عزّة إبراهيم الدوري هو الرجل الذي افترض كل من حوله في قيادة «البعث» العراقي، منذ نحو 15 عاماً، أنه سيكون أول الراحلين، فإذ بهم جميعاً، يرحلون قبله.
الصورة الشهيرة التي وُزّعت في مطلع الألفية الثانية، أوحت في بغداد وخارجها، أنها المقدّمة لإعلان «وفاة» عزّة الدوري: صدام حسين جالس الى جانب سرير في مستشفى ما. وعلى السرير عزّة الدوري ممدد على طوله. مغلق العينين ومسبل اليدين.. والخلفية العامة أن الرجل في النزع الأخير نتيجة إصابته بمرض عضال لا دواء له ولا شفاء منه!
لكن كان للقدر حسابات أخرى: عاش الدوري ليشهد سقوط العراق وبغداد والنظام وصدام ومعظم أعضاء القيادة الحزبية الواحد تلوَ الآخر. بل عاش «ليقود» جانباً مهماً من كل العمليات والمواجهات العسكرية التي تلت حرب العام 2003. وقارب دوره في الآونة الأخيرة أن يكون مفصلياً بكل معنى الكلمة. حيث يعتبره كثيرون صلة الوصل المركزية بين البعثيين القدامى وضبّاط الجيش العراقي (السابق) والأحجية المسماة «داعش». بل ان كثيرين يعتبرونه أبرز مهندسي الحالة الداعشية و»المنسق» الأول للتواصل بينها وبين سلطة بشار الأسد من جهة، وغرفة العمليات الممانعة التي تقود المواجهة المفتوحة لمنع سقوط تلك السلطة.
خبرية النقشبندية التي نُسب إليه اعتناقها والتحرك تحت بيرقها تشبه النكتة الثقيلة، تماماً مثلما كانت خبرية التصوّف في بداياته المتواضعة جداً. الأساس، ان الدوري كان صدّاميًّا حتى العظم ولا شيء آخر.. بعد رحيل معلّمه وملهمه لجأ الى سوريا وبقي فيها. وتمكن من لعب دور، ستكشف الأيام معظم تفاصيله، في تجميع بقايا البعثيين والعسكريين وتوجيه الجزء الأكبر من تحركاتهم على مدى السنوات الماضية.. والواضح انه، وهو الذي كان موضع تندّر وموضوع نكات لا تنتهي حتى عندما كان «نائباً» للرئيس العراقي، أظهر «قدرات» تنظيمية مفاجئة ولم تكن مرئية بوضوح (وهذا طبيعي!) أيام صدام.
الطريقة التي قُتل فيها تدلّ على ذلك. فهو لم يُحاصر في منزل مهجور أو في مزرعة نائية، بل استهدف على الأرض وفي ذروة المواجهة الميدانية الراهنة الجارية في وسط العراق وشماله، ومع مجموعة عسكرية مواكبة له!
بائع الثلج، مثل صنوه الآخر طه ياسين رمضان الذي قضى قبله بسنوات وبحبل المشنقة، تميز في المراحل الأخيرة التي سبقت انهيار النظام البعثي، بنزق مميّز، كانت وحدة من أبرز محطاتها العلنية تطاوله المخزي على دولة الكويت وقيادتها في القمة الاسلامية الاستثنائية التي عقدت في الدوحة في آذار 2003.
.. الدوري كان «مثالاً» عن طبيعة «القيادة» التي حكمت وتحكّمت بالعراق وحوّلته الى كارثة لم تُقفل بعد!