IMLebanon

المتحاورون دخلوا بأيدٍ فارغة وخرجوا بأيد فارغة

المتحاورون دخلوا بأيدٍ فارغة وخرجوا بأيد فارغة

بري : إما قانون جديد للانتخابات أو… الثورة

من هي الاشباح التي تقبض على ملف الغاز في لبنان؟

مثلما دخلوا بأيد فارغة خرجوا بأيد فارغة. لعل الرئيس بري التقط الاشارة الواردة من أكثر من عاصمة دولية «مثلما الدوامة العسكرية في سوريا مستمرة، الدوامة السياسية في لبنان مستمرة».

وقناعة لدى المشاركين في جلسة الحوار رقم 18 بأنهم انما يدورون داخل الوقت الضائع. لا ديناميكية داخلية ولا ديناميكية اقليمية تمكّن الساسة في لبنان من تنفيذ النصيحة الفرنسية ببذل اقصى الجهود للخروج من عنق الزجاجة لأن البقاء هكذا يفضي حتى الى مزيد من التدهور وربما الانهيار.

احد المشاركين في جلسة الأمس قال لـ«الديار» «لن يتغير شيء في الدنيا لكي يتغير شيء في 2 و3 و4 آب»، وهو موعد الجلسات المفتوحة التي حددها الرئيس نبيه بري لاستكمال البحث (ام الدوران؟) في قانون الانتخاب، وفي المسائل الأخرى…

كل ما في الأمر هو تأجيل من أجل التأجيل. قانون الانتخاب يعود اليوم الى اللجان النيابية المشتركة. هل ينتظر ان يحل الوحي عليها بعدما أمضت مئات الساعات في جدال بيزنطي ليظهر في نهاية المطاف ان كل ما يحصل في ساحة النجمة هو «ضحك على ذقون الناس».

نتائج الانتخابات البلدية جعلت القوى السياسية اكثر ارتباكاً. لفت الكثير من هذه القوى ان القائم بالاعمال الاميركي ريتشارد جونز الذي انتهت مهمته لتصل صاحبة السعادة اليزابت ريتشارد في الاسبوع الاول من تموز المقبل، كان يتابع باهتمام ما تقوله صناديق الاقتراع، وكان ينصح بأن «تجعلوا الربيع اللبناني هادئاً».

بري قال للمتحاورين «لا تفكروا بالتمديد ولا بقانون الستين لأن الناس ستنزل الى الشارع». تنزل من اجل الجمهورية الثالثة. النزول بالشموع الى الشارع لا بالهراوات، ولا بالحجارة، لأن الجمهورية من زجاج. كل الغرب، وحتى اشعار آخر لا يريد للجمهورية ان تتساقط مثل الزجاج. القانون المختلط او الثورة…

بحسب الوزير رشيد درباس، سأل بري نائبه فريد مكاري عما حققته اللجان. اجاب «لم تتقدم قيد انملة، وكل فريق وراء متراسه»، امس كان حوار المتاريس، والابواب المقفلة، في عين التينة.

شيء ما مثل برج بابل. ماذا ينتظر بري ان يحصل خلال الاربعين يوماً المقبلة؟ درباس قال انه لمس من الجميع تقديراً لما يسمى بـ«قانون فؤاد بطرس» لكن الامور «لا تزال تراوح مكانها». الذين زاروا الوزير الراحل بعد انجاز الهيئة التي ترأسها وضمت ادمغة بارزة في القانون ومن الدستور وفي الجغرافيا السياسية، سمعوا منه كلاما مفاده «اكثر من ذلك خط أحمر وأقل من ذلك خط أحمر».

قطعاً الوزير الراحل لم يزعم آنذاك ان هذا هو النص المنزل، لكنه اوضح انه نتاج دراسة معمقة لكل الظروف السياسية والطائفية، والأهم ان الهيئة خرجت، بمشروع، وبحسب قناعته يؤمن للبنان الاستمرار لأنه أخذ بالاعتبار كل الحساسيات، وكل الثغرات الماضية، وركز على ان يكون التمثيل شاملا قدر المستطاع.

