رضوان الذيب
ظاهرها خلاف مالي، وباطنها خلاف بين نهجين على التوجهات والبرامج والانتخابات وما بعد الانتخابات، والحصص والاحجام بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وكيف اذا دخلت عليها «كاريزما مفقودة» بين الرجلين؟ منذ ما قبل وصول الرئيس العماد ميشال عون الى بعبدا، وتعمقت بعد وصوله على مختلف الملفات، وتمكن حزب الله بشخص امينه العام السيد حسن نصرالله من ضبط الخلاف وعدم وصوله الى مرحلة القطيعة الشاملة واغراق البلاد بالمزيد من الفوضى.
الخلاف بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري متشعب ويطال القوى السياسية الاساسية في البلاد، «فوليد بك» مع الرئيس نبيه بري في كل مواقفه من بعبدا، وهواجس جنبلاط من الرئيس عون وفريقه تتعدى «باميال واشواط» هواجس الرئيس نبيه بري، لكن ما يقلق بري وجنبلاط وحيرتهما المشتركة موقف الرئيس سعد الحريري المنحاز الى الرئيس عون بالمطلق، واذا كانت خطوط التواصل «خجولة» بين بري والحريري، فهي مقطوعة بين الحريري وجنبلاط، رغم حرصهما على «اخفاء» القطيعة وعدم انفجارها، وهذا ما دفع جنبلاط للقول في مجالسه «اذا كان الحريري يعتقد اننا نحتاجه انتخابيا في اقليم الخروب فهو بحاجة لنا في البقاع الغربي»، وانضم النائب سليمان فرنجية الى بري وجنبلاط في حربهما المفتوحة ضد العهد، اما الدكتور سمير جعجع فسيعمل على «القطعة» والتحالفات حسب المناطق والمواقف حسب الملفات، لكنه سيخوض مع جنبلاط معركة ضد التيار الوطني في الجبل، اما حزب الله فحريص على الاستقرار ولملمة حلفائه واستمرار التسوية القائمة في ظل ادراكه لمخاطر تطورات المنطقة.
العلاقة بين الرئيسين عون وبري، «ليست رمانة بل قلوب مليانة». وهناك هواجس من «الصهر» وكلام عون وباسيل عن مرحلة جديدة بعد الانتخابات النيابية، وعهد جديد وبداية قيام الدولة، ومن المقصود بكلامهما؟ هل تحجيم بري وجنبلاط وفرنجية؟ حيث يستعد «الثلاثي» لخوض معركة انتخابية بكل ثقلهم لا تسمح لاي قوة بتجاوزهم وتسمح لهم ربما بتكرار مشهد انتخابات عام 2000 حيث فاز محور الرئيس رفيق الحريري وجنبلاط على فريق الرئيس اميل لحود، وتم فرملة عهده ووضع ضوابط لكل مشاريعه تحت سقف توازنات الانتخابات النيابية في ذلك الوقت. فهل يتكرر السيناريو رغم اختلاف الاسماء؟
وحسب مصادر متابعة، فان المواجهة بين عون وبري غير متعلقة بملف سلسلة الرتب والرواتب الذي سيتم حله، ولكن الخلاف لن يتوقف وسينفجر مع ملفات النفط والكهرباء وغيرهما. وكل «سفرجلة بغصة» فلا تطبيع في العلاقة، وسلسلة الرتب والرواتب ليست مستعصية على الحل، وهناك آلاف «البدع» اللبنانية ووحده المواطن يدفع الثمن في ظل الشلل الشامل، جراء الاضراب العمالي المستمر منذ الاثنين الماضي وسيتواصل حتى الخميس، ويتقرر مصيره مع جلسة مجلس الوزراء.
القطاعات العمالية حصلت على «جرعات دعم» قوية من حركة امل للاستمرار بالاضراب، وهذا ما عبر عنه مسؤولو «امل» في المجالس العاشورائية وكلامهم الداعم للتحركات العمالية.
