كاغ لم تعثر على ضوء في النفق الرئاسي
المشنوق : السعودية ارغمتنا على الذهاب الى دمشق وترشيح فرنجية بريطاني ــ اميركي ــ سعودي
عون بين خيارين : «حزب الله» او «القوات اللبنانية»
خطة سلام ــ المشنوق ــ فرعون للاصطياف واجتذاب الخليجيين
لا شيء تغيّر، لا شيء يتغير. اللاعبون انفسهم، اللعبة نفسها، بعيداً عما يدعوه بـ «الثرثرة اليومية المحلية بل والقاتلة»، بحسب قطب سياسي بارز، فان «هذا النظام، مثل اي نظام عربي آخر، ان سقط سقطت الدولة معه».
القطب السياسي تحدث عن الشيزوفرانيا اللبنانية. الطبقة السياسية ملأت الارض فساداً، ولا داعي للمبالغة في الخشية من الجماهير لان نصفها على الاقل معلب وينتفع من ثقافة المزرعة الشائعة منذ الاستقلال حتى اليوم، ودون ان يفعل الطائف سيتناسون انه اعاد طلاء سياج المزرعة بلون آخر. في الجوهر لم يحدث اي تغيير…
وحتى لدى مقاربة ما بات يسمى بـ «ظاهرة اشرف ريفي» يلاحظ «ان هذا الرجل الثائر في اعماقه ضد الطبقات العليا، وهو الذي اطلّع على كل موبقاتها وارتكاباتها، لجأ الى الاثارة السياسية والطائفية، كما لو اثبتت 14 آذار اقل تعفناً، واقل اغتصاباً لعقول الناس، ولحقوق الناس، من 8 آذار، وكما لو ان «حزب الله» اكثر ارتباطاً بمرجعية، او عبر مرجعيات، خارجية من كل الاحزاب والتيارات الاخرى».
القطب السياسي الذي تحفظ على وصف «الديار» له بـ «الزعيم السياسي» قال ان حزبه مثل الاحزاب الاخرى «مستودعات بشرية، بشعارات براقة لا تمت لا الى الحقيقة ولا الى الواقع بصلة»، ملاحظاً كيف ان هذه الاحزاب تبدو، عملياً وعملانياً، في موت سريري، وتفتقد ديناميكية التغيير او حتى التطوير».
ماذا عن قادة الاحزاب والتيارات؟ مهراجات او مهرجون، ويتعاطون فوقياً، وبازدواجية مريعة مع الناس».
كلامه الاخير «لا تصدقوني ولا تصدقوا احداً، من السياسيين كلهم يخدعونكم، وكلهم آذانهم الى الجدران الخارجية والى المصالح الخارجية».
بالرغم من كل التوصيفات، ترى المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، ان هذا البلد، وبعيداً عن مشكلاته، يبقى ظاهرة فريدة في المنطقة، وهي تبدي خوفاً «شخصياً» عليه، باعتبار ان المجتمع الدولي يكاد يضيع بين ازمات الشرق الاوسط.
والذين يلتقون كاغ يلاحظون انها مهمومة بلبنان اكثر من العديدين من اهل السياسة، زيارات مكوكية، وهي سندبادية، الى الرياض وطهران، وايضاً الى عواصم اخرى بحثاً عن ضوء في آخر النفق الرئاسي، لتجلس متعبة في نهاية المطاف، وتبدو كما البلد المكلفة مراقبة الاوضاع فيه، وهي تدور في حلقة مفرغة.
تحت الطاولة، قانون الدوحة (الستين معدلاً) في كتاب رفض التجديد وصف الرئيس فؤاد شهاب هذا القانون الذي وضع في عهده بانه المسؤول عن المصائب في لبنان. ما جرى في الدوحة جراحة تجميلية محدودة لتكريس منطق الصفقة الذي يحكم لبنان وان ارتدى الفاظاً براقة مثل الميثاقية وما شابه…
واذا كان الرئيس نبيه بري قد توقع ان تفضي انتخابات رئاسة الجمهورية الى تفجير الاصطفاف الرئاسي (8 و14 آذار)، وهذا ما حصل حتى قبل اجراء هذه الانتخابات، فقد بدت الانتخابات البلدية وكأنها منطق شعرة معاوية بين اكثر من حليف وآخر، وان كان البعض ما زال مصراً على ستخدام القفازات الحريرية لانه في مأزق اليوم التالي…
لا جديد في قول رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان «حزب الله» ضد تحالف معراب، ولا جديد كذلك في قوله ان تيار المستقبل هو ايضاً ضد التحالف، الجديد ان يضع الحزب والتيار في خندق واحد، وضمناً انهما من يعطل الانتخابات الرئاسية، وان كان لكل منهما موقعه في الموقعة الاقليمية.
ليس هذا وحسب، جعجع اعتبر النائب وليد جنبلاط الذي هو ايضاً ضد التحالف «اذكى ولبق»، اذكى من الحريري بطبيعة الحال، مشيراً في مقابلته التلفزيونية مساء اول امس عبر الـ M.T.V الى انه «كان» حليفاً لتيار المستقبل، ولا يريد ان يهز هذا التحالف «اكثر مما هو مهزوز».
