أجهز انسحاب الرئيس سعد الحريري النهائي من السباق الى تشكيل الحكومة على آخر ما تبقّى من التسوية التي لم تعد قابلة للترميم، بفعل الثورة الشعبية وبفعل مسار أدى منذ عام 2016 الى انحدار كبير والى أزمة هي بالفعل أخطر ما يمرّ فيه لبنان، إذ تجاوز ثورة الـ 58 وحرب الـ 75 بأشواط.
سبق للحريري أن حاول منذ اللحظات الاولى لاندلاع الانتفاضة أن ينأى بنفسه عن العهد وعن الوزير جبران باسيل، فحاول من خلال الورقة الاصلاحية، لكنّ مسار الثورة كان أقوى من معالجات الترقيع، فاتخذ القرار بالاستقالة على الرغم من التهويل الذي واجهه من «حزب الله» وحلفائه، ثم انتقل الى جسّ نبض تشكيل حكومة جديدة بشروطه، فكان العزوف الاول الذي تلاه ابتزاز سياسي، أدى في النهاية الى اتخاذ قراره بالعزوف الثاني والأخير، بعد ساعات «ماراتونية» شهدت مفاجآت لم تكن في الحسبان.
وفي معلومات رشحت عن «المستقبل» أنّ الحريري اطمأن الى أنّه نال من مفاوضاته مع الرئيس نبيه بري حكومة تكنوقراط شبه كاملة، لا تستثنيها إلّا مشاركة خجولة لحركة «أمل» في تسمية وزير او على أبعد تقدير وزيرين، على أن يخرج «حزب الله» من الحكومة، بضمانة بري نفسه.
وتشير المعلومات الى انّ «حزب الله» ضمن للحريري عبر بري عدم مشاركة «التيار الوطني الحر» أيضاً في الحكومة، وعلى هذا الاساس أرسل الوزير السابق غطاس خوري الى معراب لينال موافقة «القوات» على تسميته رئيساً مكلفاً، لكن لم يكن الجواب واضحاً، وأمل الرئيس الحريري ان لا تذهب «القوات» الى حد عدم تسميته، لكنه فوجئ بقرارها ما جعله يعيد حساباته بشكل جذري، وهو قرّر العزوف منذ أن طلبَ من الرئيس ميشال عون إرجاء الاستشارات، ليعلنه مساء امس، مفسحاً في المجال أمام الخيارات المكتومة للعهد ولـ»حزب الله»، الذي لعب ورقة الحريري على طريقة الصولد منذ اليوم الاول للاستقالة، محاولاً إعادته الى السراي، ولو رغماً عنه.
والآن ماذا يمكن أن يقال في هذا العزوف ونتائجه؟
الواضح أنّ الطابة انتقلت الى مرمى عون، وسط احتمالات كثيرة، سيعتمد إحداها، وستكون بمثابة مسار لا تعرف نتائجه، ولاسيما مسار حكومة اللون الواحد، إذ تنتظر هذه الحكومة موجة عارمة من الرفض الشعبي، كما ينتظرها حصار وعدم اعتراف دولي وعربي، وهذا ما كان يفترض بالرئيس الحريري أن يواجهه لو قرر إكمال مهمة تشكيل الحكومة.
يعرف «حزب الله» أكثر من فريق العهد، مدى خطورة السير بخيار واضح في مواجهة العرب والمجتمع الدولي من دون أن تكون في الواجهة شخصية تحظى بالقدرة على تلقّي الصدمات كالحريري، ولذلك ليس من السهل السير بخيار حكومة الفريق الواحد، خصوصاً في ظل انفلات الوضع الامني، واستمرار لعبة توتير الشارع، والرهان على القضاء على الانتفاضة لتسهيل مهمة تشكيل الحكومة. ولهذا، فإنّ الأيام المقبلة سوف تشهد الكثير من التسارع في الاحداث، انتظاراً على الاقل لمعرفة ما سيقوله السفير ديفيد هيل في بيروت.