فالرئيس نبيه بري وحسب المصادر، حمل السلسلة، على «ظهره» منذ سنوات وهو «بي السلسلة»، اذا كان العماد عون «بي الجميع» وتمكن من اقرارها رغم امتعاض التيار الوطني، عبر ضرائب لا احد يعرف كيف يمكن استيفاؤها؟ وبالتالي، نصب «كميناً» محكماً لها.
وحسب المصادر، استبشر الجميع خيراً، بعد اقرار السلسلة، والتفرغ لملفات اخرى، حتى جاء طعن النواب العشرة الى المجلس الدستوري بقانون الضرائب، وفجر الدستوري المفاجأة، بابطال كل المشروع وهذا ما دفع الرئيس بري الى حد الايحاء بوجود «بصمات عونية» وراء القرار، وعادت الخلافات حول كيفية رسم الحل الجديد تحت سقف قرارات المجلس الدستوري؟ علماً ان الرئيس عون ابدى «امتعاضه» من السلسلة وطريقة «سلقها» واكد انه مع فرض الضرائب من خلال الموازنة، وليس من قبل المجلس النيابي.
وحسب المصادر، ان الخلافات تتركز حول وجهتي نظر، الاولى يتبناها الرئيس نبيه بري لجهة اقرار مشروع قانون ضرائب جديد يلحظ اعتراضات الدستوري المتعلقة بالمادتين 11 و17 حول الازدواج الضريبي للمهن الحرة وتحديداً نقابتي المحامين والاطباء، وحجم المبلغ في هذه الضريبة لا يتجاوز الـ30 مليار ليرة، والاملاك البحرية، وترسل الحكومة هذه التعديلات الى المجلس النيابي لاقرارها ودفع السلسلة، ولا تسمح التعديلات بنجاح اي طعن جديد من قبل 10 نواب للمجلس الدستوري، وهذا ما رفضه وزراء التيار الوطني الحرّ.
وحسب المصادر، فان الاتجاه الثاني يتمسك به وزراء التيار الوطني الحرّ لجهة ادخال الضرائب بالموازنة، والدستور لا يسمح للمجلس النيابي باقرارالضرائب والتصويت عليها، الا من خلال الموازنة وتمسكوا بذلك، وتقدم وزير العدل سليم جريصاتي باقتراح لاقرار الموازنة سريعا عبر تعليق العمل بالمادة 87 من الدستور لثلاثة اشهر المتعلقة بقطع الحساب، وهذا يسمح باقرار الموازنة وادخال الضرائب فيها، وبالتالي تعليق موضوع قطع الحساب حتى اقرار الموازنة، وهذا الطرح رفضه الرئيس نبيه بري جملة وتفصيلاً، مؤكداً، ان تعديل اي بند دستوري من حق المجلس النيابي ورئيسه وهذا خرق للطائف.
بري: ما يحصل تجاوز للمجلس ورئيسه
واكد بري ان سلسلة الرتب والرواتب حق وواجب ليس من اليوم ولا من الامس انما منذ سنوات، مشدداً على انه كنت ولا ازال متحمساً للسلسلة واقول التهمة ولا انكرها وهذا شرف ادعيه.
وفي دردشة مع الاعلاميين، شدد بري على ان تفسير الدستور يعود للمجلس النيابي وحده وللمجلس النيابي فقط، واعتبر ان ما يحصل هو تجاوز وتجرؤ على المجلس النيابي واعتداء على صلاحيات رئاسته وخرق للطائف بل بداية قتله، وفيما يتعلق بقرار المجلس الدستوري رأى بري ان القضاء على حق حتى لو لم يكن على حق، وهذه المرة كان على حق وليس على حق.
