انذار مبكر من بري : لا تفجروا لبنان…!!
خطة الجميّـل اخفقت في احداث صدمة سياسية وشعبية
تعويم «النصرة» يهدد باشعال الحدود اللبنانية ــ السورية
ايهما الاكثر دوياً، قنبلة عين التينة ام قنبلة فردان؟ القنبلتان على طاولة وزارة الخزانة في واشنطن. وزير الخزانة عضو في مجلس الامن القومي، وهو الخامس في التراتبية بعد الرئيس.
«وول ستريت جورنال» وصفته في عام 2009 بـ «وزير الخزانة في الكرة الارضية»، حيثما تكون العملة الخضراء يكون هناك، علاقاته يومية مع كل اجهزة الاستخبارات وصولاً الى جهاز الاستخبارات في البنتاغون، ولديه جيش من المتابعين. ما يعني لبنان هنا، ماذا يقول جيش المحللين في قنبلة فردان كما في قنبلة عين التينة…
الرئيس نبيه بري قال ما قاله في صوت عال لكي تصل كلماته بدقة ليس فقط الى وزير الخزانة الاميركي بل الى كل الجهات الاميركية المعنية بلبنان، اذ من يضمن ان يكون مساعد الوزير لشؤون مكافحة الارهاب قد نقل ما سمعه من بري الى وزيره؟ الاميركيون براغماتيون جدا، ودقيقون جداً، لكن الامزجة، خصوصاً اذا كانت قريبة من اللوبي اليهودي، تلعب دورها ايضاً…
مصادر عين التينة قالت لـ «الديار» ان كلام بري لم يكن موجهاً الى الداخل فقط. الى الخارج ايضا، وليس الى جاك غلايزر، وزير الخزانة بل وايضا الى وزير الخارجية جون كيري، والى مستشارة الامن القومي سوزان رايس، ناهيك عن وزارة الدفاع التي بات المسؤولون فيها على صلة يومية بالتفاصيل اللبنانية، وهم الذين اكدوا لمن يعنيهم الامر ان واشنطن لن تسمح بتفجير لبنان، لا استثناء لجهات عربية طالما هللت لقانون العقوبات.
بري قال ببساطة، وتبعاً لما تقوله المصادر «لا تفجروا لبنان» بعدما صدم من الطريقة التي تعاطى بها رجال سياسة، واعلاميون مع القنبلة التي استهدفت بنك لبنان والمهجر غروب الاحد. فعلاً وصل خوف رئيس المجلس النيابي الى ذروته من ان يكون هناك مخطط لاعادة لبنان الى مناخات عام 2005 والتي جعلت لبنان يتنقل من كارثة الى كارثة قبل ان يتم ضبط الايقاع وبالتالي تهدئة الاوضاع…
في تلك الليلة جرت اتصالات رفيعة المستوى لاستيعاب الوضع وابقائه عند حدود معينة، وثمة من يتحدث عن ان قوى سياسية في لبنان نظرت الى القنبلة على انها قد تكون الحلقة الاولى من سيناريو يصل بالامور الى نقطة خطيرة للغاية، فكان الاستنفار تحسباً للحلقات التالية.
والذي زاد من حساسية النظرة الى القنبلة، والى الضجيج السياسي والاعلامي الذي قام حولها، هو كلام صدر عن جهات في 14 اذار الى اكثر من مرجع، وفيه ان قانون العقوبات الاميركي ليس سوى البداية لسلسلة من الاجراءات، من بينها ما يمكن ان يصدر عن لاهاي، وبعدما بات معلوما ان المحكمة الخاصة بلبنان تنام او تستيقظ بالريموت كونترول، ودائماً لاغراض سياسية تتجاوز بكثير الاطار التقني للمحكمة.
كلام كبير كان يتردد في الغرف المقفلة، وفهمت اكثر من جهة سياسية مناوئة لـ«حزب الله» ان عليها التصعيد لملاقاة السيناريو في نقطة ما، حتى ان بعض وسائ الاعلام رفعت وتيرة حملتها على «حزب الله» بصورة غريبة وغرائبية لتربط حتى الخلاف حول سد جنة بالحزب، وكادت تلصق به ملف شبكة الانترنت وبصورة تثير الذهول…
هذا فيما كان قطب مسيحي يبشر «الشباب» بأن ساعة «حزب الله» قد دقت، وان قوى دولية تضغط في هذا تجاه ليتكرر مع المقاومين مشهد ياسر عرفات و«الفدائيين» وهم يغادرون مرفأ بيروت الى المنافي، ودون التنبه الى ان الحزب، بقيادته وبقاعدته، لبناني وانه من دحر الاحتلال الاسرائيلي عام 2000 واعاد المناطق المحتلة الى الدولة اللبنانية…
اوساط ديبلوماسية غربية ترى ان رسالة بري لا بد ان تكون قد وصلت الى واشنطن، وانها لا بد ان تكون موضع اهتمام وتحليل، ما قد يحمل الصقور هناك، والذين يرتبطون بـ«الايباك» على اعادة النظر في شعارهم «حزب الله بعد داعش» والى حد الدعوة الى التزامن في ضرب التنظيم والحزب…
هذا ليس بالجديد في واشنطن، اذ ان ريتشارد ارميتاج، وكان نائباً لوزير الخارجية كولن باول، وصف «حزب الله» بفريق الارهاب الاساسي، اما تنظيم «القاعدة» فهو فريق الاحتياط، مع ان اسامة بن لادن ضرب العمود الفقري للامبراطورية في نيويورك في 11 ايلول 2001.
