ابراهيم ناصرالدين
ارتدادات مشاركة لبنان «الملتبسة» في قمة الرياض طغت في الساعات القليلة الماضية على ما عداها من ملفات سياسية داخلية، ومع استمرار «الجمود» المثير للريبة في ملف القانون الانتخابي، برز انقسام في موقف الوفد العائد من المملكة، وبدأت الاسئلة تتوالى حول «نصيب» الساحة اللبنانية من التصعيد السعودي – الاميركي اتجاه حزب الله في ظل معلومات تفيد بوجود تفاهمات امنية تم اقرارها على هامش القمم الثلاث في السعودية، تستدعي الترقب والحذر في ظل اعادة الاعتبار لاستراتيجية تسليح «مجموعات مسلحة» «معتدلة» تحت عنوان «مكافحة الارهاب»…
اوساط دبلوماسية في بيروت اكدت ان ما اقر على هامش القمة هو احياء لفكرة سعودية قديمة تمت تجربتها في سوريا واليمن تقوم على عملية تسليح وتدريب مجموعات مسلحة «سنية» لمواجهة المد الشيعي في المنطقة، ترامب قدم خلال زيارته تعهدا بالتسليح والمساعدة في التدريب، فيما تتولى الرياض عملية التمويل… التفاصيل المرتبطة بهوية تلك المجموعات تركت لاجهزة الاستخبارات، لكن ما تسرب من معلومات يفيد ان الساحة الايرانية لن تكون بمنأى عن هذه الخطة وتبدو المملكة مهتمة بالاقليات العربية في المحافظات الجنوبية خوزستان «الاهواز» والساحل الشرقي في بوشهر، وفي محافظة خراسان.
وفي ما يخص الساحة اللبنانية، فالامر برأي تلك الاوساط، يحتاج الى عناية ومتابعة دقيقة لان واشنطن مصرة على الاستثمار بالجيش اللبناني في الوقت الحاضر والبناء على هذه الشراكة للمستقبل، ولا ترغب بالمخاطرة بالاستقرار القائم لارتباطه بملف اللاجئين، وعند هذه النقطة تحاول السعودية استغلال الموقف من خلال وجود هؤلاء على الاراضي اللبنانية وهو ما ترى فيه «حاضنة سنية» واسعة يمكن العمل عليها للاستفادة منها في مواجهة حزب الله، في ظل انعدام الخيارات في الرهان مجددا على تيار المستقبل او تنظيمات سلفية للقيام بمهمة مماثلة…هذا الملف يبقى مفتوحا دون حسم… ولبنان على «رصيف الانتظار» الى ان تتبلور ملامح المقاربة الاميركية للملف.
في المقابل ستكون اولى التجارب العملية في الاردن حيث ابلغت عمان بالموافقة على العمل داخل العمق السوري من خلال «تسليح قبائل سنية ودرزية» بصورة تساهم في العزل الجغرافي بين حدود المملكة ومنطقة جبل العرب، الملك الاردني طرح تجديد تجربة «الكتائب العشائرية المسلحة» على طول الحدود مع سوريا لكن البنتاغون لم يكن يوافق في الماضي على هذه الخطة لعدم موافقة الادارة الاميركية على التمويل، لكن السعوديين حلوا هذه المشكلة الان، وابلغ ملك الاردن على هامش القمة ان استراتيجيته «سلكت» بعد ان اكد ترامب ان الاميركيين لن يقاتلوا عن الدول الاسلامية بل هي المعنية بمحاربة الإرهاب قبل غيرها، وبهذه الصيغة لن يكون الجيش الأردني ولا الحلفاء مضطرين للدخول في عمق الأراضي السورية، ثمة قرار اتخذ بزيادة تسليح العشائر «السنية» في شرق وغرب ووسط درعا وبعض أطراف دير الزور. وكذلك قوات «درزية» في محيط جبل العرب والسويداء…
«تهميش دور باسيل»
