يصح القول إن المعركة الانتخابية البلدية في بلدات المتن الجنوبي (حارة حريك والغبيري وبرج البراجنة) أو ما يعرف بالضاحية الجنوبية، هي معركة «أصوات وأثبات وجود وتوسيع مساحة الاعتراض» التي تقودها العائلات والمستقلين منذ إجراء الانتخابات البلدية في تسعينات القرن الماضي إلى اليوم، على اللوائح المدعومة من الثنائي الشيعي أي حزب الله وحركة أمل في هذه البلدات، التي تتميز بأكثرية شيعية وأقلية سنية في كل من الغبيري وبرج البراجنة، وبأغلبية شيعية وأقلية مسيحية في حارة حريك، والتي أطلق عليها هذه الدورة إسم لائحة «الوفاء والتنمية والاصلاح«، أما باقي بلدات المتن أي الشياح والليلكي والمريجة، فغابت المعارك الانتخابية عنها بالأمس بعدما فازت مجالسها البلدية بالتزكية.
الصفة الجامعة لإنتخابات البلدات الثلاث تظهرت أمس بأشكال مختلفة على الارض، ففي حارة حريك حيث الثقل السياسي والأمني والمؤسساتي لحزب الله ترجمت أوزانه في اليوم الانتخابي شكلاً ومضموناً، فمن حيث الشكل كان عناصر الانضباط التابعين لحزب الله على كل مفترقات الطرق المؤدية إلى مراكز الاقتراع، إلى جانب عناصر البلدية والجيش وقوى الامن الداخلي التي كان عناصرها يقومون بجولات في المنطقة، وسط حالات التأهب قصوى لجهة وجود إسعافات بالقرب من مراكز الاقتراع ومسعفي الهيئة الصحية الاسلامية، أما من حيث المضمون فيمكن القول إن إنتخابات حارة حريك إقتصرت على الإنتخابات «الإختيارية»، بعدما إقتصرت المنافسة بين لائحة المجلس البلدي(18عضواً) المدعوم من «حزب الله« وحركة أمل والتيار الوطني الحر، وبين مرشح منفرد ومستقل هو زياد دكاش، في حين أن الماكينات الانتخابية على الارض كانت تتوزع لحشد الناخبين للإقتراع لصالح لوائح المخاتير المتنافسة بين مركزي إقتراع الاول في ثانوية حارة حريك (للناخبين المسلمين)، والثاني في ثانوية القديس جورجيوس (للناخبين المسيحيين)، ولم يكن يفصل بينهما أكثر من 300 متر، وسط حضور كثيف لأعلام «حزب الله« وحركة أمل والتيار الوطني الحر، في الوقت الذي لم يسجل أي حضور ظاهر لمرشحي القوات عن المقاعد الاختيارية، حيث توزعت تجمعات المندوبين لكل من التيار الوطني الحر للترويج لأربعة مخاتير هم وهيب شكري أبي نادر ونصر نصر (حي الرويس) ضد جان كنعان (قوات) ونديم دكاش وربيع أبي نادر(مستقلين)، أما في حي الكنيسة فكانت المنافسة بين جوزيف إيلي النقور وإميل حليم دكاش (تيار وطني) مقابل سمير نقور وجوزيف غنيمة (قوات)، وعلى ضفة المخاتير المسلمين وحركة أمل وحزب الله فتم ترشيح أربعة مخاتير هم حسان فايز سليم ومحمد علي بعجور وخضر محمد علامة وأحمد محمد موسى الحاج، مقابل مختارين مستقلين. ووصفت ماكينة التيار العوني الاقبال على الاقتراع بأنه «لابأس به» بحيث وصلت النسبة حتى ساعات الظهر إلى 20 بالمئة، في حين كانت في إقلام الاقتراع الخاصة بالمسلمين أعلى لأنها «تكليف شرعي» على حد تعبير فؤاد موسى (احد أبناء الحارة)، الذي يعبر عن عدم رضاه عن الانتخابات «غير المتكافئة» على حد تعبيره «وهي أقرب إلى تعيين المجلس البلدي، ولذلك فهو لم يشارك في الاقتراع البلدي بل إقترع في الصندوق الاختياري فقط، لأن النتائج محسومة سلفا».
