تخوض بلدة الحدت ــ سبنيه ــ حارة البطم انتخاباتها البلدية بالاصطفاف العمودي نفسه منذ عام 1999، «تضامن شباب الحدت» برئاسة رئيس البلدية الحالي جورج عون مدعومة من التيار الوطني الحر في وجه رئيس البلدية السابق أنطوان كرم بدعم من قوى 14 آذار. ورغم دخول الرابية ومعراب على خط التوفيق بين المتنافسين، إلا أن الخلافات الشخصية هزمت الوفاق السياسي. في الحدت اليوم، رصاص ومتاريس، والكتائب والقوات والأحرار يوحدون بندقيتهم في وجه التيار الوطني الحر
«الـ«cadeau de retour» (هدية الشكر) اليوم كوسى»، يقول أحد أعضاء بلدية الحدت ــ سبنيه ــ حارة البطم في المتن الجنوبي جورج حداد وهو يناول إحدى السيدات بعضاً منها. لا يعيد حداد السيدات اللواتي يمارسن رياضة المشي على طريق مار أنطونيوس البدواني خاليات اليدين.
يحرقن السعرات صباحاً ويعدن تكديسها ظهراً، فالأخير مستنفر منذ السادسة صباحاً لإهدائهن ما تدرّه عليه الحديقة العامة المحيطة بالطريق: «الغلة يوم كوسى يوم خيار… حسب شو بيكون طالع عنا». ومن لا يحالفها الحظ في تذوق خيرات حديقة مار أنطونيوس، فستستعيض عنها بوردة برتقالية مقطوفة «طازة». حداد والحديقة «عشيقان»، يعتني بها يومياً منذ ساعات الصباح الأولى، وهي لا تخذل زواره أبداً. وذلك لا يثنيه عن الحفاظ على علاقته الرئيسية بالتيار الوطني الحر منذ تأسيسه: هو دينامو الحدت وأحد أبرز مفاتيح الحزب الانتخابية. في الأصل، كانت طريق مار أنطونيوس البدواني «بحص»، غير مؤهلة للمشي ومهملة، تسلكها النسوة للحج إلى تمثال مار أنطونيوس، إيماناً منها بقدرته على شفاء العقم. وكنّ يسمين أبناءهن «طوني» لإيفاء نذرهن، وذلك يفسر عدد الـ «طوني» الكثير في بلدة الحدت. وتسود في البلدة قناعة بأنّ أكثر من سيدة شيعية عمدت إلى تسمية ولدها طوني «بعد استجابة القديس لتضرعاتها». ولعل أبرز إنجازات بلدية 2010 «تضامن شباب الحدت» برئاسة جورج عون، كان إعادة تأهيل الطريق وإنشاء حديقة عامة، هي متنفس الحدتيين وفسحة للذين يرغبون في ممارسة رياضة المشي في الهواء الطلق.
منذ نحو ثلاثة أعوام، بدأت الشائعات تشق طريقها إلى رئيس البلدية لتجعل منه مادة دسمة للإعلام. وكان يمكن ملاحظة تقرير عنه تتناقله المحطات والصحف في ما بينها. والسبب؟ اتهامه بـ»اختلاس الأموال وتزوير الوثائق وعدة ملفات تصبّ في خانة الفساد»، وفقاً للدعوى القضائية التي تقدم بها أحد أعضاء المجلس البلدي، ويدعى روجيه لمع. محاولات الأخير الحثيثة باءت أخيراً بالفشل بعد أن «تعذر على الخبير المعين من القاضي علي إبراهيم إيجاد أي دليل جدّي يثبت صحة الادعاءات، علماً بأن الأخير مكث والملفات مدة شهر في مبنى البلدية»، بحسب حداد. الأمر الذي لا يقنع صفحة الـ»Hadat Gate» على «فايسبوك»، المدارة من لمع ورفاقه، إذ يعمد هؤلاء إلى نشر أجزاء من نتائج التقرير التي خرج بها الخبير بنحو يثبت صحة ادعاءاتها. فيما يرد حداد على ذلك بالإشارة إلى أن «التقارير مجتزأة ونشرها خرق واضح لسرية التحقيقات». ولا يمكن سؤال الحدتيين عن أصل المشكلة من دون أن يعودوا إلى خلاف بين حداد ولمع، بسبب تغيير تصنيف أحد العقارات من «الصناعي» إلى «سكني»، ما استدعى تدخل رئيس البلدية لمصلحة حداد. وهكذا تحول خلاف العضوين إلى خلاف بين لمع ورئيس البلدية.
