الغارات الروسية مستمرة واتفاق أميركي ــ روسي على آلية طارئة وتصنيف المعارضة
لافروف : الجيش السوري الحر طرف في التسوية وليس إرهابياً وبغداد تريد المساعدة الروسية
معركة برية كبيرة يجري التحضير لها قد تشمل محافظة إدلب وطريق حلب
سوريا «مالئة الدنيا وشاغلة العالم» هي الحدث الاول في معظم صحف العالم ومحور اتصالات القادة والرؤساء، وسط تطورات عسكرية استثنائية وتحول اجوائها الى مسرح «لطائرات الدول العظمى»، وتحديداً «للقيصر بوتين» الذي قلب المعادلات واعاد روسيا لاعباً اساسياً على المسرح الدولي، تقارع الكبار وتعيد التذكير باجواء الحرب الباردة.
الطائرات الروسية واصلت غاراتها لليوم الثاني وتزامنت مع اعلان روسي عن «قوات برية» لحماية المنشآت الروسية واستعداد لتوسيع الضربات الجوية اذا طلبت ذلك بغداد التي رحبت بالغارات الروسية بلسان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الذي اعلن وصول الضباط الروس المشاركين في غرفة العمليات المشتركة مع الضباط الايرانيين والسوريين والعراقيين لادارة الحرب ضد «داعش». روسيا قلبت «المشهد» العربي كلياً، وصدمت بإجراءاتها العسكرية الدول المشاركة في تغذية الصراع السوري، إذ لم يصدر اي موقف عربي باستثناء المملكة العربية السعودية التي دعت لوقف العمليات. فيما تركيا لم تعلن موقفا رسمياً بعد. اما الولايات المتحدة الاميركية فقد تحدثت عن اتصالات مع روسيا عن آلية طارئة واجراء مباحثات لتجنب الصدام في سوريا. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «اتفقنا على ان يجري العسكريون اتصالات فيما بينهم»، وهذا ما اكد عليه جون كيري بضرورة اجراء محادثات بين الضباط الروس والاميركيين في اسرع وقت ممكن. كما ان الولايات المتحدة عبرت عن قلقها من ان الغارات الروسية لا تستهدف داعش، وبالتالي فان الاتفاق الروسي ـ الاميركي سيشمل تصنيف المعارضة وردت روسيا بالتأكيد ان طائراتها اصابت مواقع لـ«داعش».
ورداً علي الانتقادات الاميركية والاوروبية لروسيا، فان طائراتها لم تستهدف «داعش» بل قوات معارضة للنظام السوري واستهدفت ايضاً مواقع للجيش الحر، رد وزير الخارجية الروسي على هذه الاتهامات بالتأكيد ان الجيش السوري الحر طرف في التسوية السورية وليس ارهابياً.
وبالتزامن مع بداية الغارات الجوية، نقلت وكالة رويترز ان «مئات من القوات الايرانية البرية وصلت الى سوريا منذ حوالى عشرة ايام للمشاركة في عملية برية في الشمال السوري»، كاشفة ان حزب الله يستعد للمشاركة في هذه العملية.
واوضحت المصادر ان «العملية البرية التي سيقوم بها الجيش السوري وحلفاؤه ستواكبها غارات يشنها الطيران الروسي»، مشيرة الى ان «العمليات الجوية الروسية في المستقبل القريب ستترافق مع تقدم للجيش السوري وحلفائه برا في القريب العاجل». وحسب المعلومات، فان المعركة البرية الكبيرة قد تشمل محافظة ادلب واستعادة جسر الشغور ذات الموقع الاستراتيجي وسهل الغاب وطريق حلب ـ دمشق.
ـ التطورات الميدانية ـ
تواصلت لليوم الثاني على التوالي، الضربات الجوية الروسية على سوريا مستهدفة مواقع في شمال غرب سوريا بالإضافة إلى محافظتي حمص وحماة اللتين يسيطر عليها «جيش الفتح» المعارض.
كما تشير تقارير إلى أن الضربات الروسية قد استهدفت مناطق قريبة من بلدة جسر الشغور الإستراتيجية، وكذلك مناطق في محافظة إدلب، ومحافظة حماة باتجاه الجنوب.
ـ بوتين يرد على الاتهامات ـ
بموازاة ذلك، وإثر اتهامات بعض وسائل إعلام غربية حول استهداف وسقوط ضحايا مدنيين في الضربات، إعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن التقارير الصادرة هي كـ«هجوم إعلامي».