والاوساط الديبلوماسية تعتبر ان ادارة باراك اوباما لا يمكن ان تفرق بين التفجير الامني والتفجير المالي لان الاثنين يوديان بالدولة اللبنانية الى الهاوية، وهو الامر الذي اجمعت الدول الغربية على منعه لان اي انهيار في السلطة في لبنان يعني ان تنظيم «داعش» الذي يواجه اوضاعاً حرجة في كل من سوريا والعراق لا بد ان يندفع من جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع منه الى نقاط حيوية في البقاع وصولاً الى مدينة طرابلس.
وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة من الاساس، لذلك كان اهتمامها العسكري والامني بلبنان، اذ ماذا يعني وصول «داعش» الى شواطئ المتوسط، وانتشاره في الداخل اللبناني مع توظيفه الخلايا او الشبكات النائمة في مخيمات النازحين لتحويل لبنان الى ولاية من ولايات الخليفة.
لا مزايدات ولا بهلوانيات
اصحاب الرؤوس الباردة في جمعية المصارف، وهنا المواصفات المثالية لرجال المال، ابعدوا المسألة عن المزايدات، والبهلوانيات السياسية. التوازن عاد الى المشهد، وستكون هناك حسابات مفتوحة لمستشفى الرسول الاعظم كما لمستشفى بهمن، عادة المؤسسات الطبية لا تمس. البعض في لبنان ذهب في الاجتهاد الى ما هو ابعد بكثير من المعقول، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة تواصل مع واشنطن للتأكيد على فتح حسابات للمؤسسات ذات البعد الاجتماعي والصحي.
الرئيس تمام سلام عرّج، لدى افتتاح جلسة مجلس الوزراء على موضوع الانفجار، مؤكداً «حرص الحكومة على الاستقرار المصرفي وعلى حماية القطاع المصرفي الذي يضطلع بدور كبير على الصعيدين الاقتصادي والمصرفي، في حين يتوقع ان يتطرق السيد نصرالله الى هذه المسألة في كلمته في ذكرى اربعين القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين الجمعة المقبل.
الى ذلك، غالبا ما كانت الحكومة توصف بـ«البطة العرجاء» بسبب عجزها عن حل اي من الازمات التي تواجهها. الآن اي وصف بعد خروج وزيري حزب الكتائب سجعان قزي وآلان حكيم؟
رئيس الحزب سامي الجميل اعلن: «ان استقالة الوزيرين ستبلغ رسميا (اي خطياً) الى الرئيس سلام وبعدها يصبح الحزب خارج الحكومة التي اعتبر ان صلاحياتها انتهت وانتقلت من العجز الى الضرر، ولذلك دعونا الرئيس سلام الى الاستقالة لوضع الجميع امام مسؤولياته».
وكان خبراء دستوريون قد اعتبروا ان الاستقالة تصبح نافذة لدى تقديمها خطياً لرئيس الحكومة، في حين يستند وزير العدل المستقيل اشرف ريفي الى الاشكالية الدستورية القائمة للاستقالة وللاستمرار في ممارسة مهامه كوزير للعدل يتولى تصريف الاعمال دون المشاركة في جلسات مجلس الوزراء.
حكومة المصلحة الوطنية تحولت الى حكومة التأجيل. بعض الوزراء قالوا ان الحكومة يجب ان تدخل ارقام غينيس في عدد الازمات التي تواجهها وايضاً في المواضيع المؤجلة.
كوكتيل عجيب وازمات عجيبة
كوكتيل عجيب من الازمات العجيبة. بعض الوزراء يعتبرون ان الاستقالة من الحكومة في هذه المرحلة، اما انها خطوة دونكيشوتية او انها قفزة في الفراغ، والى حد القول ان حزب الكتائب، بخروجه الملتبس من السلطة، لا يستطيع في اي حال توظيف الاستقالة شعبياً.
