سيمون ابو فاضل
تدل المواقف ذات الصلة بقانون الانتخاب على أن هواجس الناىب وليد جنبلاط لا تنسحب على الطائفة الدرزية ككل على خلفية تأييد أخصامه لصيغة النسبية التي يرفضها، رغم أنه يمثل الفريق السياسي الأقوى على الصعد السياسية، الشعبية والإدارية، على حساب هؤلاء داخل الطائفة.
وبعيدا عن المواقف السياسية المضادة لجنبلاط من قبل كل من النائبين طلال أرسلان والسابق فيصل الداود والوزير الاسبق وئام وهاب وقوى متضامنة معهم، فإن واقعا درزيا يتمدد إلى صفوف كل هؤلاء، يعكس صراعاً بين حالتين «درزية وجنبلاطية»، بحيث ان الحالة الدرزية لا تجد ذاتها متماهية الى حد كبير مع مواقف جنبلاط الانتخابية، وهي تجد أن زعيم المختارة يقدم حساباته السياسية بالحفاظ على كتلة نيابية واسعة تضم في صفوفها مسيحيين وسنة إلى جانب أبناء الطائفة بهدف الحفاظ على قوته في المعادلة السياسية كـ«بيضة قبان». في حين أن الحالة الدرزية تتفهم بأن يكون «البيك» مرتاحا، لكن ليس في موازاة حالات من التشنج ترخي بظلالها على منطقة الجبل وأبنائها.
وفي منطق فاعليات هذه الحالة التي تتوزع بين سياسيين ورجال دين، فإن «بني معروف» ليسوا بحاجة حاليا إلى أي مواجهة جديدة سواء كانت سياسية أو عسكرية أو ردات فعل ميدانية، اذا ما أوعز جنبلاط لمؤيديه بتطيير الانتخابات النيابية في الجبل وتعطيل هذا الاستحقاق و«تكسير صناديق الاقتراع».
ويشير هؤلاء الى ان ما يقدم عليه جنبلاط من ردة فعل سياسية تهدف الى تجييش الطائفة الدرزية لاتخاذها متراسا امام المصالح الجنبلاطية، التي لطالما تميز بها، بحيث يقدمها كـ«قميص عثمان» لتحقيق مكاسب خاصة دلت عليها الايام، ولم يجن منها الدروز إلا القليل القليل، بما من شأنه أن يبقي على «حالة تطويعية» لديهم تحد من سعة آفاقهم التي أرساها الراحل كمال جنبلاط، الذي تميز بزهده وتعاليه عن المكاسب الضيقة.
وفي منطق هذه الأوساط، فإن الخطر ليس داهما على الدروز، ولو كان الأمر كذلك لكانوا إلى جانبه في دارة المختارة لدرء أي تهديد، لكن الأمر بات يتطلب سياسة تحييد الدروز الذين يواجهون أكثر من تحد وجبهة.
فمن جهة، لا يزال الحاجز النفسي يفصل بينهم وبين أبناء الطائفة الشيعية على خلفية أحداث أيار 2008، في حين يعيشون المخاطر يوميا في سوريا نتيجة التهديدات المحدقة بهم من جانب كل من النظام السوري والتنظيمات المتطرفة كداعش والنصرة، وما شهدته بلدات إدلب وحوران، مشهد واضح على ما يحيط بهم من استحقاقات.
لذلك تجد هذه البيئة الدرزية الممتدة في كل من قواعد جنبلاط وأرسلان ووهاب، وحتى خارج إطار هؤلاء، ان زعيم المختارة يضع الدروز في عين العاصفة للحفاظ على كتلة نيابية واسعة، رابطا ذلك بأمن الجبل، في حين بينت المواقف السياسية لأقطاب المذاهب الأخرى بأنهم يراعون الزعيم الدرزي ومصالحه إلى أقصى الحدود، وان تصوير الأمر على أن أي قانون انتخاب غير «الستين» يشكل تحديا، في غير مكانه فهو في الأساس يحوز ثلثي المقاعد الدرزية، ويوصل أرسلان إلى الندوة البرلمانية، بما يدل على أن حجمه النيابي «درزيا» لن يتراجع، إنما هو يريد زيادة عديده النيابي من طوائف أخرى.
ويستذكر أركان الحالة الدرزية كيف أن طائفة الموحدين كلها ذابت في شخص جنبلاط من مشايخ و«يزبكيين» وحتى ان بعضهم من أحزاب علمانية قدموا الحالة المذهبية على غرار ما حدث أيام «أحداث الجبل» وفيما بعد «7 أيار » في حين أن الأمر يختلف اليوم عن تلك الفـترات لان التهديدات ليست ذاتها.
ولكن الكلام لدى المحيطين بجنبلاط هو ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يريد تطويع الزعيم الدرزي من خلال «عصا» حزب الله وفرض قانون انتخاب لا يتحمله الدروز لكونه يؤدي الى ذوبانهم في وقت سريع، وقد بات الواقع الدرزي في حالة غليان الى حد يبدو معه من الصعب تمكن جنبلاط من ضبط ردة الفعل، لكون ابناء الطائفة باتوا على قناعة بأن مخططا يحضر لهم وباتت هذه الدولة غير قادرة على حمايتهم.
ويخشى هؤلاء ان تعيد حالة الضغط على الطائفة الدرزية مشهد ثورة 58 وما بعدها من احداث بحيث تبدأ الشرارة مع جنبلاط وتتوسع في اتجاهات عدة لتصيب تداعياتها كل من يعتبر انه في منأى عن نيرانها، لان المطلوب ان يشعر الدروز بالاطمئنان وسعي جنبلاط لتطعيم كتلته بنواب مسيحيين يندرج في خانة تعزيز المصالحة وعدم تحوله الى فصيل مذهبي، كما يعد ايضا الرئيس سعد الحريري، لتكون البلاد امام كتل نيابية دينية ويتم تفسيخ كافة الطوائف لمصلحة مرشحين يدورون في فلك حزب الله، الذي سيشارك كافة الطوائف في نوابها دون إمكانية اي قوى سياسية مشاركته في نواب من بيئته
ويلفت المحيطون الى الحراك الجنبلاطي في اتجاه الجانب المسيحي الذي يأتي كتظهير لموقفه وتأكيده على ضرورة عدم الانزلاق في مزايدات انتخابية قد يستفيد منها فريق يملك حسابات سياسية ابعد من حرصه على تصحيح التمثيل النيابي في البرلمان المقبل.