وقال بوتين خلال اجتماع لمجلس حقوق الإنسان إن دولا أخرى تقصف الأراضي السورية منذ أكثر من عام «دون قرار صادر من مجلس الأمن الدولي أو طلب من السلطات السورية الرسمية بهذا الشأن»، مشيرا إلى أن «روسيا تقوم بعمليتها في سوريا على أساس طلب دمشق وتنوي مكافحة التنظيمات الإرهابية تحديدا».
وأشار الرئيس الروسي إلى أن موسكو مستعدة للحرب الإعلامية بشأن عمليتها في سوريا، قائلا: «المعلومات الأولى عن سقوط ضحايا مدنيين توافرت حتى قبل إقلاع طائراتنا».
وأضاف: «من جهة أخرى ذلك لا يعني أننا يجب ألا نصغي إلى معلومات من هذا النوع».
وقال بوتين إن «الاستخبارات ووزارتي دفاع روسيا والولايات المتحدة تقوم بتطوير تبادل المعلومات بشأن الوضع في سوريا»، معربا عن أمله «في إنشاء آلية دائمة معنية بذلك»، وذكر أن «دولا من الشرق الأوسط تشارك في تبادل المعلومات».
ـ تنسيق روسي ـ سوري ـ
من جهة أخرى، صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف بأن القوات الجوية الروسية تحدد أهدافها في سوريا بالتنسيق مع القوات السورية، مشيرا إلى وجود قائمة بالتنظيمات الإرهابية المستهدفة.
وقال بيسكوف إنه من السابق لأوانه الحديث عن تقييم عملية القوات الجوية الروسية التي نفذت عددا من الغارات في سوريا، مشيرا إلى أن الرئيس بوتين أكد أن عملية القوات الجوية الروسية تأتي دعما للعملية الهجومية للقوات السورية في مكافحة تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية.
وأوضح بيسكوف أن الجانب الروسي هو الذي يمول عمليته في سوريا، مضيفا أن المرسوم الذي وقعه الرئيس الروسي حول التجنيد الإلزامي هو مرسوم دوري لا يمت بصلة للعملية العسكرية الروسية في سوريا.
بدوره، أعرب السفير السوري في موسكو رياض حداد عن شكره للرئيس فلاديمير بوتين والشعب الروسي على موقفهما الداعم لسوريا.
وأكد حداد أن الضربات الجوية التي توجهها المقاتلات الروسية لمعاقل تنظيم «داعش» في سوريا دقيقة وانتقائية.
واعتبر أن الطريق الوحيد إلى النصر يقع عبر التنسيق مع الجيش السوري، مشيرا في هذا الصدد إلى أن «التعاون والتنسيق كامل بيننا وبين القوات الجوية الروسية لتحديد مواقع الإرهابيين».
وصرح قائلا: «الجيش السوري يملك كامل المعلومات والمعطيات عن أماكن وجود الإرهابيين، لذا فالضربات الروسية دقيقة وانتقائية»، مضيفا أن «ضربات التحالف الدولي التي بدأت منذ عام لم تكن دقيقة على الإطلاق وألحقت أضرارا كبيرة في البنية التحتية والآثار السورية».
كما بين أنه لا يمكن التنبؤ بالمدة الزمنية للعملية التي بدأتها روسيا في سوريا، «إذ يملك داعش الأسلحة والتمويل والجهاديين، بين قوسين، يمرون عبر الحدود التركية».
ـ ترحيب شيشاني ـ
وفي هذا الصدد، فقد رحب رئيس جمهورية الشيشان رمضان قادرف شأنه شأن كبار المسؤولين في روسيا بهذا القرار، وأكد أنه جاء في إطار القانون الدولي، «خلافا لما تقوم به الولايات المتحدة وشركاؤها في سوريا في خرق فاضح للأعراف الدولية، حيث تعكف واشنطن على صب الزيت في نار الأزمة السورية عوضا عن إطفائها».
تعزيزات عسكرية
إلى ذلك، قررت وزارة الدفاع الروسية إشراك سفن الإنزال البحري للرد السريع المنتشرة في مياه المتوسط في العملية الجوية الروسية في سوريا، لحماية المنشآت العسكرية الروسية في طرطوس واللاذقية.
ونقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية عن مصدر عسكري أن قوات أسطول البحر الأسود ستكون في مقدمة القوات المشاركة في هذه العملية بما يخدم حماية نقطة الدعم الفني والإسناد في طرطوس والقاعدة الجوية المؤقتة في اللاذقية.
وكشف المتحدث أنه سيتم كذلك إلحاق قوات خاصة بمشاة البحرية إضافة إلى قوات تابعة لفرقة الإنزال الجوي الجبلية السابعة.
