عماد مرمل
إذا كان مشروع النسبية الكاملة على اساس 15 دائرة هو الحصان الوحيد المتبقي في سباق الخيول الانتخابية، فان ذلك لا يعني ان مهمته انتهت، وبالتالي فان النائب جورج عدوان الذي يمتطي هذا الحصان ويتولى قيادته بين أكوام الشوك، يدرك ان عليه بذل المزيد من الجهود قبل ان يترجل عنه ويبشر بولادة قانون جديد.
صحيح ان مبدأ المشروع المقترح بات محسوما الى حد كبير، إلا ان التفاصيل الاجرائية المرتبطة به تختزن من الشياطين والتعقيدات ما يكفي للاحتفاظ بقدر من الحيطة والحذر، الى حين ان تزول اسبابهما المشروعة وتربح «مبادرة عدوان» تحدي اجتياز الامتار الاخيرة، والتي سبق ان سقط الكثير من المشاريع في أفخاخها.
وتبدي القوات اللبنانية حماسة شديدة لانجاح هذه المبادرة التي تطوعت لتسويقها، على قاعدة انها «الطلقة الاخيرة» والصيغة الأنسب، قبل الدخول في المحظور والانزلاق الى هاوية ما بعد 20 حزيران. ولا تتردد أوساط معراب في سؤال المعترضين، سرا او علنا: هل لديكم بديل افضل؟
وتفيد المعلومات ان عدوان مرتاح لحصيلة المشاورات التي اجراها حتى الآن مع الثنائي الشيعي وتيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط، وإن تكن بحاجة الى استكمال ومتابعة، فيما يبدو ان التيار الوطني الحر لم يحسم موقفه النهائي بعد، في انتظار اتضاح كامل الصورة والاطمئنان الى الضوابط التي يطالب بها، علما ان «الخط الساخن» مفتوح يوميا بين عدوان والوزير جبران باسيل.
ويؤكد المواكبون للاتصالات التي يجريها عدوان مع «الاطراف الاسلامية» ان بحوزته تصورا لمعالجة مسألة نقل المقاعد المسيحية الاربعة التي تواجه اعتراضات عدة، وانه حقق تقدما كبيرا في اتجاه انجاز تفاهم على ربط الصوت التفضيلي بالقضاء، فيما يستمر الخلاف حول كيفية ترسيم الحدود الجغرافية والديموغرافية لعدد من الدوائر الانتخابية.
وسيحاول عدوان ان ينجز اتفاقا شاملا مع «أمل»- حزب الله و»المستقبل» وجنبلاط خلال الايام المقبلة، الى جانب مواصلة اتصالاته في الوقت ذاته مع قيادة التيار الحر لاقناعها بملاقاة الآخرين، مفترضا ان مسار النقاش الحالي يجب ان يقود الى ولادة قانون انتخابي جديد في الفترة الممتدة حتى 15 حزيران كحد أقصى، من دون اللعب بالنار والمجازفة بالانتظار لغاية 19 منه كما قد يضمر البعض، وخصوصا ان الثنائي الشيعي لا يريد ان ينام بين قبور المهلة القاتلة، تفاديا لـ «كوابيس» سياسية محتملة.
وتجنبا لاي تحسس محتمل من التيار الحر حيال تقدم مبادرة عدوان على حساب مشاريع الوزير جبران باسيل، تعتبر مصادر «القوات» ان «التيار» مدعو الى عدم مقاربة الامر من هذه الزاوية، مشددة على ان اي نجاح للتحرك الذي يقوده عدوان لن يكون انجازا له او لـ «القوات»، وإنما لعهد الرئيس ميشال عون بالدرجة الاولى.
وتشير المصادر الى ان عون تحديدا سيكون أكبر الرابحين والمستفيدين من مفاعيل التوافق على «قانون عدوان» المستند الى النسبية، إذ ان من شأن هذا القانون ان يساهم في ضخ جرعة من الاصلاح والتغيير في عروق الدولة وان يسمح من جهة أخرى بتعزيز قدرة المسيحيين على اختيار نوابهم الذين سيرتفع عددهم من 32 بموجب قانون الستين الى قرابة 50 بموجب النسبية.
ولئن كانت «القوات» تفضل من حيث المبدأ نقل المقاعد المسيحية الاربعة من طرابلس والبقاع الغربي والدائرة الثالثة في بيروت، الى دوائر تسودها غالبية مسيحية، انطلاقا من ان تلك المقاعد جرى استحداثها بعد اتفاق الطائف وخلافا له، إلا ان المطلعين على كواليس معراب يؤكدون انه إذا تعذر الاتفاق على هذا الطرح، فان «القوات» ليست في صدد التمسك به، لا سيما ان العوامل الاخرى المتعلقة بالصوت التفضيلي وعدد الدوائر وحجمها يمكن ان تؤمن التطمينات المطلوبة.
ومع ذلك، فان «القوات» تستغرب – تبعا لمصادرها- ان يبادر الرئيس نبيه بري الى تصدر خطوط المواجهة لمطلب نقل المقاعد، في حين ان المقترح هو سحب هذه المقاعد من البيئة السنية، لا الشيعية، ما يعني ان الاعتراض الاقوى متوقع ان يأتي من الرئيس سعد الحريري، وليس بري.
وفي سياق متصل، تعتبر اوساط بارزة في 8 آذار ان محاولة نقل المقاعد المسيحية الاربعة تنطوي على تهميش للاقليات الموجودة ضمن مكونات أخرى، وبالتالي تشكل ضربا للتنوع في لبنان، متسائلة عما إذا كان المطلوب ايضا نقل بعض المسيحيين من أماكن إقامتهم الحالية حيث يتفاعلون مع المسلمين، الى أماكن يطغى عليها اللون الطائفي الواحد، مع ما يرتبه ذلك من فرز ديموغرافي حاد.
