رئيس تيّار المستقبل خسر عمقه الاستراتيجي في طرابلس
سقوط تحالف عون ــ جعجع في القبيّات وتنورين
لماذا طلب فرنجيّة من الحريري ألا يُحرج في انتخاب الجنرال؟
لماذا اتصل النائب سليمان فرنجية بالرئيس سعد الحريري ليطلب منه الا يكون محرجاً اذا ما اراد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية مؤكداً انه سيتقبل ذلك، دون ان تتأثر علاقته برئيس تيار المستقبل؟
لا احد يشك في ان رئيس تيار المردة يتمتع بكل مواصفات «الفارس» ان في علاقاته الشخصية او في علاقاته السياسية، وحتى عندما عقد لقاء باريس، اكد اكثر من مرة ان الاولوية للجنرال، اما اذا بدا ان الظروف لا تعمل لمصلحة هذا الاخير من حقه ان يكون مرشحاً للرئاسة.
مجرد اللقاء اثار حالة عصبية داخل قيادات الصف الاول، والصف الثاني، في التيار الوطني الحرّ، وصولاً الى مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت ردود الفعل التي استخدمت فيها عبارات مسيئة جداً لفرنجية الذي لم يكن يتوقع قط ان تصل الامور الى حد القفز فوق كل الماضي والتوجه الى معراب ليكون حفل الزفاف الشهير بين الجنرال والحكيم.
وهنا تقول شخصية سياسية قريبة من الرابية ومن بنشعي ايضا ان نائب زغرتا واثق تماماً ان ما فعله الدكتور سمير جعجع ليس حباً بعون، فالكراهية لا تتحول فجأة الى حالة غرامية صارخة، وانما لقطع الطريق على رئيس تيار المردة، وبعدما تردد وراء الضوء ان الحريري لم يكن ليدعو الاخير الى منزل في باريس ويبحث معه في الاستحقاق الرئاسي لو لم يكن هناك سيناريو اقليمي- دولي قد وضع وسينفذ في اي لحظة.
اكثر من جهة سياسية تعتبر ان اتصال فرنجية بالحريري واعلانه عن ذلك في ذروة العملية الانتخابية في الشمال، لا يمكن ان يكون كلاماً في الهواء ولا بد ان تكون هناك خلفية معينة او معطيات محددة…
مصدر وزاري لا يستبعد ان تكون لمبادرة الرئيس نبيه بري صلة بالموضوع، وان يكون تكتيكاً الطرح الخاص بانتخاب المجلس النيابي قبل انتخاب رئيس الجمهورية ليضيف ان ثمة معلومات حساسة يتم تداولها حول ما جرى في اللقاء الاخير بين بري والحريري في عين التينة ويتعلق بالاستحقاق الرئاسي.
والمصدر لاحظ ان مبادرة بري جاءت بعد دعوة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى فك الارتباط بين الازمة اللبنانية وازمات المنطقة، وبالتالي انتخاب رئيس للجمهورية يكون صناعة محلية بالكامل، وحتى دون اكسسوارات خارجية.
في الكواليس ان ما صدر عن فرنجية وما صدر عن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي يشي بان البلاد على مسافة قصيرة جدا من انقلاب في المشهد السياسي، ودون ان يكون ذلك ناتجاً عن الشكل الذي اخذته الانتخابات البلدية في الشمال، حيث التحالفات العجيبة، واحياناً المعارك العجيبة وان كان مؤكداً ان السيناريو الخاص بانتخابات طرابلس صيغ خارج لبنان…
وما يتردد ان كلام بري عن «الموت السريري» لقوى 14 اذار، باعتبار ان قوى 8 آذار فارقت الحياة منذ فترة طويلة، هو حصيلة رؤية دقيقة لواقع سياسي انتهى الى التآكل التام، وبالتالي الى السقوط التام، ولا بد من الخروج، في الحال، من عنق الزجاجة لان انتظار التسوية في سوريا هو اشبه ما يكون بانتظار غودو في مسرحية صمويل بيكيت الشهيرة.
