ميشال نصر
بين موجات المتفائلين بإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية قبيل انتهاء المهلة المتبقية لصدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة بعد ايام، وبين المتشائمين المعولين على الظروف الاقليمية وجولات المبعوثين، تستمر بورصة الترجيحات والصيغ صعودا ونزولا، وصولا الى تسريب حمل رئيس الحكومة معه الى بشري صيغة بشكل سريع مع رئيس حزب القوات اللبنانية، ويعمل رئيس مجلس النواب نبيه بري على انضاجها، باعتبارها الفرصة الاخيرة، الا في حال وجود قرار كبير «بالتلاعب» بالمهل الدستورية على الطريقة اللبنانية الدارجة، والدفع الذي يعطيه المجتمع الدولي لحث الافرقاء على اقرار قانون جديد، خصوصا ان المواقف الحالية ليست سوى من باب رفع السقوف عل اشتداد الازمة يفرجها.
واذا كان الكثير يربط موضوع القانون بما يجري في المحيط الاقليمي المشتعل من تسويات او اشتباكات، فان العامل الداخلي وحسابات اطرافه لا تقل اهمية، نظرا لما قد يولده من احجام تبقى الورقة الاساسية في لعبة الاقليم، وفي هذا المجال يقع الثنائي المسيحي في عين العاصفة اذ تصب كل الخطوط عنده. ثنائي بإقرار طرفيه اعاد خلط كل الاوراق، اسقط الثامن والرابع من آذار، حرر فريقيه من هيمنة تحالفه مع الفريق المسلم، فرض وجودا مسيحيا فاعلا، اثار «نقزة» الثنائي الشيعي، وخوف زعيم المختارة ، وهواجس شيخ بيت الوسط، وقبل كل ذلك فاجأ الجميع بمتانته وآلية عمله.
من هنا ترى اوساط مسيحية ان الهدف الاساس من معركة قانون الانتخابات اليوم هو ضرب هذا الثنائي لإضعافه، لاستفراد رئاسة الجمهورية في المدى القريب ولاعادة المسيحيين الى مربعهم الاول في معركة رئاسة الجمهورية المقبلة، التي يستعد الجميع لخوضها منذ اليوم وتجميع الاوراق من اجلها، حيث يكشف عرابا الاتفاق المسيحي ان الانطلاقة الاساسية لتفاهم القوات والعونيين كانت قانون انتخابات نيابية جديد يعيد التوازن الى البلد من خلال اعادة الحقوق للمسيحيين، دون التوقف عند حصة كل منهما.
وعليه، تتابع الاوساط ان احد ابرز واهم الحسابات التي تحرك الاطراف الداخلية في معركة قانون الانتخابات النيابية، هو خطة كل منها لخوض المعركة الرئاسية بعد ست سنوات، والتي يعتبر الكثيرون انها سترسو في النهاية بين رئيس حزب القوات اللبنانية، رئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس تيار المردة، الذي تكشف الاوساط انه فاتح خلال زيارته الاخيرة الى حارة حريك امين عام حزب الله بموضوع دعمه عام 2023 ، الا انه لم يحصل على الجواب الشافي والوافي، رغم تأكيد السيد، بحسب الاوساط المسيحية، انه يبقى اقرب المقربين الى الحزب ولكن الامر ما زال باكرا الحديث عنه، «ناصحا البيك بإعادة مد الخطوط مع الاطراف المسيحية وتعزيز موقعه على الساحة الداخلية المسيحية، في مقابل اعتقاد القواتيين ان الدورة الاولى معقودة لرئيسهم وفقا لما يجب ان يكون قد رسا عليه تفاهم معراب بغض النظر عن صحة ذلك من عدمه.
وفقا لذلك، فانه في ظل عجز اي طرف محلي عن تحقيق الاكثرية اللازمة في هكذا معركة، خصوصا بعد الاعراف التي باتت قواعد دستورية، وفي ظل الحديث المتزايد هذه الايام عن عودة الاطراف الاقليمية الى نغمة اعادة الروح في جثتي الثامن والرابع عشر من آذار، يخوض الثنائي المسيحي معركنه لتحصيل «الثلث الضامن» في المجلس، وهو بحسب كل الاستطلاعات ممكن، لفرض نفسه ناخباً اساسياً على قاعدة التعطيل، في حال لم ينجح في تأمين التحالفات اللازمة لايصال مرشحه، في مقابل خوض الآخرين المعركة ضده موحدين لمنعه من تحقيق هدفه.
معركة بين الطرفين دخل اليها سلاح الاعلام، حيث يتعرض الثنائي المسيحي لحملة «خفية» هدفها ضربه واستفراد طرفيه، بحسب الاوساط المسيحية، المصرة على متانة التحالف، ورغم ما شاب الانتخابات البلدية في بعض المناطق، تبدي مخاوفها من انعكاس التحريض والضخ الاعلامي في الشارع ومن بعض اصحاب «الرؤوس الحامية» الذين ما زالوا غارقين في احقاد الماضي، وهو ما ظهر خلال الايام السابقة، بداية من مقاطعة اللقاء الذي دعا اليه ممثلا القوات اللبنانية في بلدية بيروت مخاتير «المناطق المسيحية» في حضور محافظ المدينة ومقاطعة المخاتير المحسوبين على القوات اللبنانية، رغم اعتبار القيادتين ان الامر لا يعدو مجرد تنافس انمائي لا اكثر ولا اهداف سياسية له، والاخطر ما حدث امس في الجامعة اللبنانية كلية الحقوق الفرع الثاني جل الديب والذي اعاد الى الاذهان صورة كان نسيها البعض.