قصة المبادرة
ولكن.. كيف حَسَبها عدوان، ولماذا اختار هذا التوقيت ليخوض مغامرته؟
بعد موقف رئيس الجمهورية الذي أكد ان الانتخابات ستتم على اساس القانون النافذ إذا تعذر التفاهم على مشروع جديد قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي، سرت مخاوف من السيناريو الآتي:
في 20 حزيران، تنتهي ولاية المجلس وبالتالي تتم دعوة الهيئات الناخبة على قاعدة قانون الستين خلال تسعين يوما، ما يعني ان فراغا سيسود المجلس النيابي ورئاسته لثلاثة اشهر، وهو أمر لا يمكن ان يقبله او يحتمله الثنائي الشيعي لدقيقة واحدة فكيف بأشهر عدة. وبغية التصدي لهذا الاحتمال، ستبادر حركة أمل الى الاستقالة من مجلس الوزراء وسيتضامن معها حزب الله، فتسقط الحكومة وتُشل رئاسة الجمهورية.
هذا السيناريو المتشظي سيتضرر منه اربعة:
-الرئيس عون الذي سيتعرض عهده لانتكاسة قوية و«بتر مؤسساتي».
-الرئيس بري الذي لا يستطيع التعايش مع «الشغور النيابي».
-الرئيس الحريري الذي دفع اثمانا سياسية غالية ليعود الى رئاسة الحكومة ويباشر ترميم وضعه السياسي وقاعدته الشعبية، ولا يناسبه بتاتا سقوط حكومته بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت.
-حزب الله الذي يعطي الاولوية لتحصين الاستقرار الداخلي ويحاذر الفراغ، في ظل العواصف التي تضرب المنطقة.
وهكذا اكتشف الجميع ان العودة الى «الستين» في الدقيقة تسعين من مباراة «عض الاصابع» ستفضي الى تداعيات من النوع الذي يفوق قدرة النظام السياسي على احتماله. في هذه اللحظة، افترض عدوان ان الفرصة مناسبة ليجرب حظه ويلعب ورقة النسبية في 15 دائرة، مفترضا ان الجميع بات يحتاج الى هذا المخرج.
وعندما بدأ عدوان تحركه، لاحظ تجاوبا مقبولا من الثنائي الشيعي الذي وافق على زيادة عدد الدوائر تحت سقف النسبية الى 15، بعدما كان رئيس المجلس قد ابلغ عدوان سابقا ان الحد الاقصى الذي يقبله هو 13، لا اكثر، ولو بمعدل «كسور». كما ان السيد نصرالله أعطى اشارة واضحة الى الاستعداد لابداء مرونة في التعاطي مع عدد الدوائر، ما شجع نائب رئيس حزب «القوات» على المضي في مهمته.
المفاجأة الاخرى التي انتظرت عدوان، تمثلت في موقف جنبلاط الذي تعامل بإيجابية وانفتاح مع طرحه. عرف نائب الشوف كيف ينسج شيئا فشيئا علاقة دافئة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، مؤكدا له ان مصالحة الجبل هي خط أحمر وخيار نهائي بالنسبة الى «القوات» التي ترفض التضحية بتلك المصالحة لحساب اي اعتبار آخر، ما شجع جنبلاط على «تدوير الزوايا» بدل ان تضيق عليه.
والحريري ايضا لم يمانع في «نسبية عدوان»، بعدما تغيرت ظروفه واصبح «الستون» يتعارض مع مصلحته، لكنه احتفظ في الوقت ذاته بحقه في مناقشة التفاصيل وابداء الملاحظات عليها، خصوصا ما يتعلق منها بنقل المقاعد المسيحية.
الدورة الاستثنائية
والى حين تبيان المسار الذي سيسلكه مشروع النسبية على اساس 15 دائرة، يستمر الخلاف بين عون وبري في افراز المضاعفات الجانبية، ومن آخرها التباين في النظرة الدستورية الى الجلسة النيابية التي ارجأ رئيس المجلس موعدها من 29 ايار الى 5 حزيران.
لم يستسغ عون والتيار الحر تصرف بري، ووضعاه في سياق محاولة تقويض صلاحيات رئيس الجمهورية، «لان ليس من حقه فرض امر واقع وتحديد موعد للجلسة قبل ان يبادر عون الى فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي بالتنسيق مع رئيس الحكومة»، كما تؤكد مصادر قيادية في «التيار».
وتشير المصادر الى انه كان يُفترض ببري تأجيل جلسة 29 أيار من دون ان يحدد موعدا جديدا لها، في انتظار صدور مرسوم فتح الدورة الاستثنائية، متسائلة: ماذا لو قرر رئيس الجمهورية فتح الدورة في 6 حزيران.. ماذا يكون مصير جلسة 5 حزيران عندها؟
في المقابل، تستهجن اوساط بري هذا التشويش الذي لا مبرر له، كاشفة عن ان رئيس المجلس اتصل هاتفيا برئيسي الجمهورية والحكومة وتبلغ منهما ان هناك قرارا بفتح الدورة الاستثنائية، وعلى هذا الاساس دعا الى عقد الجلسة النيابية في 5 حزيران، مبدية خشيتها من وجود نيات مريبة خلف الايحاء بان هناك انتقاصا من صلاحيات رئيس الجمهورية.
اما القوات اللبنانية، فقد تفهمت مصادرها موقف بري، مفضلة اعتباره كمؤشر الى تصميم على وضع قانون انتخابي جديد، ورافضة وضعه في اطار استهداف عون.