عماد مرمل
تتعدد الملفات التي تفوح منها رائحة الفساد وانتهاك القانون في لبنان، ولكن واحدا من اكثرها فجاجة وفداحة هو ملف الاعتداء على الاملاك العامة البحرية التي تشكل حقا سياديا للدولة ومواطنيها.
وفي هذا الاطار، لا يزال مشروع بناء المرفق السياحي “إيدن باي” على شاطئ الرملة البيضاء يتفاعل على اكثر من مستوى، بالنظر الى الملابسات والشبهات التي رافقته، لاسيما لجهة اتهامه من قبل وزارة البيئة وجمعيات بيئية وأهلية بالاعتداء على الاملاك العامة البحرية واقفال شريان حيوي بالنسبة الى اللبنانيين، خصوصا الفقراء منهم، ممن يجدون في هذا الشاطئ متنفسا لهم.
وإزاء الضجة التي ترتبت على هذا المشروع، يبدو ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قرر خوض معركة “برمائية” في مواجهته. وعُلم ان عون أبلغ متابعي هذا الملف انه عازم على ملاحقته بحزم، وانه سيكون صارما في التصدي للمخالفات المتمادية على الاملاك العامة البحرية.
وعُقد قبل ايام في القصر الجمهوري اجتماع ضم الرئيس عون ووزير الدولة لمكافحة الفساد نقولا تويني والمتضررين من المشروع، وبين بينهم الوزير السابق عدنان القصار، للبحث في كيفية التعامل مع محاولة فرض الامر الواقع عبر الاستمرار في اعمال البناء، على الارض.
والمفارقة ان مجلس شورى الدولة كان قد أفتى بمواصلة العمل في المشروع استنادا الى تقارير خبراء هندسيين، فيما وضع نقيب المهندسين جاد تابت دراسة مضادة تنسف آراء هؤلاء الخبراء وتوصي بوقف المشروع فورا وعدم اخضاعه لاي تسوية، ما يطرح علامات استفهام حول طبيعة الاستنتاجات المغايرة التي توصل اليها بعض المهندسين وكيفية ركون القضاء اليها.
وسيزور تويني، يرافقه المتضررون، وزير العدل سليم جريصاتي قريبا، لاطلاعه على حيثيات هذه القضية وللمطالبة بتصويب الأداء القضائي حيالها.
وسبق لتويني ان التقى محافظ بيروت زياد شبيب وطالبه باتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف العمل بالمشروع.
وقد تسلم الرئيس عون من الوزير تويني ملفا كاملا حول واقع المشروع، تضمن تقريرا وضعه النقيب تابت وفنّد فيه المخالفات التي تستوجب وقف العمل بمشروع ال”إيدن باي”، علما ان تويني كان قد طلب من تابت، باعتباره أعلى مرجع هندسي، اعداد هذا التقرير الذي رُفع الى الوزير في 28 حزيران الماضي.
وحصلت “الديار” على نسخة من تقرير نقيب المهندسين الذي استهله بالمدخل الآتي:
” بناء على التكليف الذي اعطيتموني اياه بخصوص دراسة قانونية مشروع البناء على العقار 3689 من منطقة المصيطبة العقارية، المعروف بمشروع “إيدن باي”، يسرني ان أتقدم منكم بتقرير مفصل يعالج النقاط القانونية والهندسية العائدة لهذا المشروع، وذلك بعد الاستحصال على الوثائق والخرائط التي طلبناها من بلدية بيروت والمديرية العامة للتنظيم المدني ومديرية الشؤون الخارجية في الجيش اللبناني.
لقد تبين لنا ان المشروع قد ارتكب العديد من المخالفات، ونكتفي في هذا التقرير بذكر ثماني مخالفات اساسية لا لبس فيها.
ان حجم هذه المخالفات من شانه حث السلطات المعنية على ايقاف المشروع فورا، حفاظا على المصلحة العامة وعلى هيبة الدولة.
فقد تبين لنا ان مجموع المساحات البناء الاضافية المخالفة قد بلغت 5251 م2، اي ان الشركة صاحبة المشروع قد بنت ضعفي مساحات البناء القانونية المسموحة في المنطقة.
وعلى كل حال، فاننا نعتبر ان السماح بالبناء على هذا الجزء من شاطئ بيروت يخالف ابسط مبادئ التنظيم المدني السليم، ويتعارض مع المبادئ التي وضعت منذ الستينات لحماية الطابع الخاص لشواطئ العاصمة اللبنانية بصفتها مدينة بحرية مميزة، تقع على الضفة الشرقية من البحر الابيض المتوسط.
يسرني ان أؤكد لكم استعداد نقابتنا الدائم واستعدادي الشخصي كنقيب للمهندسين لمساعدتكم في المهمة الاصلاحية الكبرى التي أطلقها العهد الجديد والتي تلعبون فيها، معالي الوزير، دورا اساسيا خدمة لمصالح وطننا العزيز.”
