ابراهيم ناصرالدين
ابقاء «الغموض» المقصود على «طبخة» قانون الانتخابات يخفي في طياته عملية «احتيال» جديدة يجري الاعداد لها بعيدا عن الاضواء لانتاج صيغة تحمل في الشكل اسما لقانون يجمع القانون «الاكثري والنسبي» على دورتين، يقدم للبنانيين على انه اصلاح للقانون الانتخابي، لكنه في الواقع هو اعادة احياء للقانون «الارثوذكسي»، وسيعيد في حال تم التوافق عليه، انتاج مجلس نواب «معلبا» حيث ستتحكم به سطوة «الثنائية» الشيعية، تضاف اليها «ثنائية» مسيحية وازنة، مقابل آحادية سنية، يتحكم بها تيار المستقبل، واخرى درزية للنائب وليد جنبلاط، الحزب القومي السوري سيكون خارج المجلس فيما دخول بعض المستقلين، سيكون مجرد «ديكور» في مجلس نيابي يريده صاحب المشروع وزير الخارجية جبران باسيل خاليا من «ديوك الحي»…
هذا القانون الذي يعمل رئيس التيار الوطني الحر على تسويقه عبر اتصالات ثنائية بعيدة عن الاضواء، يحمل بحسب معلومات «الديار» عنوان التأهيلي على مرحلتين، المرحلة الاولى تأهيلية في القضاء عبر النظام الاكثري «الطائفي»، حيث تتم عملية الاقتراع من قبل الناخبين لمرشحين عن كل مقعد، وهذه المرة تجاوز باسيل خطيئة الاقتراحات السابقة ولم يتعامل مع المسيحيين كطائفة ومع المسلمين كمذاهب، ووحد المعيار عبر تقسيم طائفي يساوي بين الطرفين، اي يؤهل المسيحيون نوابهم وكذلك المسلمون… على ان تتم عملية الانتخاب في مرحلة ثانية وفق القانون النسبي مع الصوت التفضيلي… ضمن 14 دائرة انتخابية، حيث قسمت بيروت الى دائرتين، ومحافظات جبل لبنان والجنوب والبقاع والشمال الى 3 دوائر (مبدئيا) مع الانفتاح على عملية «ضم وفرز»، محافظة الجنوب 3 دوائر، صيدا جزين دائرة أولى، وقرى صيدا الزهراني وصور دائرة ثانية، محافظة النبطية دائرة ثالثة….
هذه «الخلطة»، وبعد دراسة معمقة من عدة جهات حصلت على مسودة هذا الاقتراح، تخلص الى نتيجة مفادها، ان ما يحققه هذا القانون من نقلة «نوعية» لا يتجاوز منح تيار المستقبل القدرة على حسم مقعدين شيعيين في بيروت مقابل منح «الثنائي الشيعي» القدرة على حسم مقعدي السنة في بعلبك- الهرمل، وبحسب معلومات «الديار» فإن باسيل عبر للذين التقى بهم عن اهدافه من القانون دون اي مواربة، واعتبر ان الاوان قد حان للتخلص من «ديوك الحي» في المتن والبترون وزغرتا، والواضح من التقسيمات المقترحة النيات المبيتة لإضفاء سيطرة تامة لتحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على المقاعد المسيحية… وابرز مثال على ذلك ان الاقتراح الاصلي في ما خص دوائر الشمال، هو ان تكون البترون والكورة وزغرتا وبشري دائرة واحدة، طرابلس المنية الضنية دائرة واحدة، وعكار دائرة واحدة، لكن باسيل ابدى ليونة في ضم المنية الضنية الى الاقضية المسيحية الاربعة، وهو اقتراح في الشكل يحفظ التنوع الطائفي في الدورة الثانية، الا ان التمعن في الارقام يبين ان جمع الحاصل الانتخابي في الدورة الثانية قد لا يسعف النائب فرنجية في الحفاظ على مقعده، وقد يحتاج الى معجزة لتحقيق ذلك، خصوصا اذا لم يحصل على اصوات كافية من الناخبين السنة… الحاصل الانتخابي في الدورة الثانية هو 24 الف مقعد، فرنجية لا يحصل عادة على اكثر من 23 الفاً، فكيف سيؤمن النجاح في الدورة الثانية ؟ الاحتمال المرجح ان يدخل وحيدا الى المجلس الا اذا بقي فصل الضنية والمنية فيحصل على مقعدين…
ولشرح حجم تأثير التكتلات الطائفية الكبرى في النتائج، تقول اوساط خبيرة في الشأن الانتخابي، ان الثنائي الشيعي يستحوذ مثلا على تمثيل نحو 80 بالمئة من الناخبين الشيعة، في الدورة الاولى ترشح حركة امل لائحة مكتملة مقابل لائحة لحزب الله، وعندئذ لن يتأهل الى الدورة الثانية سوى مرشحي الحزبين ليتم في الدورة الثانية تقاسم «المقاعد النيابية»، وهو امر سيتكرر في مناطق نفوذ «الثنائي المسيحي» وتيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط، وهكذا يتم اقصاء القوى الاخرى… وفي هذا السياق يتبين ان حجم التأثير المسيحي في حسم المقاعد في الدورتين الاولى والثانية يصل الى حدود 55 مقعدا…
