Site icon IMLebanon

«عقدة» الاسرى كادت تطيح «بالتسوية».. اشتعل الميدان «رن الهاتف»: «الجماعة جاهزين»

ابراهيم ناصرالدين

بعد ساعات من تسليم «جبهة النصرة» الارهابية بقضاء حزب الله وقدره، وقبولها بشروط الاستسلام، رد مجاهدو المقاومة التحية الى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بتحية «احسن منها»، برسالة فيها الكثير من الحب، والوفاء، والطاعة لقيادة حكيمة لم تخذل ببصيرتها ووضوح رؤيتها مقاتلين اشداء، لم يخذلوا بدورهم ذلك السيد الذي ما كان ليعد بشيء لولا ثقته بقدراتهم والتزامهم.. وفيما يواصل مقاتلوا الحزب عملية تنظيف الجرود من مخلفات التنظيم الارهابي، بدأ المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الترتيبات العملانية لتنفيذ اتفاق اخراج «ابو مالك التلي» ومن تبقى معه من مسلحين مع عائلاتهم الى محافظة ادلب السورية.

وفي تفاصيل عملية التفاوض التي جرت «تحت النار»، اكدت اوساط معنية بهذا الملف، ان «جبهة النصرة» قررت الاذعان لشروط حزب الله بعد منتصف ليل الاربعاء الخميس، بعد ان اقتنع «ابو مالك التلي» ان «اللعبة» قد انتهت، ولا مجال للمناورة اكثر. كلمة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كانت حاسمة في بلورة موقفه، خصوصا ان سلاح المدفعية والصواريخ التابع للمقاومة اطلق عقب انتهاء الخطاب صليات من القصف المركز استهدفت المقر حيث يتواجد «التلي» مع قياداته العسكرية، وكانت «الرسالة» الامنية والعسكرية واضحة لجهة جدية حزب الله في اقفال هذا الملف سلماً او حرباً.

وبحسب تلك الاوساط، فان «امير النصرة» وضع نفسه في موقف لا يحسد عليه بسبب الحسابات الخاطئة التي ارتكبها منذ ان عرضت عليه التسوية قبل بدء المواجهة، حينها «تبرعت» قيادات في سرايا «اهل الشام» بنقل رسالة الى «التلي» تعرض عليه الخروج الآمن من الجرود، وبعد الموافقة يمكن الحديث عن شروط التسوية، لكنه رفض المبدأ وابلغ «الوسيط» ان التهويل بعمل عسكري لا يخيفه، وهو يدرك ان التسريبات الاعلامية والتحضيرات العملانية ليست جدية، ولن يقدم حزب الله على «مغامرة» خاسرة، وهو لذلك غير معني بتقديم اي تنازلات مجانية.

 «الانهيار»

وبعد بدء المواجهات، ومرور 48 ساعة على بدء الهجوم ادرك «التلي» ان كل شيء انتهى، سقوط مواقعه المتقدمة، وانهيار معنويات مجموعاته العسكرية، والتقدم السريع لعناصر حزب الله، كلها عوامل ادت الى «استنجاده» بوساطات محلية من داخل بلدة عرسال، وعندما شعر انه «مش ماشي الحال» والامور تحتاج الى رفع مستوى «الوساطة»، تدخلت احدى الشخصيات العرسالية المحسوبة على تيار المستقبل والمقربة من الرئيس الحريري، قام هذا الوسيط بالاتصال بالجهات التركية المعنية بهذا الملف للتدخل وابرام «صفقة» ما، لكن رد الفعل التركي جاء «باردا» للغاية، وتبين ان الاستخبارات التركية ليست في وارد التحرك السريع في هذا الملف. وتحت ضغط العمليات العسكرية دخل على «الخط» مصطفى الحجيري ابو «طاقية» وابلغ يوم الثلثاء «الوسيط» ان «الجماعة» يريدون التفاوض..