وعدد التقرير ثماني مخالفات، تنشر “الديار” في ما يلي ابرز محتوياتها:
-المخالفة الاولى: عدم قانونية ضم العقارات رقم 3689، 3690، 3691، 3692، من منطقة المصيطبة العقارية(..)
وقد شملت عملية الضم عقارات غير متجانسة بمفهوم المادة 2-5 من المذكرة الادارية 1\1991، إذ انها لا تتمتع بحق ارتفاق عقاري واحد.
-المخالفة الثانية: عدم قانونية شطب اشارة منع البناء عن العقارين رقم 3691 و3692 من منطقة المصيطبة العقارية(..)
ان هذه الاشارة ناتجة عن ارتفاق حاصل بموجب عقد المقاسمة والفرز للعقارات الاساسية، وشطبها مخالفة صريحة للقانون ولا يحق لمحافظ بيروت اقرار هذا الشطب، كما انه لا يوجد قرار قضائي بهذا الخصوص.
-المخالفة الثالثة: عدم قانونية رخصة البناء لاستنادها الى شقلات خاطئة(..) وتظهر المقارنة بين الخريطة المقدمة من طالب الرخصة والخريطة التي استحصلنا عليها من مديرية الشؤون الجغرافية عددا من المفارقات التي من شانها ادخال تعديلات اساسية على طريقة احتساب مساحات البناء للمشروع موضوع الرخصة التي ينبغي ان تدخل ضمن الاستثمار(..)
وعليه، تكون المساحة المرخصة قد تجاوزت مساحة الاستثمار السطحي التي يحددها القانون بثلاثة أضعاف تقريبا، كما انها تجاوزت مساحة الاستثمار العام بقدر مساحة السفلي الاول اي 4218 م2، وهذه المساحة الاضافية غير القانونية توازي مساحة اكثر من خمس طوابق علوية.
-المخالفة الرابعة: مخالفة رخصة البناء للقرار 144\س الصادر في 10-6-1925، وللمرسوم 4810\1966 المتعلق بإشغال الاملاك البحرية، وتضمنها تعديا على الاملاك البحرية العامة(..)
وحيث ان إشغال الاملاك العامة البحرية او القيام باي عمل فيها، يتطلب ترخيصا خاصا استثنائيا من الادارة المختصة وان هذا الترخيص غير توافر في الحالة الراهنة، فان كافة الاعمال المبنية على خرائط الرخصة والواقعة خارج حدود العقار رقم 3689 ضمن الاملاك البحرية العامة هي مخالفة للقانون.
-المخالفة الخامسة: مخالفة رخصة البناء للمرسوم 2366\2009 المتعلق بترتيب الاراضي اللبنانية(..)
ان رخصة البناء على العقار رقم 3689 تتعارض تماما مع مضمون خطة ترتيب الاراضي التي اعتبرت ان في بيروت ثلاثة مواقع مميزة تشكل جزءا لا يتجزأ من هوية العاصمة، وهي الواجهة البحرية في عين المريسة، وصخرة الروشة وخليجها الصغير، وشاطئ الرملة البيضاء. وقد اكدت الخطة ضرورة حماية الخصائص الطبيعية لهذه المواقع من مشاريع عقارية او انشائية قد تشوه معالمها. وحيث انه من الثابت ان رخصة البناء لم تراع الخصائص الطبيعية للمنطقة الطبيعية التي يقع فيها العقار، وهي شاطئ الرملة البيضاء، فانه يقتضي ابطالها لمخالفتها المرسوم 2366\2009.
-المخالفة السادسة: مخالفة قانون حماية البيئة والمرسوم 8633 تاريخ 7-8-2012، لجهة عدم الاستحصال على دراسة الأثر البيئي(..)
بناء على ذلك، تقدمت وزارة البيئة بتاريخ 2 آذار 2017 بشكوى جزائية على شركة عاشور دفلوبمنت وعلى كل من يظهره التحقيق فاعلا او شريكا او محرضا او متدخلا بجنحي المادتين 85 و59 من قانون حماية البيئة.
-المخالفة السابعة: تعدي البناء قيد التنفيذ على الشاطئ وعلى الاملاك العامة البحرية(..)
تظهر صور المشروع بعد المباشرة في تنفيذه ان صاحب المشروع قام بأعمال حفر وردم ضمن الاملاك العامة البحرية خلافا لما ورد في الفقرة 4 من كتاب المديرية العامة للنقل رقم 1123\6، تاريخ 1 آذار 2017، الموجه الى شركة إيدن باي ريزورت والتي تنص بوضوح على عدم التعدي على الاملاك العامة البحرية المتاخمة باي شكل من الاشكال وكذلك عدم القاء الردميات من اتربة او صخور او نفايات او احداث تلوث في الاملاك العامة البحرية او البحر.
-المخالفة الثامنة: إزالة الوحدة العقارية برغم استناد رخصة البناء على وجود وحدة عقارية غير قابلة للتجزئة(..)