وفي النتائج المتوقعة، «الثنائي الشيعي» يحصل على 25 نائباً، تيار المردة نائب او نائبين، او قد لا يحصل على شيء، حزب البعث نائب واحد، الحزب القومي لن يتمثل في المجلس النيابي، اسامة سعد، وهنا المفارقة، قد يحصل على مقعد في صيدا، طلال ارسلان، ايلي الفرزلي وعبد الرحيم مراد، لديهم فرص جيدة للفوز، وئام وهاب وفيصل الداوود مثلا خارج المجلس.. أما الشخصيات السنية الشمالية المحسوبة على 8آذار فلن تتمكن ايضا من تسجيل اي خرق في الشمال…
التيار الوطني الحر يحصل على 24 مقعدا في المجلس وحزب الطاشناق 4 نواب، اي تكتل التغيير والاصلاح سيكون ممثلا بـ28 نائبا مع احتمال ان ينضم اليه آخرون… اللقاء الديموقراطي سيحصل على ثمانية مقاعد، ميشال المر مقعد واحد، الصفدي وميقاتي في طرابلس، الكتلة الشعبية في زحلة «صفر» مقاعد… تيار المستقبل سيحصل على 24 مقعدا، القوات اللبنانية 20 مقعداً، حزب الكتائب 4 مقاعد، الاحرار «صفر مقعد»، اشرف ريفي مقعدين، قد يتغير وفق التحالفات، الجماعة الاسلامية مقعد، ميشال فرعون مقعد، في كسروان اذا سمح الثنائي المسيحي يمكن ان تمر شخصية كسروانية مستقلة، روبير غانم ، وميشال معوض يستطيعان العبور… ويبقى مقعدان غير محسومين بسبب اعتماد الصوت التفضيلي في الدورة الثانية…
«اغراء جنبلاط»
وبحسب اوساط سياسية مطلعة، فان ما يعمل عليه اليوم هو محاولة «اغراء» النائب وليد جنبلاط بالحصة الدرزية، واعطائه ضمانات محدودة في الحصة المسيحية، مع العلم ان «البيك» ابلغ رئيسي مجلس النواب والحكومة انه مستعد ان يقبل خسارة مقعد مسيحي، ومقعد درزي فقط… كما ابلغهما انه مع قانون «مختلط» حيث يتم انتخاب 7اكثري و6 نسبي في دائرة الشوف وعالية، و«مش فارقة معو باقي الدوائر»، شرط ان «يولد» قبل دورة الانتخابات المقبلة مجلس الشيوخ… لكن يبدو ان الرئيس بري «متحفظ» عن البقاء على «المختلط، اذا ما اقر مجلس شيوخ، لانه لا مفر حينها من النسبية الكاملة…
«اقصاء السنيورة»
اما النقطة المفصلية في القانون فترتبط بمصير رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، فعملية ارضاء تيار المستقبل بالجمع بين مدينتي صيدا وجزين، لن تسعف تيار المستقبل في ايصال نائبين عن صيدا، وبحسب الارقام سيكون الحريري مخيرا بين مقعد عمته الذي سيؤول الى الامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري مبدئيا، ومقعد الرئيس السنيورة، في ظل ارتفاع حظوظ الامين العام للتيار الناصري اسامة سعد في حسم الفوز بالمقعد الثاني عن المدينة، اذا ما جرت «اللعبة» الانتخابية تحت شعار صراع قوى 8 و14 آذار، فبعملية حسابية بسيطة سيتمكن سعد من الحصول على نحو 12.500 صوت، ويتأهل مع مرشح آخر على لائحته الى الدورة الثانية، فيما لا تتجاوز قدرة تيار المستقبل الانتخابية الـ 24 الف صوت، وهذا يعني انعدام قدرة المستقبل على ترشيح لائحتين لاقصاء سعد من الدورة الاولى، في هذه الدورة سيتأهل اربعة متنافسين، وسيخوضون في الدورة الثانية معركة يشترك فيها الصوت الشيعي والصوت المسيحي في جزين، تحالف حزب الله سيمنح التيار الوطني الحر وسعد اصواته، والقوات اللبنانية مع المستقبل لن تتمكن من انقاذ مرشح المستقبل لان الصوت التفضيلي سينقذ سعد مقابل نيل القوات اللبنانية مقعداً مسيحياً في جزين… فهل اتخذ الحريري قرارا بالتخفيف من «عبء» السنيورة؟؟ وهل يقبل «الثنائي الشيعي» بخسارة مدوية للحلفاء؟ واقصاء المستقلين؟ مقابل منح القوات اللبنانية كتلة من عشرين مقعدا؟ وهل يحتمل هؤلاء «ثنائية مسيحية» تلامس الخمسين نائبا؟ وهل من ضمانة لبقاء التحالفات على ما هي عليه؟ ام ان حاجة الجميع «لمخرج» من «المأزق» الراهن ستجعل من مشروع باسيل الجديد «خشبة خلاص» تعيد انتاج مجلس «الستين» «بنكهة قواتية»…