عماد مرمل
ماذا يفعل رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية في هذه الايام… واين هو شخصيا من معركة قانون الانتخاب التي باتت تشكل له معركة وجودية؟
فيما الضجيج السياسي يملأ «الازقة الداخلية»، اختار فرنجية ان يعمل بصمت. تشعر أحيانا انه غائب عن السمع والفعل، لكن التدقيق قليلا في يوميات بنشعي مؤخرا، يُبين لك ان فرنجية يكاد يكون في هذه المرحلة أكثر حضورا من اي وقت آخر، انما على طريقته.
لا يُضيّع فرنجية وقته ولا تلهيه التفاصيل المتقلبة. المخاطر الداهمة التي يستشعر بها في هذا الظرف المفصلي، دفعته الى ان يحاكي الارض استعدادا لأي مواجهة سياسية او انتخابية مقبلة. لقد قرر الرجل ان يعود الى «القواعد الشعبية» من أجل تحضيرها للاختبارات المحتملة، لا سيما انها أثبتت مرات عديدة في السابق انها لا تخذله عند الاستحقاقات، وان بامكانه ان يتكل عليها كلما دعت الحاجة.
وبناء على هذا الاستشراف للتحديات المنتظرة، فتح فرنجية ابواب المقر المركزي لـ «المردة» في بنشعي امام لقاءات موسعة مع الكوادر الحزبية والمناصرين، شرح خلالها شخصيا للحاضرين مسار الاحداث منذ إعلان الرئيس سعد الحريري عن ترشيحه للرئاسة، وصولا الى النقاش الحالي حول مشاريع قانون الانتخاب وموقفه منها، مرورا بمحطة انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية وواقع العلاقة مع حزب الله.
وعُلم ان فرنجية القى ثلاث محاضرات توجيهية خلال فترة اسبوع تقريبا، التقى خلالها قطاعي المعملين والطلاب في «المردة» الى جانب قدامى «التيار الاخضر»، وهذا امر غير مسبوق من حيث الوتيرة المكثفة، كما يؤكد العارفون، ما يؤشر الى ان رئيس «المردة» اتخذ قرارا باستنفار جمهوره واعلان حالة «التعبئة الحزبية» التي من المتوقع ان تصل تردداتها الى كل «الخلايا النائمة» من المناصرين والمؤيدين، في الشمال خصوصا، وعلى امتداد المناطق المسيحية عموما.
وترافق تنشيط «الرئة الجماهيرية» مع تفعيل للحضور الاعلامي كذلك، لا سيما بالنسبة الى «موقع المردة» الالكتروني الذي اكتسب المزيد من النشاط والحيوية في الفترة الاخيرة، لمواكبة جهد القيادة وتظهيره.
كان يكفي ان يُشاع أن من بين أهداف بعض المشاريع الانتخابية الالغاء او التحجيم السياسي لسليمان فرنجية، حتى تهب قواعده للالتفاف حوله والتضامن معه. بهذا المعنى، لم يحتج فرنجية الى الكثير من الوقت او الجهد كي يضمن مشاركة واسعة في اللقاءات التي عقدها، ولا يزال. انها، على الارجح، «هدية» أخرى لشد العصب ورفع المعنويات بعد الاحباط الذي تسرب الى بعض «المرديين» في اعقاب انتخاب عون رئيسا، على حساب فرنجية.
كأن التاريخ يعيد نفسه، مع بعض «الرتوش»، بالنسبة الى رئيس «المردة» وأنصاره. بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 تعرض وزير الداخلية سليمان فرنجية آنذاك الى حملة عنيفة كادت تهدد مستقبله السياسي، خصوصا مع اضطرار حليفه السوري الاستراتيجي الى الانسحاب من لبنان. لكن هذا «التهديد» أنتج مفعولا عكسيا وتحول الى «فرصة»، إذ انه استنهض قواعد «المردة» التي فرضت فرنجية، من خلال صندوق الاقتراع، رقما صعبا في تركيبة المعادلة الداخلية وتوازناتها، وهذه المرة استنادا الى «قواه الذاتية» حصرا.
الآن ايضا، تسود فرنجية ومؤيديه قناعة بأن مشاريع الانتخاب المتداولة تضمر نية في محاصرة رئيس «المردة» وتجفيف ينابيعه السياسية والشعبية، بغية تسهيل ولادة كتلة نيابية وازنة لثنائي «التيار الحر»- «القوات اللبنانية»، من شأنها ان تسمح له باحتكار القرار المسيحي في الملفات الاساسية.
