رضوان الذيب
كم كان الرئيس سعد الحريري موفقاً في توصيفه لعلاقته بالتيار الوطني الحر «بالممتازة» اثناء جولته في طرابلس برفقة الوزير جبران باسيل ومخاطبته وسط مناصري المستقبل «يا جبران من كان يتصور ان تكون معي في طرابلس ويحصل هذا التحول بيننا ونجحنا في تحصينه» فالتوافق بين الحريري وباسيل يتطور ويتقدم بخطى ثابتة متجاوزاً كل القوى السياسية، وبالتحديد القوات اللبنانية «مسقطا« كل المحرمات» التي طبعت العلاقة بينهما منذ الـ2005 وقبلها، وصلة الوصل بين الطرفين نادر الحريري الذي تربطه بباسيل علاقة جيدة تسمح بتجاوز كل الخلافات وبضوء اخضر من سعد الحريري، فيما علاقة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تتراجع وتتعرض «لهزات» يومية، لا يمكن اخفاؤها مهما فعل الطرفان من اجل ذلك.
فالقوى السياسية في 8 و14 آذار، وحلفاء الطرفين، محتارون في اعطاء تفسير للتوافق الذي أسقط بلحظات كل تحفظات سعد الحريري على التشكيلات القضائية وعلى القاضي بيتر جرمانوس، وملاحظات تيار المستقبل عليه، والتنازل عن حفظ دور القاضي صقر صقر، واعلنت التشكيلات بعد زيارة وزير العدل سليم جريصاتي والقاضي جرمانوس الى الرئيس الحريري، وقد «هندس» التسوية الوزير جبران باسيل ونادر الحريري باتصالات مكثفة، رغم ان التشكيلات في جزء منها جيدة، لكن اعترتها مخالفات عديدة وتحفظات من القوات اللبنانية وعدد من القوى السياسية.
وذكرت اوساط سياسية، ومن خلال معلومات تداولها نواب وقادة آخرون، ان مسؤولين في الحكم تدخلوا في التشكيلات القضائية، وهذا يؤثر على استقلالة القضاء، وامتياز لبنان قائم على مؤسسات سواء في رئاسة الجمهورية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية المستقلة، وعندما تتدخل السياسة في التشكيلات القضائية فانها تضرب استقلالية القضاء، مع العلم ان قضاة نزيهين جداً جاءت بهم التشكيلات الى مراكز هامة، لكن هناك ثغرات في التشكيلات القضائية جاءت جراء التدخلات السياسية، وهذا يؤثر على دولة المؤسسات والقانون.
وفي ملفات العلاقة الجيدة بين «التيارين البرتقالي والازرق» الكهرباء، وبواخر الكهرباء، ودعم تيار المستقبل للحل المقترح من وزير الطاقة سيزار ابي خليل، رغم اعتراضات القوات اللبنانية والاشتراكي وحزب الله على «المناقصات» وكيفية تمريرها، وكل الاعتراضات لم تجعل تيار المستقبل بشخص رئيس الحكومة يتراجع عن دعمه لخطة باسيل الكهربائية.
وفي موازاة خطة الكهرباء، فان الاعتراضات العونية على اقرار الموازنة، قبل معالجة قطع الحساب وكيفية صرف الـ11 مليار دولار في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، والابراء المستحيل، طارت «بلحظات» بعد ان اخذ رئيس الجمهورية كونه رئيساً للبلاد على عاتقه الدستوري بحل ملف «قطع الحساب» بعد اقرار موازنة 2017، وعدم الدخول في تعديل المادة 87 من الدستور المتعلقة بقطع الحساب، ووافق مجلس الوزراء على ذلك، رغم الاعتراضات بعد اللجوء الى التصويت، وانتهت خلافات الخمس سنوات على الموازنة «بدقائق معدودات» رغم المخالفة الدستورية المرتكبة، وانتصر التوافق بين التيارين الوطني الحر والمستقبل والموازنة ستقر الاسبوع المقبل، تحت حجج الحفاظ على الوضع المالي للدولة.
كما ان العلاقة الجيدة بين الطرفين سمحت بتمرير، موازنات سرية لرئاسة الحكومة بـ 25 مليار ليرة لبنانية، وسمحت باعطاء تلزيمات لوسام عيناتي المقرب من الرئيس الحريري، دفاتر السوق والتحضير للانتخابات النيابية وقريبا معاينة الميكانيك، وكذلك سمحت التوافق بين الطرفين بانجاز التشكيلات الديبلوماسية واخذ فريقا الحريري وجبران باسيل حصة الأسد للعواصم الكبرى وتحديداً في باريس وواشنطن، وبالتالي هناك من يتحدث عن ثنائية سنية – مسيحية على الصعيد الاداري الداخلي لجهة التعيينات وغيرها، والملفات يدرسها مستشارون من الطرفين.
