موعد الإستشارات النيابية على محك التأجيل مجدداً. إحتمال لم يعد بعيداً طالما أن التوتر لا يزال يتحكم بالعلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. تقصّد عون، عندما رفض تأجيل الاستشارات لأكثر من أربعة ايام، إحراج الحريري ونجح. إذ كيف لمشاورات فشلت على مدى ستين يوماً في الاتفاق على تكليف رئيس للحكومة، أن تنجح في تحقيق الهدف نفسه في غضون يومين أو ثلاثة؟
المهمة عصيبة، خصوصاً أن الحريري لا يمانع تأجيلاً جديداً يراه عون مستحيلاً. ولذا لجأ الحريري إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري مستعيناً بآخر الأصدقاء لتحقيق أمر من اثنين: إما إرجاء الاستشارات أو إقناع “التيار الوطني الحر” بالدخول في الحكومة، ولا ضير لو تمّ تكليفه بأصوات قليلة، المهم تحقيق الميثاقية في الحكومة لا في التكليف.
لكن المقصد هنا محال أيضاً ومن شأنه أن يعيد الأمور إلى سابق عهدها، باشتراط عون مشاركة رئيس “التيار” جبران باسيل في الحكومة، وطبعاً بمؤازرة الثنائي الشيعي الذي لا يزال يتموضع خلف الحريري رئيساً للحكومة، أو من يسميه مهما طالت فترة الانتظار.
الأمور ما زالت على غموضها والخيارات ضيقة، خصوصاً أن مشكلة الحريري باتت على جبهتين: مشروعيته المسيحية وما تردّد عن مشكلة رفضه من الأميركيين والسعوديين.
ورغم ذلك لا تزال الكرة، وكما كانت منذ ما يزيد على ستين يوماً، في ملعب الحريري، مع فارق الظروف والمعطيات. قبل أيام كان الجميع في انتظار الحريري كي يقول كلمته حول تكليفه للحكومة، كان في موقع القوة، أما اليوم فقد تغيرت وضعيته ومقدار قوته، فباتوا بانتظار تسميته للبديل لاعتبار أن حظوظه في تولي الرئاسة الثالثة باتت شبه معدومة في الفترة الراهنة. كان الحريري يفاوض من موقع القوي، تسانده دار الفتوى. ضعف موقفه وأضعف الدار التي انحازت علناً لمصلحة طرف واحد، مسجلةً سابقة في تاريخ الطائفة السنية.
قبل الاستقالة كان “حزب الله” نبّه إلى أن الخطوة ستعني حكماً أن الحريري لن يعود رئيساً للحكومة مجدداً، وقد تعني في ما تعنيه أيضاً إحتمال أن لا رئيس حكومة طوال عهد عون. مراراً وتكراراً حذر الثنائي الشيعي الحريري من الفراغ الذي سيجر حكماً إلى المجهول. أما وقد دخلته البلاد فالأزمة لن تجد حلاً إلا من خلاله. فما يحاول الثنائي الشيعي إقناع الحريري به أنه إذا كانت رئاسته للحكومة غير ممكنة في الوقت الحاضر، خصوصاً أنّ بعض الشارع لم يعد راغباً بوجوده أسوةً بالقوى السياسية الأخرى، فعليه أن يرشح اسماً آخر يختاره لا يكون مستفزاً، وإلا فالفراغ يطول وعلى الحريري حكماً أن يعزز تصريف الأعمال في حكومته.
ربما لم يكن الحريري يتوقع أن يأتيه يوم لم يتبق إلى جانبه إلا “حزب الله” الذي سانده في تشكيل حكومته الأولى، وأصرّ على عون عدم قبول استقالته يوم أزمة استقالته في السعودية، وهو يقف اليوم إلى جانبه. وأن يرفض حليفه التاريخي أي “القوات اللبنانية” تسميته لتأليف الحكومة. وفق معلومات فإنّ الوزير السابق ملحم رياشي اتصل بالوزير السابق غطاس خوري ليبلغه رسالة جعجع بأن قرار عدم التسمية ليس شخصياً، لكن ضرورة الأوضاع في البلد تقتضي ذلك سيما وأنّ القوات لن تشارك بحكومة تكنو – سياسية. تبلغ الحريري فجراً بمضمون الرسالة ليسارع الى الاتصال بالرئيس نبيه بري ويطلب تأجيل الاستشارت.
بميزان الذهب زانت “القوات” موقفها. كيف لها أن تسمي الحريري وقد عارض تكليفه “التيار الوطني الحر”، خصوصاً وأنها حكماً لن تكون في الحكومة التي سيكون “حزب الله” مشاركاً فيها، وكيف تعلن موقفاً يؤثر على شارعها في زمن الحراك سلباً في وقت يعزز “التيار” موقفه في الشارع.
يرى البعض في قوى 8 آذار أنّ حظوظ الحريري لرئاسة الحكومة باتت معدومة وأن أمامه خياراً من ثلاثة: إما أن يسمي بديلاً منه لرئاسة الحكومة، أو أن يتكلف شخصياً مع الموافقة على عودة باسيل إلى الحكومة، أو الخروج من اللعبة السياسية وربما من البلاد. أما الاتجاه المتوقع لجلسة استشارات الخميس فهو يتراوح بين إما الإرجاء مجدداً، وهذا ما يتم العمل عليه، أو ترشيح فؤاد مخزومي الذي علت حظوظه من قبل “التيار الوطني الحر”، أو ترشيح نواف سلام المرفوض بالمطلق من “حزب الله”، أو الحريري أو من يسميه. على أنّ الأسماء البديلة المرشحة من قبل الحريري والمشكوك بحظوظها فهي الوزيرة ريا الحسن والوزير السابق خالد قباني.
واضح أنّ لكل جهة خياراتها المختلفة عن الأخرى، مع تسجيل استعجال “حزب الله” وإصراره على تشكيل حكومة اليوم قبل الغد. علماً أنّ تكليف الحريري لا يعني بالضرورة نجاحه في تشكيل الحكومة بالنظر إلى الشروط القائمة… وأهمها مشاركة باسيل.