ابراهيم ناصرالدين
حقق اللقاء التشاوري في بعبدا اهدافه «بالشكل»، ويبقى تطبيق المضمون خاضعا لاختبار «صدق النوايا» بالتعاون بين مختلف الافرقاء الذين تحلقوا حول طاولة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كان له ما اراد من استعادة دور الرئاسة الاولى في «قلب» السلطة التنفيذية لا على هامشها… لكن وعلى الرغم من تضمن «الوثيقة» بنود دستورية اصلاحية واخرى سياسية واقتصادية، لا يبدو ان احدا من المشاركين في اللقاء قد خرج بقناعة تفيد بقرب انطلاق ورشة الاصلاحات الدستورية، فكان تاكيد خلال النقاشات على ضرورة التركيز على الشق الاقتصادي والاجتماعي الذي يبدو اكثر واقعية في ايجاد طريقه الى التنفيذ، في ظل قناعة الجميع ان العناوين الكبرى تحتاج الى مزيد من الوقت وما جرى في بعبدا خطوة اولى في مسافة «الالف ميل».
وفيما يعمل اللبنانيون على الاستثمار في مناخ التهدئة الداخلية، دخلت المجموعات الارهابية على خط التصعيد الحدود الشرقية، في ظل معلومات عن تقديم موعد الحسم العسكري بعد هجوم فليطا امس الاول. لكن هذا التصعيد لا ينحصر عند هذه الحدود، فثمة «رسائل» اميركية وردت عبر القنوات الدبلوماسية الى بيروت تشير الى وجود عملية «ابتزاز» واضحة تختمر في دوائر الخارجية الاميركية لوقف او تخفيض حجم المساعدات للجيش اللبناني، وسط خلافات جدية في التقييم مع وزارة الدفاع التي ما تزال تصنف المؤسسة العسكرية كواحدة من اهم الجيوش التي تكافح الارهاب في المنطقة.
ووفقا لمصادر ديبلوماسية في بيروت، فان هذا التوجه في الخارجية الاميركية عممته دوائر السفارة في بيروت على شكل «تسريبات» غير رسمية، تفيد بان نقاشات جدية جرت في واشنطن خلال الاسابيع الماضية حول جدوى تقديم المساعدات العسكرية الاميركية للجيش اللبناني، وتسعى الخارجية الاميركية الى حشد عدد من نواب الكونغرس لاعادة تقييم هذا الامر في شهر ايلول المقبل.
وفي هذا السياق، علم ان الصراع الدائر داخل الادارة الاميركية ضمن فريق عمل دونالد ترامب ليس مقتصرا على الملف اللبناني، وانما ظهر جليا في الازمة الخليجية بين السعودية والامارات وقطر، لكن ما خلق هذا الموقف السلبي في الخارجية الاميركية من ملف التسليح، يعود الى تقرير رفعته السفارة الاميركية مؤخرا ويتضمن معلومات عن تعاون واضح بين الجيش وحزب الله على الحدود الشرقية، وهذا الامر ليس جديدا ويرد عادة في التقارير الدورية، لكن الجديد هذه المرة كلام صريح حول وجود خلل في منظومة عمل الاجهزة الامنية اللبنانية، حيث يتحدث التقرير عن غياب «الانسجام» والتنسيق بين هذه المؤسسات في الحرب على الارهاب، وهو ما اعتبرته الخارجية خللا لا يمكن تجاهله، لانه قد يتسبب بضياع الجهود الاميركية المبذولة في دعم الجيش والمؤسسات الامنية اللبنانية !
من جهتها اكدت اوساط معنية بهذا الملف، هذه المعلومات، واشارت الى عدم وجود قرار جديد في واشنطن ازاء هذا الملف لكن وجود هذا النقاش امر غير «مريح»، والحجج الاميركية غير منطقية، وغير مفهومة، ومسألة «الخلل» في التعاون بين الاجهزة ليس جديدا… ولذلك ثمة حاجة الى المزيد من الوقت لمعرفة خلفيات الامر، واسباب هذه «الصحوة» السلبية في الخارجية الاميركية.
