يكاد يكون تحديد مكان الإحتفال السنوي لذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري وحصره ببيت الوسط طاغياً على ما عداه من حيث الدلالة والأبعاد، خصوصاً وأنّ الحريرية باتت خارج الرئاسة الثالثة بشكل مباشر وغير مباشر، أي حتى من دون وكلاء كما كان يحصل سابقاً.
إلا أن الأسباب والدوافع في تحديد المكان لم تكن كافية أو لم تكن مقنعة، لا لجمهور “المستقبل” ولا للجمهور الآخر. فإذا كان الموضوع أمنياً فإنّ ما شهدته الساحة اللبنانية في السنوات السابقة على هذا الصعيد كان أكثر صعوبة وأكثر إحراجاً، وإذا كان الأمر على صعيد الحشد الجماهيري وتزامن ذلك مع الحراك الشعبي، فإنّ له مبرره الذي يتحاشى فيه القيمون أي احتكاك قد ينتج جراء الإنتقال من منطقة إلى أخرى. مع العلم أن اختيار المكان يحدد الطابع السياسي لهذا الاحتفال بالمقام الأول وليس الإستفتاء الشعبي.
وما قاله الرئيس سعد الحريري في دردشته مع الإعلاميين بالأمس خير مؤشر على إعادة التموضع وعلى الطابع التصعيدي تجاه “التيار الوطني الحر”، وتسديداً لما هو متوجب عليه من مواقف عالية النبرة تجاه “حزب الله”.
يريد الحريري إعادة لملمة ما انقطع جراء تفاهمه مع رئيس “التيار” جبران باسيل الذي أدى إلى شبه جفاء مع السعودية، وإلى تصدعات داخل “تيار المستقبل” ومع الحلفاء التقليديين مثل “القوات” و”التقدمي الإشتراكي”، الا أن الثابت هو العلاقة المستقرة مع الرئيس نبيه بري التى لن يؤثر عليها الخروج من الحكومة أسوة بالوجود داخلها.
تطول لائحة المدعوين إلى ذكرى اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري من أصدقاء وحلفاء وأنصار وحلفاء سابقين صاروا خصوماً لفترة ثم عادوا إلى خطهم السياسي ففتحت الأبواب لملاقاتهم مجدداً. كان حزب “القوات” من أوائل من دعي للمشاركة إحياءً للمناسبة.
العلاقة بين التيار الأزرق و”القوات” تعود تدريجياً إلى سابق عهدها. الأمر يتوقف على حجم المشاركة القواتية في المناسبة ومن بعدها سيفتح الطرفان على جلسات مصارحة تضع حداً للمطبات التي شهدتها المرحلة السابقة.
بالموازاة كانت المصالحة مع الوزير السابق أشرف ريفي كفيلة بعودة العلاقة بينه وبين الحريري إلى طيباتها. أما ابن بيت الحريري النائب نهاد المشنوق فـ”لا فائدة من دعوته” لأنه “صار خارج البيت ومعلّم المزايدين، طبقاً لما وصفته قناة الجديد”، هذا التوصيف الذي تبنته مصادر قيادية في “تيار المستقبل” تقول: “هل يجوز أن يُدعى معلّم المزايدين؟ كيف ندعو من قال بلسانه إنه لم يعد يلتقي مع الحريري سياسياً؟”.
ولم تقتصر حرمة المشاركة في مناسبة ذكرى الرابع عشر من شباط على المشنوق وحسب. فجردة المشنوق تبقى أقل وطأة من الجردة التي يتحضر الحريري لتلاوتها بحق “الوطني الحر” وباسيل والتي لا ينجو منها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي “كانت التسوية معه قبل أن يجيّرها إلى باسيل سامحاً له بهذا الكم من الاستهتار والتعطيل وممارسة سياسة الانكار والبلطجة واستعادة الخطاب الممجوج عن السياسة الحريرية”.
ولم تشمل الدعوة أيضاً رئيس الحكومة الحالي حسان دياب والسبب أن “دياب كان وزيراً في حكومة اللون الواحد التي ترأسها نجيب ميقاتي بعد إسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها سعد الحريري، ويومها كانت أول محاولة للإلغاء”. في نظر “المستقبل”، إن “تاريخ دياب معروف وبداية دخوله إلى المعترك السياسي، فضلاً عن حكومته التي شارك في تشكيلها من باسيل الى النائب جميل السيد”.
ربما سيشكل الرابع عشر من شباط تاريخاً مفصلياً في مسيرة الرئيس الحريري السياسية. رئيس الحكومة السابق الذي دخل المعترك السياسي قبل أكثر من 14 عاماً، لديه الكثير ليقوله عن مرحلة شهدت ما شهدته من طلعات ونجاحات في السياسة، قابلها تراجع واخفاقات في محطات اخرى. لكن في كل مرة كان للحريري رصيد من الشعبية والتحالفات ما يؤهله ليكون ثابتاً في المعادلة السياسية.
حسب أوساطه سيكون الخطاب من “أهم الخطابات” وسيفتح من خلاله الحريري “على رسم خريطة طريق للمرحلة المقبلة في ما يتعلق بالحراك السياسي، بناءً على المقاربات النقدية السياسية والتنظيمية وما يتطلبه من إعادة إهتمام بالبيت الداخلي”.
هي مرحلة يعيد فيها الحريري تموضعه السياسي مشرعاً بيته “أمام الناس الذين خالف توجهاتهم يوم قبِل بالتسوية، فخسر بعضهم كما خسر عدداً من حلفائه”. يختصر الحريري مسيرته السياسية بالقول إنه لطالما مد يد العون للجميع. يوم اسقطوا حكومته، صفح وعاد، وبعد السابع من ايار قلب الصفحة وعاد، هادن في التسوية وتكبد خسائر معنوية وشعبية في كل مرحلة من مراحل حياته وقد جاء اليوم الذي يقول فيه إنّ عدّاد الحساب قد بدأ… وهو تلا فعل التوبة على أن يكون رئيس حكومة في عهد ميشال عون.