اما لماذا شعر وزير الخارجية جبران باسيل بأنه «تم تجاوز دوره كوزير للخارجية» في هذه القمة؟ فالاسباب عديدة بحسب اوساط التيار الوطني الحر، ومنها تغييبه عن صورة المشهد في الرياض حيث لم يستطع التواصل مع اي مسؤول سعودي رفيع، وشعر هناك ان ثمة تهميشاً مقصوداً لشخصه، وادرك ان التعامل معه هو امتداد لموقف الرياض من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تجاهلته المملكة بشكل «مهين» عندما لم توجه اليه الدعوة… وبعد القمة لم يطلعه الرئيس الحريري مسبقا على السبب الحقيقي لبقائه في السعودية، وكان قد ابلغ الوفد انه يريد متابعة بعض الامور الخاصة بمصالحه الاقتصادية، وقد علم وزير الخارجية من وسائل الاعلام ان رئيس الحكومة التقى ولي ولي العهد محمد بن سلمان بعد مغادرته الرياض… وهنا يبرز التساؤل حول اسباب عدم انعقاد لقاء موسع مع الوفد اللبناني؟ وهكذا جاءت «تغريدات» وزير الخارجية «الغاضبة» ازاء عدم علمه ايضا بوجود بيان سيصدر بعد القمة، معبرا عن رفضه تبني مضمونه وتمسكه بالبيان الوزاري وخطاب القسم، وقد حصل ذلك دون التنسيق مع الرئيس الحريري التي اكدت اوساطه انه يؤيد مضمون البيان ولا يوافق على ما ورد في تغريدات باسيل، وتساءلت تلك الاوساط، هل يقوم وزير الخارجية بخداع نفسه قبل الاخرين؟ وهل كان يظن ان قمة عنوانها مكافحة الارهاب وايران وحزب الله لن تصدر بيانا يدين هؤلاء؟… اسئلة تبقى معلقة لكن الخشية تبقى لدى اوساط سياسية مقربة من الطرفين في ان تؤثر «رحلة» الرياض على التفاهم بين الحريري – باسيل في مقاربة قانون الانتخابات، وهو الامر الذي سيتبلور خلال الساعات القليلة المقبلة!
«تفخيخ الحكومة»
في المقابل ابلغت اوساط وزارية ان لا مصلحة لاحد بتفخيخ الحكومة او هزّ الاستقرار الداخلي خصوصا ان ما تسرب من معلومات عن لقاء الحريري – بن سلمان لا يشير الى مطالب محددة تتجاوز الموقف المعتاد لرئيس الحكومة وتياره السياسي، والحكومة غير ملزمة باصدار موقف من قمة الرياض، لان الاعلان اصلا غير ملزم، لكن هذا لن يمنع من اثارة التساؤلات في جلسة مجلس الوزراء الاربعاء حول المكاسب التي حققها لبنان من هذه المشاركة التي لم تسمح خلالها السعودية لرئيس الحكومة من القاء كلمته، كما ستتم مناقشة تناقض المواقف بين وزير الخارجية ورئيس الوفد، لان «تبادل» الادوار السياسية قد يكون مسموحا في «اللعبة» المحلية الداخلية، لكن هل من المسموح ان يشارك لبنان في قمة بوفد موحد وتكون لكل عضو في الفريق «وجهة نظر»؟
حزب الله
واذا كان النائب سليمان فرنجية قد عبّر على طريقته من خلال تغريدة قال فيها «شاهد ما شفش حاجة»، فان موقف حزب الله سيكون حادا ودون «قفازات» من قمة الرياض، في كلمة السيد حسن نصرالله في خطاب ذكرى التحرير يوم الخميس المقبل، سيعيد السيد التأكيد على اهمية الاستقرار الداخلي، لكنه سيحذر البعض من الرهان على تطورات خارجية يمكن استغلالها في الداخل اللبناني لاضعاف المقاومة التي باتت اليوم اقوى بعشرات المرات… لن يغادر حزب الله مربع التواصل مع تيار المستقبل طالما ارتضى الطرف الاخر الاستمرار باستراتيجية «ربط النزاع»، و«الرسالة» الاهم التي ستصل الى الجميع في الساعات المقبلة ان حزب الله ليس محشورا، ولا يمكن بالتالي ابتزازه بقانون الانتخابات لان المسؤولية في مكان آخر و«الكرة» ليست في «ملعبه» وعلى الآخرين الاسراع في ايجاد التسوية المناسبة، لان ما بعد 20 حزيران لن يكون كما قبله…