في المقابل فان الرئيس الحريري «وكرمى للتوافق» صمت كلياً على لقاء باسيل – المعلم من اجل صمود التسوية وعلى مواقف باسيل في جامعة الدول العربية وعلى مواقف الرئيس عون غير المؤيدة للرياض بل على العكس تحدث عن تحالفات انتخابية في العديد من الدوائر، كون الرئيس الحريري يريد البقاء في رئاسة الحكومة طوال عهد الرئيس عون والمدخل الى ذلك علاقات جيدة مع بعبدا.
العلاقة بين عون وجعجع
وفي مقابل صمود ثنائية عون – الحريري، فان تحالف الرابية – معراب يهتز يومياً، نتيجة رؤية متباعدة للطرفين في ادارة الامور الداخلية باعتراف مسؤولي التيار والقوات وتأكيدهما على وجود خلاف جذري حول ادارة الشأن العام، مع الحرص على عدم تصدّع ورقة معراب استراتيجياً كي لا تنعكس خلافات داخلية على المسيحيين والعودة الى توترات المرحلة الصعبة.
الملفات الخلافية بين الطرفين عديدة وتبدأ من التشكيلات القضائية، الى الكهرباء، الى التلزيمات بالتراضي، كما ان العهد لن يفرج بعد عن مجلس ادارة تلفزيون لبنان كما اقترحه وزير الاعلام القواتي ملحم رياشي بالاستناد الى آلية مجلس الخدمة المدنية، واجـراء امتحانات لـ117 مرشحا وتسمية الاوائل الثـلاثة ورغم ذلك فان الحل لادارة تلفزيون لبنان معطّل نتيجة مقايضات يطلبها العونيون في الوكالة الوطنية للاعلام، وقد وعد الرئيس عون بحل الاشكال بعد عودته من نيويورك لكن الدخان الابيض لم يخرج حتى الآن، وعُلم ان التوافق تم على توفيق طرابلسي لرئـاسة مجـلس الادارة لكن لم يحصل اي شيء جديد حتى خطة الرياشي لانشاء نقابة محررين عصرية ودعم الصحافة المكتوبة لم تبصر النور ايضاً وهذا كله يجري في اطار العرقلة لعمل وزراء القوات المشهود لهم بالكفاءة، فيما ملفات اخرى يتم تمريرها بمجرد التوافق بين التيارين الازرق والبرتقالي.
وفي المعلومات ان العلاقة بين القوات والتيار الوطني «ليست رمانة بل قلوب مليانة» وربما عدم مساعدة وزراء القوات يعود للاستياء العوني من تفرّد القوات اللبنانية بتسمية مرشح لها في قلب «بيت باسيل» في البترون، ومرشح آخر في قلب «بيت التيار» في جزين ومرشح ثالث في دائرة بعلبك – الهرمل واعلان الدكتور جعجع من زحلة «القوات تفضّل خوض الانتخابات منفردة وهذا أفضل للجميع»، لكن القوات اعلنت انها ستخوض الانتخابات مع جنبلاط في عاليه والشوف في مواجهة التيار الوطني وبالتالي ستشهد معظم الدوائر المسيحية معارك عنيفة بين القوات والعونيين في مقابل تحالفات بين المستقبل والتيار الوطني في العديد من الدوائر وتحديداً في عكار والشمال، هذه التطورات لن تبقى التحالف المسيحي صامداً بالرغم من كل المحاولات للحفاظ عليه، لكن التباعد اقوى من التقارب حالياً، على صعيد معظم ملفات ادارات الدولة والتعيينات ولا بد من انتظار الاسابيع المقبلة حتى يتبلور شكل التحالفات وعندها ستظهر الامور، لكن الرئيس الحريري اخذ خياراته الواضحة بالاستقلالية عن حلفاء السنوات الماضية والصعبة ومرحلة 14 آذار وتحديداً القوات اللبنانية والاشتراكي لصالح التقارب مع رئيس الجمهورية حتى أنه اعلن بوضوح «ان التحالفات الماضية لا يجب ان تبقى جامدة» فيما التيار الوطني متمسك بالعلاقة الاستراتيجية مع حزب الله وسوريا لكن ذلك لن يأتي على حساب تطور العلاقات مع المستقبل فالتحالف العوني – الحريري ثابت داخلياً ولن تهزه رياح التباينات حول النظرة للعلاقة مع السعودية وسوريا فيما تحالف عون – جعجع يمر بمرحلة عسيرة وصعبة.