وتابعت المصادر ان النقاشات في جلسة مجلس الوزراء، تشعبت من كل الوزراء حول هذين التوجهين دون اي حل، في ظل تمسك وزراء التيار الوطني الحر وامل بمواقفهما، وهنا حصلت مشادة عنيفة بين الوزيرين يعقوب الصراف المحسوب على الرئيس عون ويوسف فنيانوس المحسوب على النائب فرنجيه، حيث طلب الصراف مهلة 24 ساعة لدراسة قرار المجلس الدستوري، فرد فنيانوس «بدك 24 سنة لتفهم القرار ومضمونه»، فاحتج الصراف على الكلام، وحصلت مشادة انهاها الرئيس سعد الحريري.
وفي ظل هذه الاجواء، اقترح الرئيس سعد الحريري استمرار المشاورات، على ان تعقد الجلسة المقبلة برئاسة رئيس الجمهورية في بعبدا لاخذ القرار النهائي بشأن السلسلة، علما ان الحريري ومعه القوات اللبنانية متمسكان بعدم دفع السلسلة بدون ضرائب كي لا يصبح لبنان يونان ثانية، اما الوزير علي حسن خليل، فمع دفع السلسلة في ايلول واعّد الجداول لذلك. وتشير المصادر الى ان الحكومة اذا قررت صرف الرواتب في ايلول على السلسلة الجديدة فهي امام خيارين، اما الاستدانة من مصرف لبنان او الصرف من حسابها المجمد في المصرف المركزي والذي تبلغ قيمته ثمانية الاف وستمئة مليار ليرة لبنانية، وقد تخسر نسبته من الفوائد وبعدها يتم تمرير قانون الضرائب واقرارها قبل شهر تشرين الثاني.
وزير العدل سليم جريصاتي اكد ان التسوية ما زالت بعيدة، رغم تأكيد معظم الوزراء ان السلسلة باتت حقاً للمواطن وهو سيقبضها مع مفعول رجعي بدءا من 21 اب الماضي.
لكن مصادر سياسية، جزمت ان ما يحصل من خلافات سيبقى تحت سقف التسوية القائمة منذ انتخاب الرئيس عون والحكومة لن تستقيل لا على خلفية الرواتب او على خلفية لقاء المعلم وباسيل والانتخابات ستجري في موعدها في 21 ايار 2018. والرئيس الحريري حريص على ابتداع المخرج وتدوير الزوايا خلال جلسة الخميس. لان اوضاع البلد لم تعد تتحمل استمرار الاضراب وشلل اوضاع الناس الحياتية، وجزمت هذه المصادر، ان سقف الاشتباك اسياسي سترتفع وتيرته مع قرب الانتخابات النيابية لانها مفصلية واساسية لجميع القوى في ظل القانون الجديد، والنسبية، والصوت التفضيلي وتأكيد جميع الاقطاب السياسيين في مجالسهم على وصف القانون الانتخابي بالسيء جداً والمشوه وغير المفهوم، وكل القوى السياسية الاساسية تعرف بانها ستخسر مقعدين او ثلاثة باستثناء القوات اللبنانية التي تجزم ان حصتها سترتفع الى 13 نائبا او اكثر او اقل بنائب. فيما الاشتراكي يعترف بوضوح ان كتلته النيابية بقيادة تيمور جنبلاط ستكون بين 7 الى 8 نواب.
الجميع بانتظار جلسة الغد، فهل يتم الحل، بعد شعور معظم الاقطاب بالمأزق وبقاء الاوضاع على ما هي عليه ليست لمصلحة البلد والجميع خاسر، ام تنتصر «النكايات» السياسية ويتم تمديد الازمة حتى وجود حل على قاعدة لا غالب لا مغلوب بين الرئيسين عون وبري.
ما يحصل يؤكد ان ازمة البلد ليست ازمة رواتب وقضايا ادارية بل ازمة نظام برمته. اصبحت عملية تجميله تكاد تكون مستحيلة، والمسكنات لم تعد تنفع اذا بقيت شؤون «العباد» تعالج بهذا المنطق.