تقدير لمشروع بطرس، اذا، لماذا لم يعلن المتحاورون ان يشكل الارضية المشتركة لقانون الانتخاب الذي يفترض ان يكون «غامضا» لا ان يفصل على قياس الزعامات السياسية القائمة والمستمرة الى الأبد؟

رئيس حزب الكتائب سامي الجميل والذي جاء الى الجلسة، بأعصاب باردة بعدما طرد الوزير المشاغب (سجعان قزي) من الهيكل، قال انه طرح على المتحاورين «فكرة تقدمية للخروج من المراوحة باعتماد قانون الدائرة الفردية مع الخروج من القيد الطائفي».

واعتبر ذلك خطوة الى الأمام باتجاه الغاء الطائفية السياسية، بعض النواب تساءل «حين يدق الشيخ سامي بقوة على جدار المادة 95 من الدستور، فلماذا لا ينضم الى كتلة الرئيس بري؟»

الجميل يدرك جيدا ما هو رأي بكركي في الغاء الطائفية السياسية في ظل الاختلالات الديموغرافية الراهنة، قد يعني هذا ان الجميّل الذي قال في جلسة المكتب السياسي للحزب ان البلد بحاجة الى «ضمير»، لا يريد الثورة على المؤسسة السياسية فقط وانما ايضاً على المؤسسة الدينية، مع انه يعلم مدى محاصرته من قبل العماد ميشال عون على الضفة اليمنى ومن قبل الدكتور سمير جعجع على الضفة اليسرى.

الجميّل لاحظ انه «بعدما أقفلت ابواب كثيرة في موضوع قانون الانتخابات اردنا ان نضع هذا القانون (المشروع) على الطاولة مع اصلاحات اخرى كاللامركزية الادارية ومجلس الشيوخ».

الرئيس نجيب ميقاتي قال «لا اعتقد ان احداً يرغب في الوصول الى مزيد من المآزق»، ولمس «ان الجميع راغبون في توسيع الحوار حيال المسائل المطروحة، لا سيما منها انشاء مجلس للشيوخ واقرار قانون اللامركزية الادارية، وهذا ما يعطي املاً بحل متكامل والاسراع في قانون الانتخاب».

اما النائب علي فياض فصرح بأنه «أمام تعذر الاتفاق على قانون انتخاب مشترك، تم الانتقال الى البحث مجدداً في السلة الكاملة، وهكذا جرى الاتفاق على الجلسات المفتوحة لتعالج فيها كل البنود العالقة، من الرئاسة، الى قانون الانتخاب، الى اللامركزية الادارية، الى الحكومة، الى اعادة تفعيل المجلس النيابي، الى كل البنود الاصلاحية الاخرى بما فيها بعض الافكار التي طرحت حول الحاجة الى تشكيل مجلس شيوخ».

واشار النائب غازي العريضي الى «ان فكرة الدوحة التي طرحها الرئيس بري لم تأخذ مسارها حتى الآن»، متسائلا «ماذا سنفعل كقوى سياسية اذا لم نتفق على قانون جديد!».

ـ مجلس الشيوخ والمؤتمر التأسيسي ـ

واذ كان لافتا عودة الحديث عن تشكيل مجلس الشيوخ الذي له شروطه، بما في ذلك انتخاب مجلس نيابي خارج نطاق القيد الطائفي، فإن مصدراً وزارياً بارزاً قال لـ«الديار» ان طرح هذا الموضوع في اطار السلة المتكاملة قد يفتح الباب امام طرح المؤتمر التأسيسي، الذي يتم تداوله الآن عند المرجعيات السياسية والروحية لبعض الطوائف ان المسألة ليست فقط في حل اشكالية التوازن بين الطوائف في القضايا الاستراتيجية او المصيرية او البنيوية، وانما، وهذا هو الأهم، التوازن في الصلاحيات.

اضاف ان هناك تحفظاً لدى طوائف اساسية حول ما تعتبره «التطبيق الملتبس وغير المتوازن لاتفاق الطائف»، ليصف طرح موضوع مجلس الشيوخ بـ«الملهاة السياسية»، وقد يكون الهدف من اثارة الموضوع التغطية على اي قانون انتخاي يفتقد الشمولية (والعدالة) في التمثيل.

ولاحظ المصدر الوزاري ان النائب علي فياض تحدث عن «بنود اصلاحية اخرى»، وهذا الكلام له تفسيراته المتعددة، اذ يتعذر تشكيل المجلس دون التعاطي مع الثغرات التي ظهرت في دستور الجمهورية الثانية، وهو المنبثق عن وثيقة الطائف.

ـ ارثوذكسي أم درزي؟ ـ

ويبقى الخلاف على من يترأس مجلس الشيوخ؟ شخصية ارثوذكسية باعتبار ان الطائفة الارثوذكسية هي الرابعة في الترتيب الديموغرافي (14 نائباً) ام شخصية درزية بالنظر للواقع التاريخي للطائفة من جهة، وللحضور الجنبلاطي الطاغي على الساحة السياسية.

اثناء الجلسة لم يقل بري ان مبادرته دخلت في حالة الموت السريري، تاركاً للمعترضين ان يكتشفوا انه لا رئيس للجمهورية في المدى المنظور لأن القصر الجمهوري عالق في دهاليز الصراع الاقليمي، وأن الاستحقاق النيابي لا بد آت، وان قال المعترضون ان اجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية لا يعني قطعاً ان الرئيس سيهبط حتماً، من المدخنة ما دامت كل التوقعات تشير الى ان التجاذب السياسي داخل المجلس النيابي الجديد ستكون اكثر حدة.

الاوساط السياسية تسأل عمن يستطيع ان يطرد الشيطان من داخل السلة التي تزخر ببنود معقدة، وبعضها يلامس أساسيات السلطة في لبنان.

واللافت ان تحفل الاروقة السياسية بأسئلة من قبيل ما اذا كان البحث في الفديرالية اسهل من البحث في قانون الانتخاب، باعتبار ان البلاد تعاني من التصدع العمودي الذي يرتبط بمسار الصراع في المنطقة.

ـ الأشباح و… الغاز ـ

ويبقى السؤال حول ملف النفط والغاز، هذا الموضوع كان على الطاولة، واكثر من جهة قالت انه من الاهمية بحيث يفترض ان يبت به ليشق طريقه الى التنفيذ. فجأة تخرج الاشباح من الحائط وتتولى تهريب الملف الذي سيعود الى لجنة النفط (لتزيده قتلا) ثم الى مجلس الوزراء الذي «يختلف اعضاؤه حتى على فتح اعتماد لشراء المسامير» على ما يقوله احد الوزراء لـ«الديار».

علامات استفهام كثيرة حول خفايا وخبايا الملف، تصريحات ودعوات نارية الى المضي به لأنه السبيل الوحيد لحماية البلاد من وطأة الدين العام، وقد وصل الى ارقام قياسية، وفجأة تغيب الاصوات حين يوضع الملف على الطاولة.

ضغوط اقليمية بوجه خاص، لابقاء الغاز تحت الماء، ام ضغوط دولية باعتبار ان التداخل الجيولوجي بين الحقول اللبنانية والحقول الاسرائيلية يفترض «بعض» التداخل الاستراتيجي؟ سؤال الى الأشباح…

ـ لا أفق… ـ

في كل الاحوال، جلسة الحوار أظهرت ألا أفق لأي من الأزمات الداخلية. مسار امس كان  هذا هو الحديث على مائدة الافطار لدى احد المراجع، الرئيس فؤاد السنيورة اعتبر ان المشروع المقدم من تيار المستقبل وقوى اخرى (68 أكثري و60 نسبي) هو أقصى ما يمكن القبول به لجهة القانون المختلط، واصفا المشروع الذي وافقت عليه حكومة ميقاتي بـ«الكيدي».

يقابل ذلك تصريح لوزير الخارجية جبران باسيل الذي رأى فيه ان «الطمأنينة مصدرها النسبية بكل اشكالها، واعلاها مرتبة اقتراح قانون اللقاء الارثوذكسي، ومن هنا نرى في الخلوة المقترحة خلال شهر آب محطة مهمة يكون لبنان والمنطقة فيها على مفصل أساسي».

المرجع الذي تساءل عن السبب الذي يجعل وزراء ونواب التيار الوطني الحر يكثرون من الحديث عن آب على أنه شهر مفصلي، اردف قائلاً يبدو ان قانون الانتخاب بات بحاجة الى وسيط دولي، هل من ستيفان دي ميستورا آخر؟».