ففي الوقت الذي كان يفتتح فيه العميد المتقاعد شامل روكز صفحة جديدة من بشري التي زارها للوقوف على «خاطر العائلة» مقدما التعازي بوفاة والدة رئيس حزب القوات اللبنانية، مطلقا مواقف انفتاحية لافتة، رافضا الكلام على عداوات او خصومات معتبرا انه كان ضابطا في الجيش عام 1990 ينفذ اوامر قيادته، كان ثمة من يحاول الدخول على الخط في جل الديب وتفجير «فتنة» في فرع حساس لطالما شهد مواجهات بين الطرفين.
وفي تفاصيل ما حدث بحسب اوساط متابعة، فان قرارا اتخذ باعادة العمل بإجراء الانتخابات الطالبية بعد تعليقها لسنوات نتيجة الاحتقان السياسي الذي ساد البلد، وقد غرّد نجل مخرج تلفزيوني معبرا عن رأيه في مرشحي طرف سياسي، ما اثار حفيظة احدهم الذي عمد الى نشر صورة «مسيئة» للمخرج على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، قبل ان تنفجر القلوب «المليانة» بين الشابين «اشتباكا وتعاركا» انضم خلاله مناصرو القوات الى جانب زميلهم، ما دفع بخليل الى طلب النجدة من رفاق له من خارج الجامعة.
الا ان الامور لم تقف عند هذا الحد مع اندساس اشخاص بين الطلاب امام مدخل الجامعة حيث تجمع عدد من الطلاب العونيين، وطلاب من القوات اللبنانية، ما ادى الى اشتعال الوضع من جديد وتدخل دورية من قوى الامن الداخلي طلبت مؤازرة من الجيش الذي ارسل قوة الى المكان عمدت الى ضبط الامن دون توقيف احد. وبحسب المصادر فان اتصالات جرت على مستوى قيادة الحزبين، انتهت الى رفع الطرفين الغطاء عن اي مخل بالامن وعن اي مشارك بما حصل، مؤكدة ان «غرباء» اطلقوا شعارات مناهضة وشتائم ضد قادة الحزبين وهو ما لا يمت الى اي علاقة لانصار الحزبين، داعية الى اجراء تحقيق واسع وشفاف في هذا الخصوص.
على هذا الصعيد علم ان القوى الامنية اتخذت اجراءات سريعة وعمدت الى سحب افلام كاميرات المراقبة تمهيدا لتحليلها وتحديد بعض الاشخاص الذين عمدوا الى تصوير ما حصل وشاركوا فيه، وللتأكد من افادات البعض عن وجود اشخاص مسلحين بسكاكين حضروا من خارج الجامعة. وتكشف المصادر ان رئيس حزب القوات اللبنانية اعطى تعليماته للمسؤولين الحزبيين بالتعامل بشدة مع اي مخل من الحزب وكذلك فعل رئيس حزب التيار الوطني الحر، وسط تأكيد الطرفين ان ما حصل لا علاقة له ولا تأثير له في التحالف القائم بينهما، واضعين الامر في اطار الخلاف الشخصي، رغم محاولات البعض البناء على «بعض الماضي» في تفسيرهم لما حصل.
أياً يكن، تؤكد المصادر ان قراراً استراتيجياً متخذاً على صعيد القيادتين لن يسمح لأي كان «بخربطته» او بضرب التوافق والتحالف القائم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر الذي اثبت مدى فعاليته وجدواه على الصعيد السياسي بداية مع نجاحه في فرض المسيحي القوي في بعبدا وصولا الى استعادة باقي الحقوق من خلال قانون الانتخابات الذي تدور معركة كبيرة بشأنه اليوم، وعلى الصعيد المسيحي الداخلي وما خلفه من ايجابيات على قواعد الفريقين رغم بعض الشوائب التي تتم معالجتها بسرعة وبحكمة.
فلمن ستكون الغلبة؟ هل ينتصر منطق الثنائي مستفيدا من الثغر الاقليمية لاعادة فرض معادلة الرئيس القوي؟ ام ينجح الخصوم بكسر ذلك على حساب الاصرار الغربي على ضرورة اجراء الانتخابات النيابية أياً يكن القانون والظروف؟ وهل تنجح بالتالي محاولات افشال الثنائي في الاستمرار «جسداً» موحداً؟ خصوصا ان لعبة الشارع خطرة وقاتلة؟
أياً يكن فان الـ 2023 ما زالت بعيدة، حيث تقول التجربة اللبنانية تاريخياً ان الامور رهن بأوقاتها حيث لا ثوابت، وقد يكون السيد نصر الله قد صدق ايضا في ذلك عند لقائه «المرشح» سليمان فرنجية.