سقوط حلف الرابية ــ معراب
«مشروعنا واضح»، يقول رئيس البلدية جورج عون لـ»الأخبار»، «منذ عام 99، مروراً بالـ2004، وصولاً إلى 2010. دعم الحدتيون التغيير منذ ست سنوات وانتخبوا الفريق الوحيد الذي ترشح وفق برنامج واضح». الأسبوع الماضي، وزع «تضامن شباب الحدت» 15 ألف نسخة من برنامج جديد يخوض وفقه الانتخابات المقبلة، وهو استكمال لمشاريع البرنامج السابق. وبناءً عليه، ينصح عون أهالي البلدة بنفض الغبار عن كتيب 2010 وإعادة قراءته من جديد: «إذا ما منفذين 90% منو حاسبونا، هلق الوقت المناسب لتحاسبونا». وتتألف بلدية الحدت ــ سبنيه ــ حارة البطم من 18 عضواً، أصبحت 17 بعد أن «تزوجت واحدة من الأعضاء شاباً من خارج الحدت، فنُقل محل قيد نفوسها من الحدت، واليوم تحلّ مكانها شقيقتها مرشحة على اللائحة»، وفق حداد. في ما عدا ذلك، «لا تزال اللائحة القديمة على حالها باستثناء عضو سقط أخلاقياً (يقصد روجيه لمع)، فاستُعيض عنه بعضو قواتي يمثل إحدى أبرز العائلات ويدعى روجيه شرتوني». ولائحة «التضامن» (4 تيار ملتزمين، 1 قوات والباقي من العائلات) مدعومة من منسق التيار في قضاء بعبدا ومنسقه في الحدت والنائب حكمت ديب (مسقط رأسه الحدت) الذي يعتبره أعضاء اللائحة العضو التاسع عشر. وهو ما يؤكد أنها لائحة التيار الرسمية، خلافاً لما حاول رئيس اللائحة المقابلة أنطوان كرم (رئيس بلدية الحدت السابق) ادّعاءه بعد زيارته الرابية. فالتيار خاض منذ عام 99 معاركه البلدية ضد كرم ليتمكن من إزاحته في الانتخابات الأخيرة. وبالأمس أزالت الرابية الالتباس والشائعات عبر إعلان دعمها بشكل واضح ومباشر للائحة «تضامن شباب الحدت» برئاسة جورج عون عبر بيان مشترك صادر عن منسّق هيئة قضاء بعبدا ربيع طراف ومنسق هيئة الحدت فادي نصر، يشيران فيه الى أن «لحزب التيار هيكلية وهيئة محلية في الحدت هي الجهة الوحيدة ذات الصلاحية في تقرير وإعلان الموقف من الانتخابات البلدية». وقرارها «بعد مباركة العماد ميشال عون ورئيس الحزب جبران باسيل وموافقة الجمعية العمومية للمحازبين في الحدت تأييدها الكامل للائحة «تضامن شباب الحدت»». هذا الموقف أتى رداً على بيان منسوب إلى «شباب التيار الوطني الحر ــ الحدت» حاول تحريف موقف الرابية والقول إن «الجنرال يدعم لائحة كرم». ويفترض بهذا البيان الواضح من جهة دعم حزب التيار للائحة عون أن يحسم المعركة قبل حصولها.