وفي هذا الإطار أفادت «إنترفاكس» نقلا عن مصادر محلية مطلعة أنه شوهدت في البحر الأسود سفينتا «كورولوف، و«ألكسندر أوتراكوفسكي» الكبيرتان وهما تعبران مضائق البحر الأسود في طريقهما الى المتوسط.
وأشارت نقلا عن مصدر عسكري مطلع إلى أنه سيتم إشراك ناقلات كبيرة تتبع لأساطيل البحر الأسود والبلطيق والشمالي لتزويد الطائرات الحربية الروسية بالوقود اللازم لها في عملياتها في سوريا، حيث تصل حمولة كل منها إلى ألف طن من وقود الطائرات إضافة إلى 2050 طنا من وقود الديزل و8250 طنا من المازوت، و220 طنا من المؤن.
ـ الأكراد في سوريا يطلبون السلاح ـ
على صعيد آخر، طالب القائد العام لوحدة حماية الشعب الكردية في سوريا سيبان حمو روسيا بتقديم السلاح لهم وتنسيق تحركاتهم معاً ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وفق وكالة الأناضول.
ودعا موسكو لقصف مواقع جبهة النصرة أيضا، وعدم الاكتفاء بقصف مواقع تنظيم الدولة.
بدورها، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو ستدرس توجيه ضربات جوية لتنظيم «داعش» في الأراضي العراقية إذا طلبت بغداد ذلك بحيث قال مدير قسم التحديات والتهديدات الطارئة لوزارة الخارجية الروسية إيليا روغاتشيوف: «إما أن يوجه إلينا طلب بهذا الخصوص من حكومة العراق وإما قرار من مجلس الأمن، الأمر الذي سيتعلق اتخاذه بدرجة حاسمة برغبة الحكومة العراقية. وعند وجود هذه الأسس الكافية، ستدرسة المنفعة السياسية والعسكرية لذلك».
ـ محادثات أميركية ـ روسية «قريبا»ـ
سياسيا، يعتزم الجيشان الأميركي والروسي إجراء مباحثات «في أقرب وقت ممكن» لتجنب الصدام في سوريا، حسبما قال دبلوماسيون رفيعو المستوى من البلدين.
وسوف يتناول الاجتماع بين العسكريين تحاشي حصول اي حادث عسكري بين الطائرات الروسية وطائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي تشن منذ عام ضربات ضد مواقع تنظيم الدولة الاسلامية.
من جهتها، كتبت وكالة رويترز أن الخطوات التي قامت بها روسيا في سوريا والعراق وانتزاعها المبادرة من الولايات المتحدة أذهلت واشنطن.
واعتبرت «رويترز» أنه اتضح بعد عام ونصف على إعلان الرئيس الأميركي عقيدة السياسة الخارجية لبلاده، أنها باءت بالفشل.
واعتبر معدو التعليق أن «الخطوات الروسية المفاجئة والتي خلصت إلى انتزاع موسكو زمام المبادرة في سوريا والعراق قد أذهلت المسؤولين الأميركيين وعرت التآكل الذي حل بتأثير واشنطن في المنطقة.
وخلصت في هذا الصدد إلى أن أوباما وبعد أن يغادر البيت الأبيض في كانون الثاني 2017 سيورث لخلفه في منصبه أعقد النزاعات الدولية وأكثرها احتداما.
وختمت «رويترز» التعليق بالإشارة إلى الانتقادات التي تتهم أوباما صراحة بالحذر المفرط الذي أفضى في نهاية المطاف إلى تخبط سياسة البيت الأبيض وتنقلها من أزمة إلى أخرى.
ـ المواقف الدولية ـ
تراوحت ردود أفعال الدول الغربية على قرار موسكو قصف مواقع داعش في سوريا بين الترحيب من جهة والتحذير والدعوة إلى التعاون مع التحالف الدولي والتخلي عن دعم الرئيس الأسد من جهة أخرى.
طالبت فرنسا بضمانات بشأن الهدف الحقيقي للضربات الجوية الروسية في سوريا، وتحدثت عن إشارات تفيد بأن الضربات لم تستهدف تنظيم «داعش».
من جهته أعلن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في اجتماع مجلس الأمن الدولي أن دعم الرئيس السوري بشار الأسد يتعارض مع مكافحة تنظيم «داعش» بشكل فعال.
رحب وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رينديرز الأربعاء بمشاركة روسيا في عمليات عسكرية ضد «داعش» في سوريا، داعيا موسكو إلى تنسيق جهودها مع التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة.