اردوغان في مكان آمن ويدعو للنزول الى الشارع
اشتباكات بين الجيش والشرطة وانقسام في سلاح الجو
بوتين يعرض على الرئيس التركي اللجوء الى موسكو
حتى الفجر، كل المؤشرات كانت تدل على سقوط رجب طيب اردوغان بانقلاب عسكري بمكن وصفه بـ «الانقلاب الاتاتوركي» من خلال اتهام حكومة حزب العدالة والتنمية بأنها «أضرت بالنظام الديموقراطي والعلماني».
ولوحظ ان معلقين غربيين اعتبروا ان الانقلاب العسكري الرابع، بعد انقلابات عام 1960 (جمال نورسل) وعام 1980(كنعان أفري) و1997 (لاسقاط حكومة نجم الدين اربكان)، سيغير مسار الاوضاع في الشرق الاوسط انطلاقاً من سوريا.
وكان اردوغان الذي راهن على السيطرة على المنطقة من خلال امساك «الاخوان المسلمين» بالحكم في مصر وسوريا قد مني بسلسلة من الهزائم في كل الرهانات التي خاضها لا سيما فتح حدود بلاده أمام التنظمات الأكثر تطرفاً وعلى رأسها تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» من اجل القتال ضد النظام السوري وتقويضه.
وحيال هذا الوضع كانت مصادر اطلسية تتوقع حصول شيىء ما في تركيا وان كان ما حدث أمس مفاجئاً، وبدأ قبل منتصف الليل بمحاصرة قوة من الجيش مبنى هيئة الاركان، حيث تم احتجاز رئيس الاركان الجنرال خلاصي أكار الذي افادت معلومات لاحقة بأنه قتل.
قائد الانقلاب
كما اشارت المعلومات الى ان قائدي سلاح الجو والبر هما من قادا الانقلاب ما أمّن له النجاح، فيما ذكر ان اردوغان نقل الى مكان آمن.
وبالرغم من ان قنوات تلفزيونية موالية للعدالة والتنمية اشارت الى انه سيوجه كلمة الى الشعب التركي، ظهر انه في وضع حرج للغاية من خلال حديثه الى احدى القنوات عبر «السكايب» ليتحدث بعد قليل الى قناة اخرى ليثبت ان الحديث مسجل واعقب حصول الانقلاب بوقت قصير.
واعلن الجيش تعلق الدستور واعلان الاحكام العرفية، وكذلك حظر التجوال بعد اقفال جسري البوسفور والسلطان محمد اللذين يربطان أنقره باسطنبول.
وبالرغم من اتهام اردوغان لجماعة فتح الله غولن الذي فتح أمامه الطريق الى الزعامة السياسية بتنفيذ الانقلاب، قالت مصادر تركية انه لم يبق من جماعة غولن في الجيش سوى الضباط الكبار الصغار، فيما بقي العديد من الضباط الكبار على ولائهم لمؤسس الجمهورية العلمانية مصطفى كمال أتاتورك.
وبقي رئيس الحكومة التركية بن علي بلدريم يؤكد ان الاوضاع لا تزال في يد الرئاسة والحكومة قبل ان يتوقف عن الكلام تاركاً لنائبه التأكيد بأن الحكومة ما زالت تتولى السلطة.
دعوة الى الشارع
واذ دعا اردوغان الشعب للنزول الى الشارع للوقوف في وجه الانقلاب، كان لافتاً ان غالبية الذين نزلوا الى الشارع كانوا يحملون الرايات التركية وعليها صور اتاتورك ويهزجون.
والملاحظ ان أياً من قادة الانقلاب لم يظهر على الشاشات، بعد ساعات من بدء الانقلاب، بل اكتفى «مجلس السلام» بالبيانات المكتوبة، فيما كان هناك في اسطنبول من يعتقد انه كان للرئيس السابق عبدالله غول الذي ابعده اردوغان عن السلطة وعن الحزب، دور في الانقلاب، وان اطلق تصريحاً يؤكد فيه على الديموقراطية.
الشرطة لاردوغان
وأظهرت التطورات أن قطاع الشرطة ظل موالياً لاردوغان، وخاض مواجهات مع وحدات الجيش، حتى ان طائرة «أف – 16» قصفت مقر قيادة مديرية الأمن في أنقرة.
ويبقى ان رهان اردوغان الوحيد هو عدم تمكن الجيش من السيطرة على «الجماهير» في سائر الانحاء التركية، وان كان مراقبون في اسطنبول يعتبرون انه كلما مضى الوقت، كلما كان لمصلحة الانقلابيين.
غير ان تطورات اليوم والأيام المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة الى الجهة التي ستمسك بمقاليد السلطة في تركيا التي بدا انها تواجه انقسامات خطيرة لا يستبعد ان تؤدي الى حرب أهلية.
وتبقى اسطنبول التي كان اردوغان رئيساً لبلديتها في بداية صعوده السياسي والرهان الأساسي للرئيس التركي، حيث نزل المئات الى الشوارع وهم يهتفون «الله اكبر» في حين انطلق الآذان من مساجد المدينة.
وكان اردوغان الذي فاجأه تحرك الجيش بعدما امضى سنوات وهو يعمل لتدجينه وتطهيره من العناصر الاتاتوركية او المعارضة لنهج حزب العدالة والتنمية، قد ناشد العالم الوقوف الى جانب الشرعية ومساندة تركيا. وهذا ما اعتبر صيحة استغاثة الى واشنطن التي جاءت تعليقاتها ملتبسة، اذ تمنى وزير الخارجية جون كيري السلام والاستمرار لتركيا، فيما دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى تجنب اراقة الدماء.
وعكست التصريحات الأميركية والأوروبية والاقليمية، بما في ذلك الايرانيين، حالة من الحذر حيال اتخاذ اي موقف حاسم بسبب الضبابية التي احاطت بالانقلاب أو عدم ظهور رجال المجلس العسكري الجديد، في حين بقي اردوغان طليقاً، وكذلك اركان السلطة، وان جرى الحديث عن انتقاله بعد دهم مقر الحزب الحاكم في انقرة وتوقيف عدد من المسؤولين.
حوالى الساعة الثانية بعد منتصف الليل ظهر بلدريم على السكايب ليقول ان القادة العسكريين امروا الجنود بالعودة الى الثكنات، فيما كانت الدبابات تنتشر في انحاء انقرة واسطنبول، وتحلق الطائرات والمروحيات في الاجواء مع سماع دوي انفجارات وتبادل لاطلاق النار في بعض المواقع.
وانقطعت تركيا عن العالم مع اقفال جميع المطارات التي اصبحت بقبضة الجيش، مع اعلان قيادة الانقلاب انها ستقر قريباً دستورا جديداً للبلاد بعدما كان اردوغان يسعى لتعديل الدستور الحالي لاعطائه صلاحيات مطلقة.
وتحدثت معلومات عن ان قيادة حزب العدالة والتنمية اعلنت الاستنفار في صفوف الحزب لتحركات واسعة اليوم، بعدما دعا اردوغان الى المواجهة، معتبرا ان مجموعة صغيرة من العسكريين هي التي قامت بالمحاولة مع التأكيد على «اننا سنواجه المحاولة بالوسائل اللازمة» و«تجاوز ما يحدث على ان تعود الأمور الى ما كانت عليه في وقت قصير».
وبعدما قال انه عائد الى العاصمة انقرة تبين ان الطرقات مقطوعة اليها، كما ان المطارات مقفلة ايضاً. كما توقفت خدمة الفايسبوك وتويتر في اطار حماية حقوق الناس وحفظاً للنظام.
ومع الفجر بدا ان الاوضاع لم تتطور على نحو دراماتيكي باتجاه حصول انقسام داخل المؤسسة العسكرية، وبدا ذلك باسقاط مقاتلة لمروحية تابعة للانقلابيين.
وكان لافتاً الخبر الذي ورد من موسكو حول عرض الرئيس الروسي على اردوغان اللجوء الى روسيا.