ينقلب عليها، لأنّها أصلاً مختزلة في اسمه، ومن يريد أن ينقلب عليها سيكون عليه أن يغيّر اسم التيّار، الذي يبقى لغاية تاريخه اسمًا على مسمّى، وتوضح أنّه باختصار «وطنيٌ» و«حرّ»، وهو الذي كان أول من رفع شعارات الحرية والسيادة والاستقلال في الساحات، ولم يكتفِ برفعها بل حارب وضحّى بالغالي والنفيس من أجل تحقيقها، هو الذي حارب كلّ أنواع الوصاية والاحتلال، ولا يزال حتى يومنا هذا، الذي انتقل فيه لبنان من عهود الانتداب والاحتلال والوصاية إلى الوصايات المتعدّدة، وإن كانت غير معلَنة.
من هنا، فإنّ أوساط «التيار» تجزم أنّ شيئاً لن يتغيّر في داخل «التيار»، وهذا سينعكس أيضًا على علاقاته مع الخارج، التي ستبقى على حالها أيًا كان رئيسه، لأنّ المسألة لا ترتبط بـ «شخص» الرئيس بقدر ما ترتبط بـ «العقليّة المؤسساتية» برمّتها والتي استطاع «الجنرال» إرساءها، وبالتالي فإذا كان رئيس «التيار» العماد ميشال عون أو الوزير جبران باسيل أو النائب آلان عون أو أيّ عنصر آخر في «التيار الوطني الحر»، فإنّ العلاقات الخارجية لن تتأثّر، إلا بالواقع السياسي والمستجدّات السياسية، باعتبار أنّ «التيار» يتماهى في النهاية مع هذا الواقع، وهو لا يذوب بحلفائه، كما أنّهم لا يذوبون به، ولكلّ منهم رأيه واعتباراته ومصالحه، ووحدها التي تحتّم استمرار التحالفات من عدمها.
هذه المقاربة تردّدها بحرفيّتها الأحزاب الأخرى، ولا سيما منها الحليفة لـ «التيار»، باعتبار أنّ ما يجمعها به هو عبارة عن نضالٍ ورسالةٍ سامية وأهدافٍ أكبر بكثير من مجرّد أشخاص، وإن كان شخص العماد ميشال عون يكتسب من دون شكّ أهمية استثنائية في هذا المضمار. وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر في قوى الثامن من آذار أنّ العلاقة مع «التيار الوطني الحر» باقية كما هي، سواء تولّى الوزير جبران باسيل رئاسته في المدى المنظور، أو بقي برئاسة العماد عون، أو انتقل إلى أيّ مسؤولٍ آخر، مشيرة إلى أنّ لا مشكلة لدى هذه القوى مع «الأشخاص»، وبالتالي فالمعيار الأساسي يبقى الموقف الاستراتيجي والتموضع السياسي، وطالما بقي هذا الأخير على حاله، فإنّ التحالفات باقية بدورها على حالها.
وإذا كان البعض تحدّث عن «نقزة» لدى «تيار المردة» من التغيّر المرتقب، باعتبار أنّ رئيس الأخير النائب سليمان فرنجية لا يرتاح له، وقد تجلى ذلك في مؤتمره الصحافي الأخير حين قال أنه ملزم بالتعامل مع من يسمّيه العماد ميشال عون «ولو كان خشبة»، فإنّ مصادر الأخير تشدّد على أنّ موقف فرنجية هذا ينطبق على الوضع المستجدّ، وبالتالي فإنّ النائب فرنجية مستعدّ للتعامل مع أيّ رئيسٍ يتمّ اعتماده لـ «التيار الوطني الحر» بمباركة عون، وإن كان باسيل، وهو لا يتدخّل بهذا الموضوع بأيّ شكلٍ من الأشكال. وتقول المصادر في هذا الإطار أنّ المبادئ هي التي ستتحكّم باستمرارية التحالف أو عدمها، علمًا أنّ «التمايز» بين الجانبين موجودٌ الآن، حتى لا يربطه أحد في المستقبل بالتغيّرات، ولكنّ الأمور الاستراتيجية تجمع بينهما إلى حدّ كبير، ولن يتأثر ذلك بشخصية رئيس «التيار» في نهاية المطاف.
في الختام، قد لا يكون دقيقاً القول أنّ «ما قبل ترؤس باسيل للتيار الوطني الحر لن يكون كما بعده»، لأنّ الأساس سيبقى واحدًا، مع التأكيد على أنّ باسيل لا شكّ سيضع «بصماته الخاصة» شأنه شأن أيّ شخصٍ في أيّ منصبٍ كان، وهذه البصمات وحدها كفيلة بتحديد مدى نجاحه في نهاية المطاف، وإن كان مصير «التيار» على المحكّ!