سلمت معراب الأمر البلدي للعائلات، فيما منسقها في البلدة يدعم لائحة 14 آذار
على المقلب الآخر، نقل روجيه لمع بارودته إلى لائحة كرم. ويشير أحد الناشطين في البلدة إلى أن لائحة كرم لم تكتمل بعد، ولم يكن رئيسها ليترشح أصلاً لو لم يعده منسق القوات في البلدة فادي خليفة ورفيقه طوني الشيخ (أو طوني كرم)، وهما عضوان في اللائحة، بالحصول على دعم معراب الرسمي. وهو ما لم يحصل ولن يحصل، إذ يشير أحد مسؤولي معراب إلى أن رئيس الهيئة التنفيذية سمير جعجع سيسلّم الانتخابات في الحدت للعائلات لتحل مشكلاتها بنفسها. فيما يختصر خليفة (منسق القوات) كل ما سبق بكلمة واحدة: «كِذب». يفنّد الوقائع، بدءاً بالإشارة إلى «أننا (قواتيي الحدت) أردنا تطبيق اتفاق معراب ــ الرابية في البلدة. لذلك تشاورنا مع النائبين ألان عون وحكمت ديب بشأن لائحة ائتلافية، إلا أن رئيس البلدية جورج عون رفضها. يومها بدأ النائب إبراهيم كنعان بالتفاوض معه من دون أن يصل إلى نتيجة، فانتهى الأمر بأن اجتمعت كبرى عائلات البلدة: اسمر وشرفان وكرم وطلبوا ترشح أنطوان كرم. ولستُ أنا بالتأكيد من رشّحه». وعن كون لائحة عون تمثل التيار الوطني الحر رسمياً، إذ يدعمها منسق التيار ومنسق القضاء ونائب البلدة، يقول خليفة إن في لائحة كرم أيضاً «ستة أعضاء ملتزمين في التيار ويحملون بطاقات رسمية، وهم المجموعة التي تشتغل على الأرض فعلياً»: منسق التيار السابق جوزيف ونّيس (ونّيس سحبت بطاقته الحزبية منه منذ ثلاث سنوات)، أمين سر نقابة المحامين فؤاد الأسمر، الدكتور إيلي حداد، وسام برباري، جنين شرفان وإيلي أسمر. وبعكس ما تدّعيه لائحة الرئيس عن ضم عضو قواتي إليها، يشير خليفة إلى أن الشرتوني لا يحمل بطاقة ولا يحظى بدعم معراب الرسمي. غير أن قوات الحدت، بحسب أحد الحدتيين، دأبت على دعم ترشح شرتوني كعضو مجلس بلديّ سابق، وكانت حتى تاريخ قصير تعقد اجتماعاتها في منزله.
ينتظر القواتيون اليوم صدور بيانين رسميين، الأول من معراب والآخر من الرابية حتى تتضح صورة المعركة. ويصعب في هذه البلدة تحديداً الجمع بين العونيين والقواتيين، بعد تعرّض الرئيس جورج عون لـ»التجريح» على موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، ورفض القواتيين طلب عون التراجع عن «الكلام الجارح الذي طاوله» حتى يمدّ يده إليهم. لا معركة في الحدت وفقاً لعون، نظراً إلى أن فارق الأصوات في الانتخابات السابقة بلغ 600 صوت، وبعض ممن قرر مواجهتنا هم الحاسدون والحاقدون والمتضررون». ويهمّ عون التوضيح أنه يكنّ كل الاحترام لجعجع وحزب القوات اللبنانية. إلا أن ذلك «لا يُقَرّش». فحتى الساعة، كل الأطراف تنصب متاريسها تحضيراً للمعركة الكبيرة: التيار الوطني الحر والنائب حكمت ديب في مواجهة قوى 14 آذار وبعض التيار الوطني الحر بصفة شخصية.
«ما تبيع أرضك ما تبيع بيتك»!