الاوساط السياسية التي عملت على محاولة استقراء ما وراء اتصال فرنجية، راحت تستعيد كل المشاهد السياسية في الاسابيع الاخيرة بما في ذلك مأدبة العشاء التي دعا اليها السفير السعودي علي عواض العسيري، والقول ان ما بعد العشاء غير ما قبله. العماد ميشال عون جلس الى جانب ميقاتي الذي كان جالساً الى جانب الحريري، فيما غاب فرنجية، وهذا الغياب له دلالته التي تتجاوز عدم الرغبة في الالتقاء وجهاً لوجه مع عون، وحل محله ابنه طوني في العشاء.
الصورة تستكمل بالتصريح الذي ادلى به ميقاتي بعد الادلاء بصوته في طرابلس، قال ان الاجتماع الذي عقد بينه وبين الحريري (برعاية الرئيس تمام سلام) «تم خلاله طي صفحات الماضي وفتح صفحة جديدة يتم بناؤها اكثر فاكثر بالثقة المتبادلة». اضاف: «انا متأكد انه بمقدار حرصي، فان الرئيس الحريري حريص على وحدة الصف على الصعيد الوطني، وايضا على الصعيد السني، لذا اجتمعنا واتفقنا على التلاقي في هذه الانتخابات التي اضعها اولاً، في الاطار الانمائي من خلال المنافسة الديموقراطية».
الحريري ليس خلفي
العبارة اللافتة التي وردت في تصريح ميقاتي قوله «ان هذه الانتخابات اتخذت ايضاً وجهاًَ سياسياً تجلى بتحالفنا انا والرئيس الحريري».
ردة الفعل لدى مرجعية سياسية بارزة «ان ثنائية سنيّة هي في الطريق الى الظهور على المسرح السياسي»، وهو ما قد يكون على اتصال بالمسار الذي يشهده الاستحقاق الرئاسي ان لجهة تسمية الرئيس العتيد او لجهة اعداد السيناريو الذي سيوضع موضع التنفيذ.
وبالرغم من ان ميقاتي بدا سيد اللعبة في الانتخابات البلدية في طرابلس، فقد رفض ان يقال ان رئيس تيار المستقبل خلفه «انا واياه جنباً الى جنب، ويمكننا ان نغيّر (يغيّران ماذا؟) وان نواجه كل التحديات القائمة على الساحة اللبنانية، وعندما نكون معاً حتماً سنكون اقوى».
ولم ينس ان يعلق على كلام وزير العدل المستقيل اشرف ريفي، ليقول «ان عائلات طرابلس ليست غنماً ولا هي زبائن مزارع»، بعدما كان ريفي قد قال «يكفي مزارع وكأننا غنم نتبع لفلان وفلان»، ليضيف «خرجت من عقل المزرعة لاقول انني مواطن ولست غنماً»، وانا حالة حريرية مستقلة، وقد استقلت من الحكومة لتأكيد استقلاليتي».
انتخابات الشمال بدت الاكثر عصبية من المراحل الثلاث التي سبقتها. فرنجية اشار الى ان وزير الخارجية جبران باسيل الذي قال انه لا يشعر بوجود تيار المردة في البترون لا يشعر بوجود عمه (والد زوجته) الجنرال عون في البترون، ومن الطبيعي الا يشعر بوجودنا».
وقال فرنجية «سامي الجميل في قلوبنا و«القوات» رغم كل الخصومة معهم موجودون 20 مرة اكثر من التيار الوطني الحرّ في المنطقة».
وكان رد من باسيل جاء فيه ان «المشكلة مع فرنجية انه يبني كلامه على اخبار خاطئة، نحن قلنا اننا لم نشعر بالمنافسة في البترون، ولم نقل اننا غير شاعرين بوجود تيار المردة.
الشعار و8 آذار
وفي حين بدا ريفي في منتهى العصبية في ادارته لعملية دعم لائحة احمد قمر الدين، لوحظ كلام هام جداً لمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، «لقد فوجئت بما سمعت من الوزير ريفي حول وجود مرشحين من 8 آذار، ومن «حزب الله» ولا اعلم على الاطلاق ان احداً من المرشحين في المدينة له هذا الانتماء».
واستدرك «لنفترض ان فريق 8 آذار موجود، من حقهم ان يترشحوا، ومن قال ان الاختلاف السياسي يجب ان يدفع لان نطحن بعضنا بعضاً».