هجوم فليطا وتسريع الحسم….
وفي سياق آخر، اكدت اوساط معنية بملف الحدود الشرقية ان الهجوم الذي اقدمت عليه «المجموعات الارهابية» المنتمية الى جبهة النصرة في جرود فليطا مساء اول من أمس، وادى الى استشهاد مقاتلان من حزب الله، لن يبدل قرار الحسم المتخذ من قبل قيادة المقاومة والجيش السوري، بل قيام المسلحين بهذا الهجوم اليائس ادى الى اتخاذ قرار بتقديم موعد الهجوم الذي استكملت كافة تحضيراته اللوجستية، بانتظار «ساعة الصفر». وعلى خط مواز لن يجهض هذا الهجوم الاتفاق المنجز مع عشرات العائلات الموجودين في مخيمات اللجوء في عرسال للعودة الى قراهم في القلمون، ومن المفترض ان يتم تنفيذ الاتفاق خلال ايام.
«كواليس اللقاء التشاوري»
عرض رئيس الجمهورية ميشال عون خلال اللقاء ما يشبه «خارطة طريق» للعهد، وليس للاشهر الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة، واوحى للحاضرين ان بنود الوثيقة ليست مجرد كلمات انشائية، وانما خطة عمل تحتاج الى آليات عمل ستوضع لاحقا. ووفقا لمصادر بعبدا نجح الرئيس في الشكل قبل المضمون باستعادة «هيبة» الرئاسة كمرجعية تنفيذية لا بروتوكولية، صحيح ان لا تعديلات مطروحة على صلاحيات الرئيس، لكن ما بين يديه من صلاحيات تمنحه هامشا كبيرا لتطبيق رؤيته الوطنية في التغيير والاصلاح، ولذلك فان العناوين المطروحة ستكون منذ اليوم برنامج عمل للرئاسة الاولى، وسيكون التيار الوطني الحر، بحضوره في الحكومة والمجلس النيابي عاملا مؤثرا لتسييل هذه البنود ووضعها على «سكة التنفيذ».
ووفقا للمعلومات فان النقاشات في الجلسة كانت هادئة، ولم تلامس المداخلات القضايا «بعمق»، وكانت الجلسة جوجلة للافكار بين قادة الاحزاب… رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ابدى ارتياحه لما ورد في وثيقة الرئيس، وشدد في مداخلته على شقين الاول، يتعلق بضرورة الانصراف الى تحسين الشأن الحياتي للمواطنين، والشق الثاني يرتبط بضرورة الالتزام بالآليات المحدد في الدستور لتنفيذ الاصلاحات الدستورية المنشودة، وهي واضحة للغاية ولا تحتاج الى تاويل وتبدأ بالغاء الطائفية السياسية والانتقال بعد ذلك الى البنود الاخرى المرتبطة بمجلس الشيوخ وغيرها من القضايا الاصلاحية… رئيس الحكومة سعد الحريري ابدى رغبة جدية بالتعاون مع رئيس الجمهورية للمضي قدما في تفعيل العمل الحكومي، وشدد على ضرورة تفعيل عمل الوزارات الخدماتية كي يشعر المواطن بان اموره الحياتية تتغير… من جهته لم يخرج النائب محمد رعد عن سياق تاييد اي خطوة اصلاحية تؤدي الى تحسين المناخات السياسية في البلاد وتعزز اجواء الاستقرار، وشدد على ضرورة منح الوضع الاقتصادي اولوية قصوى في المرحلة المقبلة..بدوره اكد رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على ضرورة عدم «تكبير الحجر» واغراق الناس بعناوين سياسية كبيرة لم تعد في صلب اولوياتهم، واعتبر ان تحسين الوضع المعيشي يجب ان يكون في سلم الاولويات..