ابراهيم ناصرالدين
خلصت اللقاءات والاتصالات في الساعات القليلة الماضية، قبل جلسة الحكومة وبعدها، الى نتيجة لا تقبل اي التباس، كل الاطراف السياسية لم تعد قادرة على تحمل «عبء « النزوح السوري، والبحث جار عن المخرج اللائق «لحفظ ماء» رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه السياسي. واذا كان مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي زار دمشق خلال الساعات القليلة الماضية، ينفي ما تردد عن تكليفه من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، كمبعوث شخصي لبحث شؤون عودة اللاجئين مع الدولة السورية، فان اوساطاً وزارية بارزة ابلغت «الديار»، بان لا «دخان بلا نار»، ولكن الاقتراح يحتاج الى مزيد من الانضاج، مع العلم ان من راجع رئيس الحكومة بالامس فهم منه انه يوافق «ضمنيا» على الفكرة، وهو مع اي اقتراح يبعد عنه «كاس» فتح الحوار «المر» مع الحكومة السورية…
وفي الموازاة، انهارت المفاوضات مع المجموعات المسلحة على الحدود الشرقية قبل عدة ساعات، بعد وصول النقاش الى «حائط مسدود»، وادراك فريق العمل المفاوض المكلف من قيادة حزب الله ان الاستمرار في الرهان على الوقت لم يعد مجديا، وان الطرف الاخر طلب مزيدا من الوقت قبيل انتهاء شهر رمضان المبارك للرد على ما عرض عليه من مطالب، كان مجرد مماطلة لاسباب مجهولة، وتبين ان لا نية لانجاح التسوية التي جرى العمل عليها بالاتفاق مع الدولة السورية… فاقفلت «اجهزة الاتصال» وكان آخر الكلام… «اذا انتظرونا نحن قادمون»..
وابلغت اوساط معنية بهذا الملف، «الديار» ان «جبهة النصرة» مسؤولة عن نسف كل الجهود التي بذلت خلال الاسابيع القليلة الماضية لاقفال هذا الملف النازف بالطرق السلمية، وهي تتحمل مسؤولية ما ستحمله الايام المقبلة من نتائج، وذلك بعد ان ابلغ امير «النصرة» ابو مالك التلي قيادة «سرايا اهل الشام» انه خارج اي اتفاق تعمل هي على انجازه مع الطرف الاخر، وسيبذل كل ما بوسعه لاجهاضه، حتى لو تطلب الامر استخدام القوة العسكرية..مع العلم ان التلي نفسه كان قد طلب مهلة لدراسة بنود الاتفاق واوحى انه يقبل بعضها ولكنه يتحفظ عن بعضها الاخر، واوهم المفاوضين انه يعمل على وضع تعديلات تتعلق بالضمانات، وترتيب بنود تنفيذ التسوية، لكنه عاد وانقلب على كلامه، فعادت الامور الى «نقطة الصفر».
ورفضت تلك الاوساط طبعا الافصاح عن «ساعة الصفر» لكنها اكدت انه تم تحديدها والمعنيون على الارض باتوا على اطلاع على الموعد، اثر تعميم صدر قبل ساعات معدودة، واشارت في هذا السياق الى ان ما يمكن قوله فقط ان الموعد بات «قريبا»، الاستعدادات انتهت، والقوة الموكلة عملية «تطهير» الجرود انهت تحضيراتها في العدة والعتاد، ومن المتوقع ان تقود قوات النخبة في فرقة «الرضوان» العملية مع القوات «الخاصة» بالتعاون مع «وحدات خاصة» من الجيش السوري انهت عملية انتشارها قبل ايام.
اما ما عرض على «جبهة النصرة» فكان صفقة متكاملة تقضي بخروج المسلحين مع عائلاتهم الى محافظة ادلب، بأسلحتهم الفردية، بالتزامن مع تسوية اوضاع اللاجئين في مخيمات عرسال من خلال اعادتهم الى قراهم «بضمانة» حزب الله، على ان تتم تسوية اوضاع المسلحين الراغبين بالعودة الى حياتهم المدنية بالاستفادة من قانون العفو العام في سوريا، وكذلك كان ضمن البنود الكشف عن مصير عدد من المفقودين، واطلاق عدد محدد من الاسرى والمعتقلين… لكن كل شيء انتهى الان.