واذ قال «حرام ان نمشي بالستين»، انضم الى الاوركسترا اياها في القول «اذا لم يكن هناك من حل نسير بقانون الستين ونستمر في البحث عن قانون جديد، ليشير الى «امكانية» وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية.
الحريري غرّد عبر تويتر «لا يا حكيم نحن لسنا ضد التحالف، ولكن من حقنا الوقوف الى جانب من وقف معنا عام 2005، ومنهم دوري شمعون، وسامي الجميل، وبطرس حرب، والياس المر، وهادي حبيش، وفريد مكاري».
اضاف «يا حكيم اول من رشحك للرئاسة(وبالخط الاحمر العريض) كان سعد الحريري فقط للتذكير، لكن البلد اهم منك ومني، والذي عطل مبادرتي لانهاء الفراغ الرئاسي هو انت و«حزب الله»، مشدداً على «ان الاجندة الوحيدة التي تحركني هي اجندة وطنية وليست طائفية، او مذهبية، ولا افكر بربح شخصي، اهم شيء ان يربح بلدي ويعيش الشعب».
اوساط سياسية قرأت ما بين السطور وما وراء السطور، لتلاحظ الى اين وصل تبادل الاتهامات بين الحريري وجعجع. الاول يتهم الثاني بان الاجندة الطائفية هي التي تحركه، واضعاً «القوات اللبنانية» و«حزب الله» في مصاف واحد، وبلهجة لا «حريرية» ولا «قفازات حريرية» فيها، كما اتهم جعجع بشن حرب الغاء ضد الاقطاب المسيحيين في14 اذار، مستخدماً تحالفه مع عون في هذا المجال.
اما الثاني فاخذ على رئيس تيار المستقبل انه ليس بذكاء او بلباقة جنبلاط، والاهم انه من موقع ما ضد «التحالف المسيحي».
في الكواليس، هذه ليست اجتهادات بل وقائع، لا بل ان ما يتم تداوله حول مواقف الطرفين من بعضهما اكثر حساسية بكثير. اعادة جعجع الى حجمه الطبيعي بحرمانه المقاعد الثلاثة في زحلة، وتفعيل الصوت السني في الكورة والبترون ضد مرشحي «القوات»، وصولاً الى النائب جورج عدوان في الشوف والذي كان جنبلاط يجاهر بان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير زرعه في لائحته.
تشكيك بشخصية الحريري
على الجانب الآخر، تشكيك بشخصية الحريري، وتأكيد على ان قاعدته الشعبية لم تتزعزع فقط بسبب الغياب الطويل عن البلد، وانحسار المال والخدمات، وانما ايضاً بسبب التخلخل السياسي الذي يتداخل مع صراع القوى داخل التيار، والى حد تلميح البعض الى ان الحريري الابن لا يملك دماغ الحريري الاب ولم يحتفظ سوى بالعدد القليل جداً من الادمغة التي كانت الى جانب ابيه.
وعلى هذا الاساس، فان تأثير التيار ان في قضاء زحلة او في المناطق الاخرى انحسر على نحو كبير، وبالصورة التي تجعل الحريري هو من بحاجة في الكثير من الاحيان، الى التعاون حتى مع الخصوم، وما حدث في طرابلس مثال صارخ على ذلك.
وكان لافتا وصف القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش العلاقات مع «القوات» بانها في حالة «تدهور كبير» وقد تزيد تدهوراً مع الاستحقاق النيابي.
الان، وقت لاعادة النظر في قواعد اللعبة، وفي قواعد الاشتباك، جهات سياسية ترى ان الحديث عن ان روح 14 آذار لا تزال باقية، مع ان اول شيء فعله اقطاب هذه الحركة انهم «قبضوا على روحها» واحالوها الى جثة هامدة..
الجنرال بين خيارين
والذين تابعوا بدقة ما قاله جعجع على الشاشة، لا سيما لجهة خوفه على التحالف في معركة جونية، يستشفون بوضوح ان ما كان مسموحاً في الانتخابات البلدية لن يكون مسموحاً في الانتخابات النيابية. على الجنرال ان يختار بين «القوات اللبنانية» و«حزب الله».
جعجع يريد نواباً له في بعبدا، وفي جزين، وفي جبيل، وهذا لا يمكن ان يتحقق الا بتخلي رئيس تكتل التغيير والاصلاح عن ورقة التفاهم مع «حزب الله».
شخصيات تتابع خفايا الشارع المسيحي تقول ان تفاهم معراب الذي سقط في الانتخابات البلدية، برغم كل الضجيج الاعلامي، وحتى عندما كان الطرفان في خندق واحد (القبيات وتنورين) هذا اذا كان يعتبر ان ما حصل في زحلة كان انتصاراً)، سيواجه اختباراً صعباً، ومصيرياً، في الانتخابات النيابية.
استطراداً، خارطة التحالفات تتراقص، وتيار المستقبل، الشديد الحساسية حيال ما جرى في طرابلس، يتهم «القوات اللبنانية» بانها هي من رفع لافتات التعاطف مع ريفي، وبالطبع لتوجيه رسالة مدوية الى بيت الوسط الذي عليه ان يتخلى عن النائب سليمان فرنجية، ويتبنى خيار الجنرال ميشال عون وولي عهده سمير جعجع.