يُحكى بين الحدتيين أن رئيس البلدية جورج عون أنجز نحو 80% من برنامجه الانتخابي، بدءاً من «تزييح الطرقات وترميم الأدراج والأرصفة، مروراً بحفر الآبار وتأمين المياه باستمرار وإعادة جباية الرسوم لتأمين ميزانية البلدية، وصولاً إلى تأهيل الطرقات وتعبيدها وإقامة «وسط تجاري» في ساحة الحدت. أما القضية الأهم التي كانت السبب الرئيسي وراء فوز عون في المرة السابقة، فهي «الحفاظ على الأرض والهوية». يومها رفع «تضامن شباب الحدت» شعار «ما تبيع أرضك، ما تبيع بيتك، البلدية ما رح تمضيلك». والحديث هنا يأخذ طابعاً طائفياً فجّاً، لناحية رفض بيع الأراضي لغير المسيحيين، وتحديداً من الشيعة. ويستند هؤلاء إلى إحصاء يتداولونه بأن 60% من أراضي الحدت باتت مملوكة لغير المسيحيين. وفيما يتساوى عدد المسيحيين والشيعة الذي يسكنون في النطاق الجغرافي للبلدة (50 ألف شيعي و50 ألف مسيحي مقابل ألفي سني)، فإن البلدة تضمّ، على لوائح ناخبيها، أقلية شيعية وسنية. بدأت حملة عون لـ»الحفاظ على الأراضي الباقية»، وكان أول «إنجاز» باستعادة تلة الوروار (83 ألف متر مربع) التي سبق أن اشتراها مستثمرون من الطائفة الشيعية، في عهد المجلس البلدي السابق. وتمكن عون، برعاية حزب الله والتيار الوطني الحر، من إعادة شراء الأرض عبر مستثمرين مسيحيين. وللتلة هذه أهمية، لكونها تربط بين بعبدا والحدت وكفرشيما ووادي شحرور. أما مشروع عون الجديد الذي كاد يصل إلى خواتيمه، فتلة وروار مكررة: إعادة شراء أراضي تلة الضهرة من «مستثمرين شيعة» بمباركة الحزب والتيار مجدداً.
البطل» ولويس يوحدان بندقيتهما
تنقسم البلدية إلى ثلاث بلدات: الحدت ويؤخذ منها 13 عضواً، سبنيه ترشح ثلاثة أعضاء وحارة البطم عضوين. تعدّ البلدة أكثر من 13 ألف ناخب، اقترع منهم 51% عام 2010. واستناداً إلى الإحصاء الأخير الذي أنجزته «ستاتيستكس ليبانون» لبلدية الحدت، توزعت خريطة القوى كالآتي: 48% مستقلون، 38.5% للتيار الوطني الحر، 5% قوات، 2% كتائب، 2% حزب الله، 1.5% حزب الوعد، 1.5% تيار مستقبل و1.5% قوميون وشيوعيون. تُضحِك الأرقام منسق القوات اللبنانية فادي خليفة، خصوصاً تلك التي تخص حزبه، إذ «يبدو أن الإحصاء أسقط الصفر سهواً، لأن القوات تمثل 50% من الضيعة». على المقلب الآخر، يبدو أن الوضع متعثر بالنسبة إلى رئيس البلدية السابق أنطوان كرم (من أصل كتائبي) الذي يضم القوات والكتائب والأحرار على لائحته، إضافة إلى ناشطين من التيار بصفة شخصية. فعدا عن عدم نسيان الحدتيين حتى اليوم تسليمه مفاتيح البلدة للنائب ميشال المر في عام 2000 وتعليقه اللافتات المرحبة بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد للقصر الجمهوري، دبّ الخلاف حديثاً بين ملحم شرفان، أحد وجهاء البلدة المقربين جداً من «الريّس أنطوان» وأحد أعضاء اللائحة من حزب الأحرار جان الأسمر الملقب بـ»البطل». الرجلان من أبرز مفاتيح الضيعة انتخابياً والمشكلة بينهما أدّت إلى خروج الأسمر من لائحة كرم، ما أوقع الأخير في مأزق. فـ»البطل» يحظى بدعم لويس كرم، رئيس رابطة آل كرم، وهو مقاتل كتائبي قديم والاثنان ينسقان سوياً في الشاردة والواردة. ويصدف أن الصديقين المقربين جداً كانا من ألدّ الأعداء إبان الحرب، وسبق أن أمطر جان، لويس الكتائبي بالرصاص. لكنهما يوفران ذخيرتهما اليوم للتصويب نحو متراس واحد، متراس رئيس البلدية الحالي جورج عون. يبقى أن في الحدت مرشح ثالث إلى رئاسة البلدية يدعى عبدو سعادة وينتمي إلى حزب الوعد (رئيسه جو إيلي حبيقة). يتوقع الحدتيون أن ينسحب الأخير لمصلحة عون، فشقيقه ليس إلا «أبو طوني»، مفوض الشرطة في البلدة.