مداخلة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع كانت اكثر شمولية تطرق خلالها الى ما يجري في المنطقة من ازمات واعتبر ان الحفاظ على التعددية في لبنان يعتبر اولوية مطلقة لان شعور الاقليات بالاطمئان على مستقبلها كما هو حاصل اليوم، جنب البلاد السقوط في «الهاوية» وسمح بنأي لبنان عن حريق المنطقة… وزير الخارجية جبران باسيل ايد كل ما ورد في «الورقة» الرئاسية، وناقض الرئيس بري في مسالة التدرج في تطبيق الدستور وتحدث عن امكانية تطبيق الاصلاحات دفعة واحدة… وكذلك ايد النائب اغوب بقرادونيان الاصلاحات المطروحة مشددا على الهم الاقتصادي… من جهته شدد النائب طلال ارسلان على ضرورة ايجاد آليات محددة لمتابعة وتنفيذ هذه الخطط، متمنيا ان لا تبقى مجرد نقاشات. وكان للوزير علي قانصو مداخلة شدد خلالها على ضرورة الغاء الطائفية السياسية كمدخل لحل كل الازمات.
«برودة» «ودردشة»
وعلى هامش اللقاء التشاوري كانت «البرودة» واضحة في العلاقة بين الوزير فرنجية والوزير باسيل، غابت المجاملات، وجرى فقط تبادل مصافحة سريعة دون تبادل اي حوار، فيما حصل تبادل لاطراف الحديث بين فرنجية ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، حيث غاب «التشنج» وبدا الجو وديا…وتوقفت اوساط وزارية عند عدم مبادرة رئيس الجمهورية الى عقد اي لقاء ثنائي مع رؤوساء الاحزاب المشاركة، وخصوصا مع النائب فرنجية، ووفقا للمعومات فان الاتصالات على «خط» بعبدا «بنشعي» ستشهد تزخيما بعد عيد الفطر، حيث يجري العمل على انضاج الظروف لدعوة خاصة يوجهها الرئيس للوزير فرنجية، لزيارة القصر الجمهوري، واجراء نقاش معمق حول القضايا الخلافية، وهو الامر الذي لم يستبعده فرنجية الذي اكد الاستعداد لتلبية اي دعوة توجه اليه من قبل الرئيس..
خطاب نصرالله
وفي المحطات البارزة اليوم، خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في يوم القدس العالمي، وفي هذا السياق علم ان الملفات الداخلية والاقليمية ستكون حاضرة في هذه الكلمة مع فارق جوهري في «سقف» تناول كلا الموضوعين. محليا سيواكب السيد نصرالله حالة الاسترخاء الداخلي بعد الاتفاق على قانون الانتخاب، سيشرح مزاياه، على الرغم من قناعة الحزب بان النسبية على اساس الدائرة الواحدة هي الطموح الامثل، كما سيثمن موقف كافة الاطراف التي منعت انزلاق البلاد الى الهاوية، وسيدعو الى الاستثمار على الايجابيات، والاهتمام بالوضع الاجتماعي والاقتصادي، وسيؤكد مجددا على تعاون حزب الله الكامل مع الاجهزة الامنية لمكافحة «الفلتان الامني»… اما سقف الخطاب الاقليمي فمن المرجح ان يكون مرتفعا في ضوء التطورات المتسارعة في المنطقة، سيكون لفلسطين والقدس حيزا مهما، وسيحذر من مخاطر التطبيع العربي والاسلامي مع اسرائيل، كما سيؤكد على جهوزية المقاومة للرد على اي اعتداءات اسرائيلية، ولن تغيب الانتصارات في سوريا والعراق عن الخطاب، خصوصا معركة البادية، والحدود، خصوصا بعد الخطوة الاستراتيجية الايرانية المتمثلة باطلاق صواريخ ارض- ارض على دير الزور».