المشنوق ووقائعه
البلبلة السياسية تبقى تحت السيطرة واذ يبدو ان المراوحة السياسية ستستمر بالتزامن مع المراوحة العسكرية في المحيط، اطلق وزير الداخلية نهاد المشنوق سلسلة من الوقائع المثيرة، قائلاً، في مقابلة تلفزيونية، ان «كل الناس تعتقد ان ما قمنا به كان خيارنا الطبيعي، ولكن لا السياسة السعودية طلبت واوصت والحّت للوصول الى هذه السياسة، وانا اقول هذا الكلام على مسؤوليتي الخاصة على الرغم من انه سيتم نفيه، وخصوصا من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري.
اضاف: ان السياسة السعودية السابقة هي التي اجبرتنا على الذهاب الى دمشق من اجل المهادنة مع النظام السوري، وهي ما دفعت تيار المستقبل لاتخاذ المواقف التي اتخذها للتقرب من الخط السوري.
ترشيح فرنجية بريطاني
وكشف المشنوق عن ان ترشيح النائب سليمان فرنجية لم يأت من الحريري بل من وزارة الخارجية البريطانية مروراً بالاميركيين وصولاً الى السعودية فالحريري، موضحاً ان الترشيح نتيجة قرار دولي بأن الرئيس الضمانة افضل من النظام الضمانة، وهذا ما آمن به الغرب، ولهذا دعم الحريري فرنجية للرئاسة.
وقال «لن ينتخب رئيس اليوم للاسباب نفسها التي لم ينتخب فيها رئيس من قبل. واذ وصف الخلاف مع «القوات اللبنانية» بـ«الاستراتيجي» قال المشنوق انه لاحظ في المدة الاخيرة كلام من ريفي عن رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، و«هذا من الاخطاء الاستراتيجية التي تطرح اسئلة، وكأن ريفي سيطرح حصر ارث بملف الحريري السياسي».
وشدد على انه «آن الاوان لنبعد الشهداء عن الطاولة، وريفي اكثر شخص يدرك اننا لم ننس الشهداء ولكن يجب الا يتحول الشهداء الى طبق يومي.
ودعا وزير الداخلية الى الكف عن اللف والدوران، فالشمال تاريخه قائم على مواجهة النظام السوري، والناس هناك عانوا من هذا النظام، ورأيهم في «حزب الله» والقتال في سوريا ليس اقل حدة وبطبيعة الحال عندما يرون ان هذه العناوين تتراجع داخل الخط السياسي من الطبيعي ان تصوت في الاتجاه الاخر. من جهة اخرى تتحرك الاهتمامات على احياء موسم الاصطياف في لبنان، لا سيما وان الوضع الامني في مناطق الاصطياف طبيعي جداً بل ومثالي جداً.
وفي هذا المجال، تشير مصادر الهيئات الاقتصادية الى ان الجولات التي قام بها بعض اركان هذه الهيئات في بلدان الخليج اظهرت رغبة في عودة الخليجيين الى لبنان لتمضية الصيف، لا سيما في الفترة التي تمتد من اوائل شهر رمضان وحتى موسم الحج.
هذه مدة كافية لانعاش الدورة الاقتصادية في البلاد ولاعطاء دفع معنوي لهذه الدورة التي تعاني من التعثر لاسباب شتى.
اللبنانيون والمزاج الخليجي
ومما لاحظته وفود الهيئات الاقتصادية هو ان الخليجيين الذين اضطروا ومنذ بداية الاحداث السورية للتوجه الى بلدان اخرى، لا سيما دول اجنبية يعتبرون ان لبنان يمثل بالنسبة اليهم ملاذا للتوازن النفسي ان بسبب اللغة المشتركة او بسبب تفهم اللبنانيين للمزاج الخليجي، وبالتالي كيفية التعاطي مع المصطافين. وترى المصادر اياها ان باستطاعة الحكومة المبادرة الى تبني عملية تفعيل الموسم السياحي وبالتالي تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال خطة يضعها ويرعاها رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير السياحة ميشال فرعون.
ويفترض ان تلحظ هذه الخطة اقامة نقاط امنية تتوزع بين مطار بيروت ووسط المدينة، وكذلك على الطرقات المؤدية الى المناطق السياحية، ومن شأن هذه التدابير التي لا تتطلب عدداً كبيراً من العناصر الامنية ان تطمئن الخليجيين الذين يعلمون على كل حال، ان الوضع الامني في لبنان ممسوك بدقة وفاعلية.
وبحسب المعلومات قطعت الجهود الخاصة بوضع الخطة شوطاً متقدماً، على ان يشرف الثلاثي سلام – المشنوق – فرعون على التنفيذ ومتابعة الاجراءات الخاصة بتأمين افضل الظروف الامنية للمصطافين الخليجيين، وبالتالي تحريك موسم الصيف الذي طالما كان الموسم الذهبي في لبنان.