وثمة جهات داخل الحزب تؤكد ان الرئيس امين الجميل ليس موافقاً على الاستقالة لان الذي ظهر منذ اعلان النائب سامي الجميل عن ذلك ان الصدمة السياسية او السيكولوجية التي كان ينتظرها لم تحدث. ثمة خطأ في التوقيت، ولن يستطيع الجميل ان يلعب كثيراً داخل الهامش المتبقي له مسيحياً.
وهناك من يقول انه عندما يواجه طرفان «جباران» مثل التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» اهتزازاً دراماتيكياً في القاعدة الشعبية، وهذا ما ظهر في مناطق محورية على الخارطة المسيحية، ماذا يمكن لـ«الشيخ» ان يفعل حتى ولو حمل شعارات البابا فرنسيس.
وبالنظر لان المصطلحات العسكرية شائعة في هذه الايام، بما فيها «المصطلحات الارهابية» كان بعض الوزراء يتساءلون ما اذا كان رئيس حزب الكتائب قد نفذ عملية انتحارية داخل مجلس الوزراء بقصد تفجير الحكومة، ولكن ليتبين ان وزيرين من وزرائه الثلاثة غادروا دون ان يتركا اي اثر، لا بل انهما توجها الى مكتبيهما في وزارة العمل ووزارة الاقتصاد وقد بدت الصدمة على وجهيهما فقط. اما الوزير الثالث رمزي جريج الذي لا يحمل الزر الكتائبي في سترته فلم يجد كنقيب سابق للمحامين، مبرراً للاستقالة…
والطريف ان تصدر تصريحات عن وزراء يعتبرون ان الحكومة باتت اكثر تماسكاً كون الوزراء الـ21 المتبقين يعتبرون ان بقاءهم في الحكومة يرتبط ببقاء البلد، وهو رأي رئيس وزير الثقافة ريمون عريجي.
مدير الـ «سي.آي.اي»
شيئاً فشيئاً يستقر الوضع الداخلي، وان كان هذا الموضوع مشرعاً على كل الاحتمالات. فما صدر عن مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون رينان يشي بـ«القرع المتواصل على الباب السوري» والخشية من ان يتطور الامر هناك ويتفلت «داعش» من عقاله لتأخذ المعارك منحى آخر.
رينان الذي سبق وتحدث عن تغيير في خرائط سوريا والعراق صرح بـ «ان معركتنا مع «داعش» في سوريا والعراق ستكون صعبة وطويلة»، ليشير الى ان عشرات الآلاف من مقاتلي «التنظيم» ينتشرون في العالم.
وفي نظره فان الجهود التي تبذلها بلاده لا تؤثر على قدرات «داعش» في شن هجمات ارهابية حول العالم، ملاحظاً ان النظام السوري في وضع اقوى مما كان عليه في العام الماضي نتيجة الدعم الروسي.
لكن الكلام الخطير هو الذي صدر عن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي قال «يتكون لدي انطباع بان هناك لعبة ما تجري، ربما يريدون الحفاظ على «جبهة النصرة» واستخدامها لاسقاط النظام».
في هذه الحال، ما هو وضع الاف المقاتلين من «النصرة» الذين ينتشرون في جرود القلمون، وصولا الى جرود بلدة عرسال اللبنانية، خصوصا ان الجهات الداعمةل لـ «النصرة» هي نفسها الداعمة لقوى لبنانية معينة.
هل يعني هذا ان لبنان مقبل على تطورات داخلية خطيرة، ومع اعتبار ان تحريك مناطق القلمون، بما تتسع به من حساسية جيوستراتيجية بالغة هي عامل مهم في اي سيناريو عسكري يتعلق باسقاط النظام دون اغفال التواجد القوي لمقاتلي «حزب الله» في تلك المناطق.
لافروف لا يمكن ان يقول ما قاله لو لم يكن يستند الى معطيات استخباراتية دقيقة. وهي تستكمل عمليات اعداد الاف المقاتلين من «النصرة» وهذا العمل جار بكثافة من اكثر من 4 اشهر مع اتحديد الهدف وهو اسقاط النظام، فان جهات لبنانية مسؤولية تسأل ما اذا كانت التطورات الميدانية تفضي الى اعادة اشعال الحدود اللبنانية السورية مع ما لذلك من تداعيات دراماتيكية على الساحة الداخلية.
من جهة ثانية، وفي خطوة ذات معنى، قال الرئيس سعد الحريري في افطار رمضان في شتورة «ان الكثيرين يطرحون سؤالاً حول الفائدة من الحوار مع «حزب الله». وكان السبب الاساسي لهذا الحوارالعمل على خفض التوتر ودرء الفتنة بين السنة والشيعة».
واكد على مواصلة الحوار طالما هناك من «يعمل على تأجيج هذه الفتنة لان مقياسه الحقيقي ليس ما انجز، ولكن كل ما تفاداه من مأس وويلات لو سمحنا للفتنة ان تقع».