وبحسب المعلومات، فان موقف ابو مالك التلي يأخذ ابعادا «ذاتية» لا علاقة لها بالمرجعية الاقليمية في الدوحة المنشغلة بالمواجهة المفتوحة مع السعودية، قطر لم تعد معنية بالملف لانها فقدت اصلا القدرة على المناورة او الابتزاز في منطقة معزولة وساقطة عسكريا، ويصعب استثمارها في السياسية، ولذلك ترك القرار لتقدير قيادة التنظيم في «بلاد الشام». ابو مالك التلي تبلغ قبل ايام من امير التنظيم ابو محمد الجولاني رفضه المبدئي، لفكرة الانسحاب من «ارض الرباط» في المنطقة المحاذية للحدود اللبنانية ـ السورية، لكنه ترك للتلي تقدير الموقف العسكري والمفاضلة بين نتائج التسوية او خوض مواجهة عسكرية..لكن التلي لم يتلق ضمانات يعتد بها من القيادة المركزية في ادلب بالموقعية التي سيشغلها اذا ما قرر الانسحاب مع عناصره، وانما حصل على جواب مقلق حول نطاق انتشاره وتمركزه الجديد، وقد تم ابلاغه ان ادلب المدينة لم تعد بمقدورها استيعاب وافدين جدد، وسيكون مكانه على «الثغور». مع العلم انه سبق وابلغ المعنيين بالتنظيم انه لا يقبل ان يتم دمجه مع سرايا «جهادية» اخرى، ويريد ان يبقى مستقلا على رأس مجموعته، وكان الجواب سلبيا. ولان التلي يدرك ان محافظة ادلب مقبلة على «مقتلة» عاجلا او آجلا لم يقبل ان يكون مع «اخوانه» «كبش فداء»، ويبدو انه فضل خوض معركته الاخيرة في جرود القلمون.
ووفقا للمعلومات، فان «سرايا اهل الشام» ابلغت حزب الله انها لن تكون جزءا من المواجهة وابدت استعدادها لتسليم مواقعها، وتسوية اوضاع مقاتليها، ضمن التسوية التي جرى العمل عليها سابقا، ويجري العمل ميدانيا لانجاز التفاهم، في ظل مخاوف جدية من تحرك «النصرة» عسكريا «لاستئصال» «السرايا».. اما مجموعات «داعش» فلم يجر التفاوض معها اصلا، وهي لديها خيار من اثنين اما الاستسلام او خوض معركة خاسرة نتائجها معروفة.
دور الجيش
اما وحدات الجيش اللبناني المنتشرة على الحدود الشرقية فهي في «اجواء» قرب انطلاق المعركة، وهي ترى «بالعين المجردة» استكمال الاستعدادت على الارض، لكن المؤسسة العسكرية لا تبدو معنية بأي عملية هجومية في الجرود، وستكتفي بدرء المخاطر وتلافي التداعيات، ووفقا للمعلومات، فان الجهوزية تامة لمنع تسلل المقاتلين من الجانب الاخر من الحدود، قرار الدفاع عن الاراضي اللبنانية لا يحتاج الى قرار سياسي جديد، وكل المهمات الدفاعية المناطة بوحدات الجيش «مغطاة» سياسيا، «وبروفة» العملية الامنية الاستباقية في مخيمات عرسال، ابلغ دليل على ذلك… وقد باتت عملية تنظيف الجرود امرا ملحا خصوصا بعد الاعترافات التي ادلى بها عشرات الموقوفين في العملية الاخيرة خلال التحقيقات بالقيام بأدوار خطرة ترتبط بتأمين التموين والدعم اللوجستي العسكري للمجموعات الارهابية، مستخدمين المخيمات ملاذات آمنة لتنفيذ مخططاتهم، كما اعترف البعض منهم بالمشاركة بالهجمات على مواقع الجيش وخوض المعارك ضده في العام 2014.
ازمة اللاجئين
على صعيد متصل بازمة النزوح السوري، علمت «الديار» من اوساط وزارية مطلعة ان الجديد المهم في هذا الملف مسألتان، المسالة الاولى الموافقة «الضمنية» لرئيس الحكومة سعد الحريري على فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية دون ان تمر عبره، وهذا الامر بحد ذاته انجاز، ولم يكن ليتحقق لولا ضغط الرئيس ميشال عون الذي عرض مع الحريري قبل جلسة الحكومة المخاطر الديموغرافية والامنية التي لم تعد تحتمل، وهو امر يقر به رئيس تيار المستقبل المدرك جيدا لمخاطر هذه «القنبلة الموقوتة» ضمن بيئته بعد ان تحول الامر الى عبء اقتصادي خطر. ولذلك فان هذه الموافقة تفتح «الباب» ولو مواربة امام تحريك هذا الملف، حيث ينتظر المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم «تغطية» سياسية اكثر «شمولية» للبدء جديا بتحريك الملف، وهو ما وعد الحريري بتأمينه… اما المسالة الثانية فتتعلق بموافقة الدولة السورية على مناقشة هذه القضية مع القناة السياسية، التي تختارها الدولة اللبنانية، حتى لو كانت تحمل صفة امنية، دون اشتراط الصفة الحكومية.