عماد مرمل
إذا لم تطرأ مفاجآت غير سارة، حتى غروب اليوم، فان مشروع النسبية على اساس 15 دائرة سيكون «الطبق» الاساسي و«الاشهى» في حفل الافطار الرمضاني الذي يقيمه رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، في حضور رئيسي المجلس والحكومة نبيه بري وسعد الحريري وعدد كبير من الشخصيات السياسية والدينية والدبلوماسية والاجتماعية.
ولما كان شهر رمضان المبارك لا يشكل بطبيعته «بيئة حاضنة» للشياطين، فمن المفترض الا يُجهض الخلاف حول بعض التفاصيل اصل «المشروع النسبي» المتفق عليه، بل هناك من توقع ان يزف عون الى اللبنانيين في خطابه اليوم بشرى الاتفاق على قانون الانتخاب، اقله بخطوطه العريضة، على ان يُستكمل البحث في آلياته الاجرائية خلال الايام القليلة المقبلة.
ومن المتوقع ان يُعقد قبل الافطار او بعده لقاء بين عون وبري والحريري، لمتابعة النقاش في الملف الانتخابي ولعرض ملابسات الاحتكاك الاخير في «الاسلاك الدستورية» تحت وطأة الاجتهادات المتباينة، فيما كان لافتا للانتباه ان الاشارات الصادرة عن بعبدا وعين التينة والسراي، أمس، تقاطعت عند ترجيح كفة الايجابية، من دون ان يعني ذلك انها اصبحت «طابشة» تماما، خصوصا ان رئيس المجلس يفضل ان يبقى متحفظا الى حين ان يصبح «الفول في المكيول».
ولعل التزامن بين الافطار الجامع في بعبدا، وانتهاء العقد العادي لمجلس النواب، سيشكل حافزا او ضغطا للدفع في اتجاه انجاز التفاهم النهائي على قانون الانتخاب، باعتبار ان الوقت لم يعد يسمح بترف المناورة، خصوصا انه لم يعد يفصل المجلس النيابي عن نهاية ولايته سوى 19 يوما فقط، سيدخل بعدها لبنان في نفق طويل ومظلم، إذا لم يتم التقاط آخر الفرص السانحة لتفاديه.
وما عزز حجة المتفائلين بقرب التوصل الى اتفاق هو ان الاشتباك المستجد بين عون وبري، حول «الدورة الاستثتائية» والمادة 59 من الدستور، بقي تحت السيطرة الى حد بعيد، ولم يفجر مشروع التسوية المتداول، الامر الذي يؤشر وفق هؤلاء الى ان الجميع يتهيب احتمال الفشل ويحاول تجنبه، لا سيما مع بدء العد العكسي لنهاية ولاية المجلس.
وعُلم ان السقف السياسي لخطاب عون سيتحدد تبعا لما ستؤول اليه الاتصالات السياسية التي استمرت طوال امس، وستتواصل حتى ما قبل ساعات قليلة من موعد الافطار، وبالتالي فان الخطاب سيعكس نتائج تلك الاتصالات ومسارها العام.
ولكن التفاؤل السائد لا يعني بالضرورة ان قانون الانتخاب الجديد سيُقر في الجلسة النيابية التي دعا اليها بري في 5 حزيران، إذ الارجح ان عون لن يمنح هذه «الهدية» الى رئيس المجلس بعد مؤتمره الصحافي الشهير الذي وجدت فيه اوساط بعبدا محاولة للانتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية، إلا إذا نجح افطار بعبدا في اطلاق دينامية سياسية، تختصر المراحل.
وفي حال لم تُعقد جلسة 5 حزيران، ترجح مصادر واسعة الاطلاع ان تنطلق آلية تطبيق التسوية المفترضة بدءا من منتصف الاسبوع المقبل، بحيث يبادر مجلس الوزراء الى اقرار مشروع التفاهم الانتخابي، تمهيدا لاحالته الى مجلس النواب واصداره في قانون، وذلك في حال أمكن خلال الايام المقبلة الانتهاء من معالجة تفاصيل اساسية تتعلق بالصوت التفضيلي وعتبة التأهيل وطريقة احتساب الفائزين وحساب الكسور اضافة الى نقل المقاعد.
جنبلاط: «صار لازم نخلص»
وعلى طريقته الخاصة، عبّر النائب وليد جنبلاط عن الواقع، بقوله لـ«الديار»: عندما كنت في ايطاليا تناولت باستا مكونة من خلطة دقيقة ومدروسة.. ليتهم هنا ينجزون الباستا الانتخابية، ونتصور معها، «لانو صار لازم نخلص»، وننتهي من هذه المسألة.
وأمل جنبلاط في ان يحمل افطار قصر بعبدا الفرج الانتخابي، لافتا الانتباه الى ان المشكلة لم تعد عنده، لا سيما بعد التوزيع المقترح للدوائر في اطار النسبية.
افطار بعبدا
وفي سياق متصل، اكدت اوساط عون ان حفل الافطار سيكون جامعا وحاضنا بامتياز على المستوى الوطني، أما على المستوى السياسي فان حصيلة المشاورات السياسية المتواصلة ستترك اثرها المباشر على محتوى كلام رئيس الجمهورية وحدوده، لافتة الانتباه الى انه قد يتوج خطابه بمواقف نوعية إذا اسفرت تلك المشـاروات عن نتائج ايجابية.