وكان لافتاً تصريح قائد محور الريفا خلال الجولات الدموية بين محلتي جبل محسن وباب التبانة في طرابلس، اذ قال «لم تعد للحريري شعبية في طرابلس، وهو تحالف مع ميقاتي الذي سبق ووصفه برئيس حكومة «حزب الله»، ليضيف «ريفي رجل نظيف، ونحن معه وسننتخب لائحته زي ما هيي».
واذ بدت المنافسة باردة في طرابلس قياسا على الاقبال الكثيف في مختلف المناطق الاخرى، بدت معركتا تنورين والقبيات على المنخار، حتى ان ناشطين في التيار الحر و«القوات اللبنانية» راحوا يشيعون ان تيار المستقبل يقف الى جانب اللائحة التي يدعمها الوزير بطرس حرب، وكان ان هذا الاخير نفى بشكل قاطع، اي وجود للتيار في البلدة، ومؤكداً «ان عظامنا لن تتكسر في تنورين، داعياً انصاره الى عدم اطلاق النار ابتهاجاً بالفوز».
كليوباتره في بشري
وبدت معركة بلدة بشري مثيرة، وحيث لا معركة فعلية، وقد اكد «قدامى القوات» ان معركتهم ضد «كليوباتره» وليس ضد القيصر، اي ان معركتهم ضد النائبة ستريدا جعجع بسبب «شخصيتها الديكتاتورية» وليس ضد زوجها». فيما كانت هناك تعليقات من مؤيدي اللائحة الرئيسية، وعلى اساس انه لولا ستريدا لما بقيت هناك «قوات لبنانية» لان جعجع امضى 11 عاماً في الزنزانة كانت كفيلة بذر «القوات» في الريح.
ولوحظت طبقة اللغة التي تستخدمها نائبة بشري مع زوجها والتي لم يسبق لها ان لجأت اليها الا في الايام الاخيرة، اثر الادلاء بصوتها في بشري، توجهت الى رئيس «القوات» بالقول «ان بشري ستقدم لك اجمل وردة».
وقالت «صحيح انك لم تتمكن من ان تكون معنا لظروف امنية، ونقول لك انتبه على نفسك، ولكن اجمل هدية من بشري»، فيما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن «ظهور روميو وجولييت» في بشري، وعن «الاسباب السياسية» وراء مواقف الغزل (والغرام) لستريدا في الاونة الاخيرة، والى متى التساؤل ما اذا كان جعجع يواجه مشكلة ما.
الكرنفال انتهى
الكرنفال الانتخابي انتهى، اي كرنفال سياسي الان؟ الكل يتوقع تبدلا دراماتيكياً في المشهد، واذ اثار الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بكلامه الاخير، عن حماوة المرحلة المقبلة، اسئلة حول ما اذا كانت هذه الحماوة ستطاول لبنان بهشاشته وقابليته للتدهور، لاحظ نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم ان الصيف لن يحمل حلولاً لسوريا والعراق واليمن. اما في لبنان، فيبدو انه سيكون هناك كلام حار وليس صيفاً حاراً لان احتمال ان يكون حاراً عملياً يرتبط بشن اسرائيل هجوماً علينا، دون ان يوجد ما يبين ان اسرائيل مستعدة للعدوان على لبنان».
خروقات وهزائم
انتخابياً، ارقام ما بعد منتصف الليل اظهرت تقاربا مثيرا في الارقام بين لائحة «لطرابلس» ولائحة «قرار طرابلس» في حين تحدث ميقاتي عن احتمال حصول خروقات في اللائحة التي يدعمها «الجبابرة».
والصدى الاولي في عاصمة الشمال ان ريفي هزم الحريري واثبت ان شعبيته في المدينة تفوق شعبية رئيس تيار المستقبل الذي انعكست ازمته المالية الى حد كبير على مدى تأثيره في المدينة التي طالما اعتبرت بمثابة عمقه الاستراتيجي.
وفي تنورين، كانت هزيمة تحالف التيار الوطني الحر و«القوات اللبناينة» امام تحالف الوزير بطرس حرب والكتائب والمردة مدوٍ، وهو المشهد الذي تكرر في القبيات حيث كان الفوز، وان بفارق محدود، للنائب هادي حبيش والنائب السابق مخايل الضاهر.
اليوم يوم آخر، ليس على اساس نسيان ما حدث امس، وانما لانه يفتح الباب امام تبدلات دراماتيكية في الخارطة السياسية ما يمكن ان تكون له انعكاساته على الوضع العام.