بعدها بساعات، نجح «التلي» بالتواصل مع القيادة المركزية في ادلب، واوصل «رسالة» «استغاثة» الى «امير» «جبهة النصرة» ابو محمد الجولاني، شرح له فيها الوضع الصعب، واكد له فيها ان كل مجموعاته معرضة للابادة اذا لم تحصل تسوية ما تنهي القتال، وقد حاول الجولاني مجددا مع الاتراك، لكنه تلقى ردودا غير مشجعة. في تلك الاثناء كانت حدة المواجهات ترتفع مع تكثيف المقاومة لضرباتها الصاروخية المركزة، بالتزامن مع تقدم ميداني سريع، عندها «رن هاتف» اللواء عباس ابراهيم وكان على الخط وسيط سابق كان معتمدا خلال عملية اطلاق سراح راهبات معلولا، وقال له «الجماعة جاهزين»…

 «سقوط» التسوية

ووفقا لتلك الاوساط، وافق «التلي» في الساعات الاولى على المغادرة مع مسلحيه وعائلاتهم، لكنه اشترط ان يأخذ معه «السلاح الثقيل»، والذهاب الى جنوب سوريا، وليس الى ادلب، فجاء الرد «الحاسم» من قيادة المقاومة، «نحن نقرر اين تذهب وليس انت»، لن تُخرجوا معكم الا السلاح الفردي، وقبل كل شيء لا تسوية دون الافراج عن «الاسرى» الخمسة، واي اخلال بهذه البنود تعتبر الصفقة لاغية.

بعد أخذ ورد، امتدت المفاوضات حتى الساعة الرابعة فجرا، وافق «التلي» على الخروج الى ادلب، والاكتفاء باخراج الاسلحة الفردية، لكنه ابلغ الوسيط ان «جبهة النصرة» ليس لديها خمسة اسرى للحزب، وانما ثلاثة، وهي مستعدة للافراج عن اثنين فقط.. عندها انهارت المفاوضات، وابلغت قيادة المقاومة اللواء ابراهيم بان يبلغ الوسيط بان التسوية قد الغيت، وانتهى الامر. عندها زاد الضغط الميداني بشكل غير مسبوق، فعاد الوسيط فجرا ومعه موافقة «النصرة» على اطلاق الاسرى الخمسة، وتم الاتفاق على وقف النار عند الساعة السادسة صباحا، على ان يتم تنفيذ التسوية خلال الايام المقبلة…

المقاومة تعهدت بعد الاتفاق مع الجانب السوري على تأمين خروج هؤلاء عبر طريق آمن الى ادلب، بعد ان يتم تقديم لوائح اسمية للامن العام اللبناني باسماء المسلحين وعائلاتهم المغادرة على ان يطلق بالتزامن اسرى الحزب، ويجري التنسيق لدخول الجيش اللبناني الى المخيمات في منطقة الملاهي ووادي حميد، وتبقى الترتيبات الخاصة «بسرايا اهل الشام» قيد التداول، مع اعلان هؤلاء استعدادهم لتسليم السلاح، والتفاوض مع الدولة السورية لاجراء مصالحات والعودة مع عائلاتهم الى الداخل السوري.

 «رسالة» المقاومين

في هذا الوقت واصل حزب الله عمليات التمشيط في جرود عرسال، ودخل مقاتلوه الى مركز العمليات الاضخم «للنصرة» في الجرود، وهي مغارة محصنة بمساحة 400متر، وتم اكتشاف مقبرة جماعية لمقاتلي «النصرة» سقطوا في المعارك، وفيما جال الشيخ محمد يزبك في الجرود، بعث المقاومين برسالة الى السيد نصرالله اكدوا فيها، العهد على الطاعةِ والولاء، وتوجهوا اليه بالقول «نفديك بالأموالِ والأنفسِ والأبناء، وتكفي إشارةٌ من إصبعِك لنخوضَ اللُّجج ونبذلَ المُهج ونقتحمَ بالموت على الموت فداءً لنهجك يا ابنَ رسولِ الله.»

تنسيق الجيش والمقاومة..

