لا يزعج نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي أن يكون «منظّر العهد ورأس الحربة فيه أيضاً». تستنظر منه صوغ القوافي، لا أن يحكي على معادنها ولذا تراه يتحدث عن «متآمرين على البلد» من دون الإفصاح عن هويتهم، يذهب بعيداً في التبشير بالاستقرار ومطمئناً على مستقبل الحكومة. غارفاً من معين الدستور المفتوح على مكتبه ليتحدث عن المادة 94 لا سيما في الشق المتعلق بمقتضيات الوفاق الوطني التي يجب أن «تراعى في التعيينات الإدارية لما دون الفئة الأولى»، ملاقياً بذلك رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ويزيد: «هذه حقيقة البلد».
«نداء الوطن» أجرت جولة أفق مع نائب رئيس المجلس، لاحظ في مستهلها وجود «أطراف راهنت على أن يأخذ الانقسام مداه (إثر حادثة قبرشمون) بما يرتب مشروعاً سياسياً عنوانه إسقاط المرحلة»، أما خلفيات الصراع فهي حسبما يراها تتصل «بمعركة رئاسة الجمهورية».
حول حادثة قبرشمون يقول: “طالما أنّ المسار القضائي أخذ بعده فلا مشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية هي في ضرورة صيانة الشق السياسي من المسألة لوضع حد نهائي لهذه الجريمة”. لا ينكر أنّ الوقائع أظهرت وجود أزمة ثقة وتباعد بين السياسيين “لكنّ التباعد ليس مهماً بين الأطراف السياسية إنما الأهم توافق القوى السياسية بقناعة وعمق على أنّ الصراع هو صراع سياسي وليس صراعاً أمنياً ولا عسكرياً”.
خلفيات الصراع
وانطلاقاً من قناعته بأنّ أي طرف لا يمكنه إلغاء الآخر في لبنان، يلفت الفرزلي إلى أنّ “للجبل خصوصياته نظراً للواقع الذي نشأ في أعقاب حرب الجبل قبل 30 سنة (…) هناك قوة تتمثل بوليد بك جنبلاط إستقرت على معطى أنه المرجعية الوحيدة التي لا لبس فيها تضم الكل تحت سقفها، لكن قانون الانتخاب الأخير أحدث معطىً جديداً تمثل في دخول قوى سياسية على المعادلة السياسية بما يوجب إرساء تفاهم ما في الجبل”. وفي هذا السياق يرى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “أقدم على الإمساك بناصية الأمور ووضعها على سكة هذا التفاهم” خصوصاً وأن “بعض الأطراف راهن على أن يرتّب الانقسام مشروعاً سياسياً عنوانه إسقاط المرحلة وهذا أمر لم يتم ولن يتم”، وإن كان بدا في المقابل متخوفاً “في ظل الصراع السياسي الراهن مما سيلي هذه المرحلة، لا سيما وأنّ خلفيات الصراع تتمحور لدى الكل حول معركة رئاسة الجمهورية”.
مرحلة دخلناها بالفعل، بحسب الفرزلي، وهي قائمة في “خلفيات تفكير كل الأطراف”. يتفهم “نقد جبران باسيل” في بعض الأمور ولكن في أمور أخرى يعتبر أنّ هناك حملة “أوفر دوز” على باسيل. فهو مثلاً يرفض منطق القائلين بأنّ العهد هو عهد جبران باسيل وليس عهد ميشال عون “فهذا الكلام يحمل في طياته نوعاً من تفسير متحامل جداً على العهد وليس فقط على جبران باسيل ويستهدف ضرب الاثنين معاً”. وما محاولات الحملة الإعلامية الهادفة إلى تحويل باسيل إلى عبء على العهد والبلد سوى “تمهيد لشيطنة صورته وضربه على مستوى مستقبله السياسي بالتحديد في ما يتصل برئاسة الجمهورية”.
لدى الفرزلي انطباع راسخ بأن “قيادة ميشال عون للجمهورية هي قيادة في أعلى أنواع الفعالية بدليل ما حدث في المصالحة الأخيرة، والقرار في القضايا الاستراتيجية التي تهم الدولة ورئاسة الجمهورية هو قرار ميشال عون أما إذا كان المطلوب منه قمع جبران باسيل لإثبات أن العهد هو ليس عهده فهذا أمر لا يمكن لميشال عون أن يقدم عليه”.
وهل يعني دفاعه عن باسيل أنّ كل القوى على خطأ، فيما هو المعصوم عن الخطأ؟ يجيب الفرزلي بسرعة: “لم أقل إنه لم يخطئ، وأنا نظرتي لأسلوب التعاطي الذي حصل اخيراً مختلفة عن نظرة جبران. فكل شخص منا يخطئ ويصيب ولكن الحملة الموجودة التي تستهدفه تتجاوز مسألة الخطأ والصواب وهدفها القضاء على استمرارية هذا الدور للتيار الوطني”.
قانون الانتخاب
عرّاب “القانون الارثوذكسي” سلّم اللجان المشتركة اقتراح قانون تقدمت به كتلة الرئيس نبيه بري، ويقول: “اطلعتُ عليه إلى حد ما ولكن من المبكر الحديث بتفاصيل الاقتراح وإبداء الرأي بشأنه. وأنا بصفتي رئيس لجان مشتركة سأقوم بالاتصالات اللازمة للبدء بنقاش الاقتراح عما قريب”.