وبمعزل عما إذا كان هذا الانطباع صحيحا ام لا، فهو أفضى الى حالة من الغليان في بيئة «المردة» التي استفزتها «محاولة الاستهداف» واندفعت للرد عليها، علما ان هناك بين المتحمسين لفرنجية من يُشبّه رد فعل قواعده على الضغط الذي تتعرض له بمسار طابة التنس التي كلما سددتها نزولا ارتدت صعودا.
وفي هذا السياق، يوحي فرنجية بأن مبررات الاسترخاء الشعبي قد زالت، بعدما انفرط عقد التحالف السابق مع «التيار الحر» والذي أدى في حينه الى ذوبان الحدود الفاصلة بين ساحتي «المردة» والتيار البرتقالي، على قاعدة ان التكامل في الموقف والموقع يُضعف تلقائيا حوافز التنافس والتمدد، في حين ان الافتراق المستجد أنعش مجددا تلك الحوافز وحرّض فرنجية على السعي الى التوسع الحزبي مجددا خارج نطاق «الجزيرة» الممتدة بين زغرتا والبترون.
ومحاولة الخروج من «عنق الزجاجة» الجغرافية، يواكبها من قبل فرنجية خطاب سياسي يرتكز على فلسفة مغايرة لتلك التي يعتمدها «التيار الحر» او «القوات اللبنانية» في مخاطبة الجمهور المسيحي ومحاكاة حقوقه السياسية.
يؤكد فرنجية في اللقاءات المفتوحة، كما في الغرف المغلقة، ان تحصيل حقوق المسيحيين لا يتم من خلال تقوقعهم واستعداء الطوائف الاخرى، بل عبر اندماجهم في البيئة اللبنانية المتنوعة والانفتاح على مكوناتها. وانطلاقا من هذه المقاربة، يعتبر فرنجية ان طمأنة الطائفة المسيحية تستوجب وضع قانون انتخاب يحقق التفاعل بدلا من الانغلاق، ويعتمد النسبية الكاملة التي تحمي التنوع بدل النظام الاكثري «الارثوذكسي» الذي يعزز القطيعة مع المحيط والانقطاع عنه.
ويفترض فرنجية ان الخلل الديموغرافي يجب ان يشكل سببا اضافيا للانحياز الى جانب خيار النسبية الاشد تناسبا مع واقع لبنان، منبها الى ان الانكماش العددي لا يُعالج بخطاب طائفي وتصويت طائفي من شأنهما ان يحولا المسيحيين الى جسم غريب، ومشددا على اهمية الحوار والتفاهم مع الشركاء في الوطن، كما حصل بينه وبين «حزب الله» و«حركة أمل» و«تيار المستقبل» والنائب وليد جنبلاط، بينما نتائج التجارب الاخرى معروفة ولا ينبغي تكرارها.
ويؤكد المطلعون على ما يدور في كواليس بنشعي ان المعادلة التي تتحكم بسلوك رئيس «المردة» حاليا مستوحاة من المقولة الشهيرة للرئيس الراحل سليمان فرنجية: انا ماروني اكثر من مار مارون، وعروبي اكثر من صلاح الدين. بالنسبة الى فرنجية- الحفيد، هذه المعادلة هي كلٌ لا يتجزأ، وليس بالامكان الأخذ بنصفها الاول واهمال نصفها الثاني.
واستنادا الى هذه المقاربة، يتمسك فرنجية باعتماد النسبية الشاملة في الانتخابات النيابية المقبلة ويرفض اقتراحات «المختلط» على انواعه. وما يعزز تصلبه في خياره، اقتناعه بان هناك قاسما مشتركا بين نماذج «المختلط» وهو تأمين حصول تحالف «التيار الحر» و«القوات» على أكثرية نيابية كاسحة، تعطل مفعول التلاوين المسيحية الاخرى وتُضعف وزنها في مجلس النواب، بينما النسبية تمنحها الحجم الذي تستحقه وبالتالي تكفل لفرنجية شرعية مسيحية تؤهله ليكون منافسا حقيقيا على رئاسة الجمهورية.
ولا يخفي المحيطون بفرنجية ان طموحه يتجاوز حدود ضمان مقعده النيابي الى الحصول على كتلة وازنة وصافية في الانتخابات المقبلة، تساهم في تحقيق التوازن على الساحة المسيحية، مطمئنا الى ان «حزب الله» لن يسمح بإقرار قانون لا يراعي مصالح حلفائه، وهذا ما تبلغه الوزير جبران باسيل خلال اتصال هاتفي عبر «الخط الآمن» مع الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، ولاحقا من نائبه الشيخ نعيم قاسم.