على المقلب الاخر وفيما تستكمل تحضيرات الجيش للمعركة مع «داعش»، لفتت تلك الاوساط الى ان المقاومة بحل من اي تفاهم ضمني قامت به بعض الجهات في الحكومة اللبنانية مع الادارة الاميركية بخصوص هذه الجبهة، اجندة المقاومة لا تحدد في واشنطن، وجدول اعمالها لا يضعه البيت الابيض او الكونغرس، هي ستكون حيث يجب ان تكون، ولن تترك الجيش وحيدا في المواجهة المرتقبة مع تنظيم داعش الارهابي في جرود رأس بعلبك والقاع، في الاصل التنسيق الذي بدا عملانيا خلال كل مراحل المواجهة مع «جبهة النصرة» مستمر وسيتواصل، ولا مجال لان يختبىء البعض وراء «خيال اصابعهم»، اي مساعدة تحتاجها المؤسسة العسكرية في المواجهة ستحصل عليها، ولا مجال اصلا لعدم التنسيق في المعركة، ففي الجانب السوري من الحدود مع المنطقة التي يحتلها التنظيم يوجد حزب الله والجيش السوري، وكذلك بات مقاتلو الحزب موجودون على الجانب الاخر من الجرود العرسالية، واي مواجهة ناجحة وحاسمة تحتاج لوضع مقاتلي «داعش» بين «فكي كماشة»، وهو امر يسرع في الحسم العسكري الذي بات قرارا متخذا وسيبصر النور قريبا، الا اذا قرر «امير داعش» المعروف «بابو السوس» الاتعاظ مما حصل مع نظيره في «النصرة» ابو مالك التلي.

 ووفقا لتلك الاوساط فان هذا الاحتمال لا يزال واردا، وهناك مؤشرات لم تكتمل فصولها بعد على امكانية حصول تسوية، لكن ثمة مسألتين اساسيتين تحتاجان الى الحسم قبل انضاج اي حل، الاولى تتعلق بمصير العسكريين اللبنانيين المختطفين، والثانية وجهة هؤلاء بعد ان ضاقت المساحة التي تسيطر عليها داعش في سوريا والعراق، مع العلم ان حزب الله ابدى استعداده لتأمين ممر آمن لهؤلاء باتجاه البادية السورية.

 زيارة واشنطن

واصل الرئيس سعد الحريري الذي كرر مواقفه بعدم الموافقة على ما يقوم به حزب الله في جرود عرسال، واصل لقاءاته في واشنطن ، وتركزت اتصالاته في الساعات القليلة الماضية على مسالة العقوبات الاميركية التي تناقش في الكونغرس ضد حزب الله، ووفقا لاوساط مقربة من رئيس الحكومة، لا تبدو الاجواء مريحة وهي غير مشجعة، وقد خرج الرئيس الحريري بعد لقائه مع النائب الاميركي من اصل لبناني داريل عيسى اكثر تشاؤما، ولم يخف عيسى نفسه في هذه الاجواء عندما اكد بعد الاجتماع ان «ما كتب قد كتب» ولا مجال لادخال تعديلات على مشروع القانون الذي يحاول الحريري حصره بحزب الله ومنع توسيع مروحته على قطاعات مصرفية ومالية او اشخاص خارج دائرة الحزب، ورئيس الحكومة الذي صرح بان همه الاول هو تأمين حماية لبنان، وزيادة المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، قرر تمديد زيارته الى اليوم الجمعة لاجراء المزيد من الاتصالات مع اعضاء في الادارة الاميركية والكونغرس.

 الانتخابات الفرعية

لا تزال الاجواء «ضبابية» حيال اجراء الانتخابات الفرعية في شهر ايلول المقبل، في ظل عدم وجود رغبة عند رئيس الحكومة سعد الحريري باجرائها، وبحسب اوساط وزارية بارزة، فان تيار المستقبل غير مطمئن الى النتائج في مدينة طرابلس، ولا يريد ان يخوض غمار معركة خاسرة قد تؤثر على الانتخابات النيابية المقبلة، في المقابل يصر رئيس الجمهورية ميشال عون على اتمام الاستحقاق الانتخابي ولا يريد ان يسجل على عهده «دعسة ناقصة» من خلال مخالفة الدستور والقوانين المرعية الاجراء، وقد ابلغ عون وزير الداخلية نهاد المشنوق بموقفه خلال اللقاء في بعبدا امس، وقد اشار وزير الداخلية الى ان مهلة دعوة الهيئات الناخبة تنتهي في 17 آب، ولا توجد اي مشاكل لوجستية تحول دون اتمام العملية الانتخابية، لكن الامر يحتاج الى حسم سياسي، والقرار يعود الى الرئيس الحريري. وبحسب تلك الاوساط فان رئيس الجمهورية سيفاتح رئيس الحكومة بالامر بعد عودته من واشنطن، ليتم بعدها التفاهم في الحكومة على الاجراءات القانونية والمالية اللازمة لاتمام الاستحقاق.