برج البراجنة
الخروج من حارة حريك بإتجاه برج البراجنة يعني التخفف من الحضور الحزبي، وإتساع الحضور العائلي «البرجاوي» الذي أراد أن يحتفظ لنفسه بحيز خاص عن «ثنائية حزب الله- حركة أمل»، دفعه لتشكيل لائحة بلدية غير مكتملة من 16 عضواً بلدياً و9 مخاتير وأسماها «قلبي لبرج البراجنة»، وأهم ما يميزها أنها تضم 5 سيدات توزع مندوبوهم في أقلام الاقتراع في أحياء المنشية والسنديانة والسياد. فهذه اللائحة،كما يقول مناصروها، «يريدون عملاً بلدياً وإنمائياً، لا سياسياً«، وإن كان الجميع يعرف أن حظوظهم بالفوز أقل أمام لائحة «الوفاء والتنمية والاصلاح» المكتملة (21 عضوا و9 مخاتير)، لكن ذلك لم يخفف من حماوة المعركة الانتخابية وهذا ما تشي به غابة الصور للمرشحين للائحتين من كل الاحجام والالوان، ونسبة المقترعين والعدد الكبير للمرشحين للمقاعد الاختيارية (30 مرشحاً عضوا للمقاعد الاختيارية تابعين للائحتين المتنافستين ومستقلين يتنافسون على 12 مقعدا)، والحضور الكثيف للمندوبين أمام مراكز الاقتراع وفي الاحياء، واليافطات التي تعلن ولاءها للأمين العام لحزب الله مع إبراز كبير لأسماء العائلات، مثل السباعي والعنان والسبع وفرحات وحرب وجلول، علماً أن لمعركة البرج الانتخابية ميزة خاصة هي وجود «الناخب السني« خاصة في حي الجامع والذي غالبا ما يتخفف من ضرورة الولاء «للثنائية الشيعية وتكون حساباته عائلية وإنمائية صرفة.
على الأرض أيضا يشتغل مندوبو المرشحين كأنهم في خلية نحل، في سوق الخضار الذي يبدو مكتظاً حتى في يوم الانتخابات، وفي المنازل بعدما برزت أصوات رافضة لتكرار الوجوه البلدية نفسها. ويقول أحد مندوبي لائحة برج البراجنة «البراجنة باتو أكثر شجاعة في رفض اللوائح المعلبة من الاحزاب، وهم يعددون الاخطاء التي إرتكبها المجلس السابق، صحيح أننا لسنا كثرا لكننا موجودون وعسى أن يترجم هذا الوجود في الانتخابات».
الغبيري
في بلدة الغبيري المعركة الانتخابية مشابهة لمعركة برج البراجنة، وإن كانت لبست أيضا ثوباً عائلياً من دون أن تتمكن من حجب «قوة ثنائية حزب الله وحركة أمل« في البلدة التي تعد البلدة الثانية من حيث الاهمية السياسية والامنية بالنسبة لحزب الله، فكانت المنافسة بالامس بين لائحة بلدية من عشرين عضواً مدعومة من عائلات الغبيري أطلق عليها«لائحة الغبيري للجميع»، وأضافت إليها لائحة غير مكتملة من 5 مخاتير واجهت لائحة «الوفاء والتنمية والاصلاح« البلدية (21 عضوا) و(9 مخاتير) المدعومة من حزب الله وحركة أمل، التي حرصت على تأمين كل ما يلزم لنقل الناخبين (سيارات وفانات خاصة وقاعات خاصة لإستقبال الناخبين الاتين خارج المنطقة لأخذ قسط من الراحة)، والاهتمام الذي أبداه نواب المنطقة باليوم الانتخابي حيث اكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب بلال فرحات بعد متابعته مجرى الانتخابات البلدية في الثانوية الرسمية للبنات الغبيري ان «الاجواء ممتازة وسليمة وتنافسية وديموقراطية، يسودها جو من المحبة ولا توجد اي اشكالات امنية مطلقاً«.
هذا الاهتمام تجلى أيضاً الى الحضور الكثيف لمندوبي اللائحة أمام مراكز الاقتراع إلى جانب عناصر الانضباط خصوصا أمام مراكز الاقتراع في مدرسة الغندور الرسمية وثانوية الغبيري للبنات ومركز حي الجامع، كما سجل حضور جيد للائحة «الغبيري للجميع «أمام هذه المراكز، حيث عبر المندوبون عن«رضاهم عن نسبة الاقتراع لصالح لائحتهم في البلدة بالرغم من أنها لا تزال تحت تأثير شد العصب السياسي والحزبي عاشها مناصرو «حزب الله» وأهالي منطقة الغبيري بعد تشييعهم، منذ ايام لأبن منطقتهم القائد العسكري في حزب الله مصطفى بدر الدين«، وقد يكون هذا التفاؤل منطقياً خصوصا أن اللائحة تخوض التجربة للمرة الثانية بعد دورة العام 2010 التي إستقطبت فيها نحو 20 بالمئة من الأصوات في الدورة الانتخابية الماضية، ما يعني أن النتائج ستشكل مقياساً لإرتفاع حالة التململ الشعبي من «الثنائية الشيعية» أو الركون إلى سطوتها العقائدية.