وتشير الاوساط الى ان النقاط العالقة في المفاوضات الانتخابية باتت قليلة ومحددة، الامر الذي من شأنه ان يسهل معالجتها، وإن تكن ليست بسيطة.
وتشدد الاوساط على ان عون لا يزال عند طرحه المبدئي بالربط بين فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، والاتفاق على ركائز قانون الانتخاب، موضحة انه ربما يعلن عن شيء في هذا الصدد، في حال صار الاتفاق على القانون شبه مُنجز خلال الساعات القليلة المقبلة.
«القوات» متفائلة
أما مصادر «القوات اللبنانية»، فقد أكدت ان الاتفاق السياسي على جوهر قانون الانتخاب تم عمليا، والتفاصيل العالقة لا تشكل عائقا امام عبور الامتار الاخيرة، مشيرة الى ان هناك قرارا كبيرا بإنجاز التسوية الانتخابية، على غرار القرار الذي سمح بإتمام الاستحقاق الرئاسي في اللحظة الحاسمة.
وتشدد المصادر على ان مطلب نقل بعض المقاعد المسيحية لا يهدف سوى الى تحسين التمثيل المسيحي تحت سقف النسبية في 15 دائرة، وليس صحيحا انه يرمي الى الفرز او التقسيم او التخلي عن مسيحيي الاطراف، «والدليل على ذلك ان ما نقترحه هو نقل عدد قليل من المقاعد فقط، ولاسباب موضوعية وديموغرافية ملحة تتصل بمناطق محددة حصرا، في حين ان الانتشار النيابي المسيحي يمتد من الشريط الحدودي في اقصى الجنوب الى عكار في أقصى الشمال ولسنا في صدد العبث به، ملمحة الى ان معراب ربما لا تستمر في التمسك بهذا الطرح إن شعرت بانه سينسف أصل الاتفاق.
وتنبه المصادر القواتية الى ان العودة الى المربع الاول، في هذا التوقيت الحساس ستكون انتحارا سياسيا، لانه لا يوجد بديل عن المشروع الحالي، ولان المهلة الفاصلة عن تاريخ 19 حزيران لم تعد تسمح باستئناف النقاش مجددا من نقطة الصفر.
وتوضح المصادر ان رئيس «القوات» سمير جعجع وافق على النسبية وفق 15 دائرة، في اعقاب خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي ابدى فيه الانفتاح على اي قانون انتخابي تتوافق حوله القوى السياسية، بعدما كان الثنائي الشيعي يتمسك في السابق بالنسبية على قاعدة الدائرة الواحدة او الدوائر الست، وهو الامر الذي لم يشجع «القوات» حينها على القبول بمبدأ النسبية الكاملة، مفضلة عليه «المختلط».
وتتابع المصادر: عندما بات موقف الثنائي الشيعي اكثر مرونة حيال مسألة الدوائر، وجد جعجع ان اللحظة باتت مؤاتية لملاقاته في مساحة مشتركة وتأييد النسبية في 15 دائرة، وبالتالي طلب من النائب جورج عدوان اطلاق المبادرة التوفيقية.
السنيورة: هذه حقيقة موقفي
وفيما يتردد ان هناك خلافا بين الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة حيال قانون الانتخاب، قال السنيورة لـ«الديار»: ليس صحيحا انني اعارض الاتفاق على اعتماد النسبية وفق 15 دائرة، ولم يسبق ان صدر عني اي موقف في هذا الاتجاه.
ويؤكد ان ما يهمه هو احترام الديموقراطية والدستور وضمان حق المواطن اللبناني في الاقتراع واختيار ممثليه في المجلس النيابي، وإذا كان التفاهم حول النسبية الكاملة يمكن ان يقود الى اجراء الانتخابات النيابية.. فليكن. ويضيف: صحيح، ان النسبية الشاملة على اساس 15 دائرة قد تكون خطوة الى الوراء من حيث نتائجها ومفاعيلها، لكن إذا كانوا متفقين عليها فلا بأس، وهذا الخيار يظل افضل من عدم حصول الانتخابات.
ويلفت السنيورة الانتباه الى ان خياره الاصلي هو تطبيق اتفاق الطائف الذي يلحظ انشاء مجلس للشيوخ يحترم ارادة الجماعات، وانتخاب مجلس للنواب خارج القيد الطائفي يتولى متابعة شؤون الناس وقضاياهم، لافتا الانتباه الى ان هذه المعادلة ليست مهمة لنا فقط، بل هي تصلح ان تكون نموذجا لكل الدول العربية التي يوجد فيها تنوع ايضا.
ويؤكد السنيورة انه يعارض مطلب نقل بعض المقاعد المسيحية النيابية بشدة ويرفضه مئة بالمئة، منبها الى ان هذا الطرح لا يخرّب عقول اللبنانيين وحسب، بل الاخطر من ذلك انه يمهد لـ«ترانسفير» داخلي.
وينفي السنيورة وجود اي خلاف مع الحريري حول الملف الانتخابي، قائلا: هناك من يصر على الايقاع بيننا ويحاول ان يروّج بأننا على خلاف، وهذا غير صحيح.. نعم، احيانا نتباين في وجهات النظر، كما حصل عند الاستحقاق الرئاسي ومعارضتي ترشيح العماد ميشال عون خلافا لرأي الرئيس الحريري، إلا انني وفور انتخاب عون سارعت الى تهنئته كما تقتضي الاصول الديموقراطية، وبالتالي طَويتُ مرحلة ما قبل الانتخاب.