وعما اذا كان يرى ان هذا الإقتراح سيلقى قبولاً من البعض خصوصاً وأنه ألغى الصوت التفضيلي، يجيب: “الصوت التفضيلي وسيلة وليس هدفاً وغايته تمكين الطوائف من أن تأتي بممثليها الحقيقيين، وأي قانون ثان يؤدي إلى تحقيق هذا الهدف أو إلى تطوير النظام يكون قابلاً للأخذ به”.
يبقى المؤكد بالنسبة إليه أنّ “النسبية ثابتة لا تنازل عنها ولكن لبنان دائرة واحدة مسألة يلزمها نقاش حول المقترح تحت سقف الدائرة الواحدة وهل تتأمن مسائل مثل منع المنطق العددي أن يسيطر أم لا؟ كلها أسئلة مهمة وستدرس بدراية، لكن أهمية الاقتراح أنه أعطى مجالاً لدراسة قانون الانتخاب بروية على مدى سنوات كي لا يفاجأ المواطن قبل أيام بقانون جديد”.
يصف العلاقة بين رئاستي الجمهورية ومجلس النواب بـ”الممتازة ولا تشوبها شائبة”. أما العلاقة بين بري وباسيل فهي “علاقة بين رئيس مجلس وزعيم سياسي، أحياناً يحصل توافق سياسي حول بعض النقاط وأحيانا أخرى يحصل تباعد ولكن تحت سقف العلاقة الجيدة التي يصونها الود والاحترام”.
الحكومة لن تقع
واثق من أن الحكومة ستكون بمعزل عن أي هزات جديدة “ولا أحد يراهن على سقوطها لأنها لن تقع، والممسك بها هو مصلحة البلد العليا والقيادات السياسية”. يصف رئيسها سعد الحريري بأنه “الأقوى ولا أحد يمكن أن يسحب من صلاحياته، بينما الكلام المقابل غايته تحريض الحريري للتحرر مما أسموه التسوية”، وبشدة يعارض “الهجوم الذي تعرض له الرئيس الحريري وهو في أميركا” ويقول: “يجب الاستفسار منه عن طبيعة اللقاءات التي أجراها في واشنطن والاستماع إلى وجهة نظره بالحوار الذي دار، فالرئيس الحريري قد يدلي بدلوه هناك لتحقيق مكاسب أخرى في أماكن أهم لتحقيق الاستقرار، بينما الكلام السلبي لا يقدم ولا يؤخر”، متابعاً: “الرئيس الحريري زعيم سياسي يمثل مكوناً حقيقياً في البلد وهو رئيس وزراء يجب احترام مقامه وأعتقد أنّ هناك تفاهماً بينه وبين رئيس الجمهورية حول الزيارة وحول المواضيع الأساسية كترسيم الحدود والتوطين ودعم الجيش ودعم الاقتصاد”.
يتحدث عن “بعض القوى السياسية التي تعتقد أن تأزيم وضع البلد يصب في مصلحتها، وكانت مهمتها في أعقاب حادثة قبرشمون صب الزيت على النار”. فالقصة بالنسبة إليه “ليست قصة استحضار خطاب الحرب بل أن هناك حادثاً قد وقع والتعاطي معه كانت فيه محاولة لتأزيم الأمور والرهان على أنّ الرئيس الحريري سيخرج من التسوية ويعود للاصطفاف تالياً إلى سابق عهده ونرجع إلى الماضي على قاعدة الحرب مع الشيعة و”حزب الله”. هذه نظرة مراهقة طفولية سياسية حاول البعض الاستثمار من خلالها”.
ثمة فرق، بحسب الفرزلي، “بين أن لا يكون الوضع جيداً وبين أن يكون التعاطي غير جيد، فالاسلوب هو المهم وهناك تآمر على البلد”. ولكن من هو المتآمر على البلد يقول: “أنا لا أدين وأسمّي، واستنظري مني صوغ القوافي ولا تستنظري أن أحكي على معادنها. لن ينهار الوضع في لبنان والاستقرار سيكون سيد الموقف والتصنيف لن يضر بالبلد والرئيس الحريري يسعى إلى عودة السياح مع عودة الاستقرار، وما الاعتقاد بأن البلد يسير باتجاه الانهيار سوى وهم”.
لا يوافق المتحدثين عن خطاب طائفي لباسيل في ما يتعلق بالتعيينات الادارية، ويقول: “أنا معه في هذا الموضوع وهذه حقيقة البلد يجب التعاطي معها ودراسة السبل التي تؤدي الى الغاء الطائفية السياسية. وهذا ما تنص عليه المادة 95 لناحية تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية”. فهو يرى أنّ “هناك خللاً في البلد وبحسب الدستور فإنّ المناصفة يجب أن تكون في الفئة الأولى، واعتماد الكفاءة والاختصاص في الفئات الأخرى مع الاخذ في الاعتبار مقتضيات الوفاق الوطني. يجب أن نعمل بهذه المادة وإذا لم تكن هناك شخصيات مسيحية تمثل المسيحيين وتعمل بموجبها فلا يعني أنّ الشخص الذي يطالب بهذه المادة يخالف القانون”. خاتماً حديثه بالقول: “خلال جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب سيتركز الحوار حول روحية شرح هذه المادة وليس مطروحاً تعديل الدستور ولا تفسيره لأنّ التفسير يحمل في طياته التعديل. نحن مع اتفاق الطائف ومن يراهن على التناقضات الموجودة بفضل التمايز فلينزع هذه الأفكار من رأسه. الوفاق هنا سيد الموقف”.