لذا، يقتضي ابطال الترخيص حكما لمخالفة المادة 25 من قانون البناء وعملا بقاعدة ان “الغش يفسد كل شيئ”(..)
ان الشركة صاحبة المشروع قد بنت اكثر من ضعفي مساحات البناء القانونية المسموحة في المنطقة، ما يناقض ابسط شروط التنظيم المدني والادارة السليمة للاراضي الوطنية، ويشكل أضرارا اكيدة للمصلحة العامة ولمصلحة اصحاب العقارات المجاورة، ولا نعتقد ان مخالفة بهذا الحجم يمكن ان تخضع لتسوية مهما كانت الظروف.
آلية التعيينات
على صعيد آخر، انقسم مجلس الوزراء امس حول مقاربة آلية التعيينات، بين فريق “اقلوي” يدعو الى تعديلها ويضم بشكل اساسي التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، وفريق “اكثري” يرفض هذا الطرح وعلامته الفارقة انه يجمع القوات اللبنانية مع حزب الله وحركة امل وتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي إضافة الى الحزب التقدمي الاشتراكي.
تجدر الاشارة الى ان آلية التعيينات المعتمدة حاليا تعطي دورا لمجلس الخدمة المدنية ووزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية، الى جانب الوزير المختص، في اقتراح ثلاثة مرشحين الى المركز الوظيفي ورفعها الى مجلس الوزراء، كي يختار أحدهم.
ويطالب “التيار الحر” و”المستقبل” بإعادة النظر في هذه الآلية، على قاعدة ان يعود للوزير المختص حصرا ترشيح الاسم الذي يعتقد انه الافضل، كي يتولى مجلس الوزراء البت به، وذلك بغية اختصار الوقت الذي يستغرقه التعيين وصولا الى تفعيل عمل الدولة. ويدعو الطرفان الى ان تكون الآلية الراهنة اختيارية، على الاقل، بحيث يملك الوزير حرية اعتمادها او اقتراح الاسم مباشرة من قبله.
وطرح بعض الوزراء ترشيق الصيغة المعتمدة، في اتجاه ان يتم اختصار المهلة التي يستغرقها انجاز دورة الآلية الحالية، لتقتصر على شهر واحد يجري خلاله إتمام كل مراحل التعيين.
اما المعترضون على التعديل، فيعتبرون ان الآلية السارية المفعول تحمي الى حد كبير مبدأ الكفاءة والنزاهة، وتُضيق هامش المحاصصة والمحسوبيات.
وإزاء الانقسام في الموقف وتغليب التوافق على التصويت، ارجأ مجلس الوزراء حسم خياره في انتظار المزيد من البحث.
وقال مصدر وزاري ل”الديار” ان تعديل الآلية سيوجه رسالة سلبية عن مسار الدولة الى المواطنين اللبنانيين، كونه سيعيد فتح المجال امام تحكم المصالح السياسية والامزجة الشخصية بالتعيينات الادارية، وبالتالي سيقلص الفرص امام اصحاب الكفاءات والطاقات ممن لا يتبعون القوى الداخلية النافذة.
ويلفت المصدر الانتباه الى ان الطريقة المتبعة في الوقت الحاضر تسمح لمجلس الخدمة المدنية بان يرفع منسوب الكفاءة في التعيينات ويخفض منسوب التدخلات السياسية، خصوصا ان لديه ملفات الموظفين في داخل الملاك الرسمي ما يمنحه القدرة على اقتراح الشخص المناسب للمكان المناسب، كما انه يستطيع بخبرته ومعاييره المساهمة في اختيار الكفاءات المطلوبة من خارج الملاك.
السلسلة.. والموازنة
على صعيد الملفات الاخرى، يزور رئيس لجنة المال النائب ابراهيم كنعان الرئيس نبيه بري اليوم لاستكمال مناقشة مسألة الموازنة، ودرس امكان ادراجها على جدول اعمال الجلسة العامة المقبلة، انما مع ايجاد حل لاشكالية قطع الحساب ووقف خرق الدستور في هذا المجال، وفق ما تؤكد اوساط عين التينة.
اما سلسلة الرتب والرواتب التي ستتصدر أجندة الجلسة التشريعية المرتقبة، فستشكل اختبارا جديدا لمصداقية السلطة السياسية ولمدى جديتها في اقرار هذه السلسلة ومنح موظفي القطاع العام حقوقهم المكتسبة بعد سنوات طويلة من الاستنزاف في المؤسسات والشارع.
وكان نائب رئيس المجلس فريد مكاري قد اوضح بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس برئاسة الرئيس بري ان السلسلة هي البند الاول على جدول اعمال الجلسة العامة، مشيرا الى ان موعدها لم يحدد بعد، في انتظار التشاور بين بري والرئيس سعد الحريري استنادا الى مواعيد سفر الحريري.