يكاد السجال السياسي بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل بشأن الكسارة ومجبل الباطون في لبعا (قضاء جزين)، أن يشيح النظر عن حجم الكارثة البيئية والصحية التي سبّبتها مالكتهما، الشركة العربية للأعمال المدنية.
انفجر الخلاف بعد تحريك رئيس اتحاد بلديات جزين خليل حرفوش، لطلب إقفال الكسارة والمقلع ومجبل الباطون الواقعة عند سفوح جبال وتقاطع وديان بين عين المير ومراح الحباس ولبعا في قضاء جزين. تحرك حرفوش كما يقول لـ«الأخبار» أتى بعد التأخر في تنفيذ قرارات وزراء البيئة والصناعة والداخلية والبلديات الذين أوصوا نهاية عام 2017 بإقفال المشروع بسبب عدم حيازته ترخيصاً من المجلس الأعلى للمقالع والكسارات التابع لوزارة البيئة.
في الأيام الماضية، جدد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إشارته على قوى الأمن الداخلي بإقفال الكسارة والمجبل، فيما وجّه وزير الصناعة حسين الحاج حسن، إنذاراً إلى الشركة بوجوب الإقفال.
خطوة حرفوش المحسوب على التيار الوطني الحر، لاقت دعماً من النائبين العونيين في جزين زياد أسود وسليم الخوري. ولأن صاحب الشركة هو المهندس محمد الشماع، صديق الرئيس الراحل رفيق الحريري وعائلته، حاول بعض من يدور في فلك آل الحريري أن يتغاضى عن جوهر القضية البيئي والصحي ويسبغها عباءة طائفية ومناطقية وسياسية على خلفية الانتخابات النيابية الأخيرة.
وكان مجلس الوزراء قد رخص للشركة العربية بإنشاء مقلع وكسارة لزوم تنفيذها أوتوستراد صيدا جزين بمحاذاة موقع المشروع، على أن يتزامن تشغيلها مع مدة التنفيذ. والمدة انتهت في تموز من عام 1999 بعد ترخيص أعطي لخمس سنوات. لكن الأوتوستراد أنجز، فيما الكسارة لا تزال تعمل. الكسارة أنشئت خلال الحرب الأهلية قبل أن تعيد الشركة تشغيلها عام 1994، وتشتري العقار حيث تقع والعقارات المجاورة. على نحو تدريجي، استحدثت الشركة «مجبل باطون» ثم كسارة ومقلعاً وأخذت بالتمدد صعوداً ونزولاً.
حصل الشماع عام 2012 على ترخيص من وزارة الصناعة بتشغيل مجبل باطون في مراح الحباس، يجدد كل سنة. لكن الوزارة وجهت إليه إنذاراً، نهاية العام الماضي، بالتزامن مع قرارات وزارتي البيئة والداخلية بالإقفال بسبب عدم تقيده بالشروط البيئية، منها النظافة وبرك غسل التربة وتصريف المياه. واللافت أن الملاحظات التي تعود إلى ما قبل سنة، ترد في قرار صادر عام 1999 عن وزير الداخلية والبلديات الأسبق ميشال المر، يطلب فيه من القوى الأمنية إقفال كسارة الشماع. وجاء في نص القرار الذي نشره أسود على صفحته على «فايسبوك» «أن لجنة المقالع والكسارات زارت الموقع برفقة وزير البيئة ووجدت أنّ العقارات التي تملكها الشركة لا تبعد أكثر من 200 متر عن المنازل في قرية مراح الحباس، وأنّ طرق الاستثمار لا تحترم الشروط البيئية من جهة القلع والتعدي على مجاري المياه وتم تحويل مجرى المياه عن خطه الطبيعي وتم ردم آخر بكميات من الأتربة. وهناك تشققات في بعض منازل مراح الحباس من جراء عمليات التفجير!». كل تلك القرارات القديمة والحديثة تصدر تباعاً من دون تنفيذ من القوى الأمنية التي اتهمها أسود بـ «التطنيش».
الكسارة لا تزال تعمل رغم إنجاز تنفيذ أوتوستراد صيدا ــــ جزين
في اللقاء التضامني معه، رأى الشماع أن الحملة ضد شركته عبارة عن «محاولات تشويه وتجنٍّ سيقت ضدنا خدمة لمصالح شخصية، ونحن متسلحون بقوة القانون وليس بتغطية أمنية أو سياسية». من جهته، ينفي حرفوش أن تكون هناك دوافع غير قانونية تقف خلف تحركه، مشيراً إلى عشرات الرسائل الموجهة منه إلى الوزارات المعنية ومحافظ الجنوب والمدعي العام البيئي ورئيس محكمة جزين الجزائية، قبل الانتخابات البلدية بأشهر طويلة. وذكّر حرفوش بإقفاله عام 2015 مرملة دير بحنين التي كانت تابعة للرهبانية المارونية.
عزز اللقاء الخلاف. فتنظيم لقاء تضامني مع مؤسسة خاصة في مؤسسة عامة (بلدية صيدا) أثار استفزاز البعض لما شكله من جبهة تكتلت في إطار سياسي ومناطقي، تقدمته النائبة بهية الحريري وشخصيات حليفة ومؤيدة لتيار المستقبل، في ظل غياب ممثلين عن القوى الوطنية والنائب أسامة سعد. في المقابل، انتقد آخرون حماسة البلدية والحريري وفعاليات مؤثرة هبّت للدفاع عن كسارة الشماع غير القانونية ولم تتحرك لمواجهة الكارثة البيئية التي سبّبتها الشركة المشغلة لمعمل النفايات في صيدا.
معمل صيدا: نفايات في الشوارع!
نفذت الشركة المشغّلة لمعمل فرز النفايات في صيدا «أي بي سي» تهديدها بالتوقف عن استقبال النفايات من صيدا وبيروت وجزين على خلفية الاعتصام الاحتجاجي الذي نظمته القوى الوطنية، داخل حرم المعمل. لم تقدم الشركة توضيحات للمواطنين لما شاهده المحتجون من أنواع مختلفة من النفايات المتراكمة وبقايا المسالخ والجلود التي تلقى في البحيرة الآسنة. ما فعلته أنها طلبت من شركة «أن تي سي سي» التي تجمع النفايات من صيدا وبلداتها التوقف عن استقبالها. كذلك فعلت مع شركات الجمع في بيروت وجزين. والنتيجة تراكم النفايات في المستوعبات في ظل درجات حرارة مرتفعة. النائب أسامة سعد الذي تقدم المحتجين، وجد في خطوة الشركة «طمس ما كشفته الجولة الميدانية، ونقل اهتمام الرأي العام إلى مكان آخر باتخاذ إجراءات عقابية وابتزازية ضد الناس».
سعد دعا الجهات السياسية التي تدعم الشركة إلى «إعادة فتح المعمل وجمع النفايات قبل اليوم الاثنين، وإلا فسنلجأ إلى تدابير ميدانية لرفع الضرر عن الناس، ونقل النفايات من الشوارع والأحياء إلى حيث يجب أن تكون». ولفت إلى أن الهدف من التحركات «إصلاح الخلل في أداء المعمل من أجل حماية صحة الناس وسلامة البيئة، وليس إقفال المعمل كما يروج البعض».