ذكرى 14 شباط تؤرّخ لقطع نهائي مع التسوية الرئاسية… وخطاب «النقد الذاتي» سيرسم خارطة الطريق للمواجهة
“زعيم المختارة لن يكون رأس حربة… ولا كيس رمل لـ«أميركا»”
خرج زعيم المختارة وليد جنبلاط بعد زيارته الأخيرة لـ«بيت الوسط» ولقائه زعيم تيار المستقبل سعد الحريري ليقول: «كنا وسنبقى مع هذا البيت». اليوم، ومع الإعلان عن بدء لقاءات التنسيق بين كوادر الحزب التقدمي الاشتراكي والمستقبل، بدأت جهات سياسية ترصد مآل هذه الخطوة، وما إذا كانت ستشكل نواة لولادة جبهة معارضة جديدة، أو أنها مقدمة لاستعادة مشهد «14 آذار»، في ذكرى 14 شباط، ولا سيما أن دعوة الركنين الآخرين في قوى «14 آذار»، الرئيس أمين الجميل (الكتائب) ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مؤكدة.
المنخرطون في مطبخ التنسيق الاشتراكي – المستقبلي يشيرون إلى أن مسألة إعادة الوصل والتنسيق على المستوى التنظيمي، كوادر وقواعد شعبية، جرى التوافق عليها في لقاء الحريري – جنبلاط، وقد أوكلت المهمة إلى أمين عام «المستقبل» أحمد الحريري وأمين سر «الاشتراكي» ظافر ناصر، بحيث عُقدت اجتماعات تحضيرية وبوشرت اللقاءات العلنية وستستمر بوتيرة متواصلة في المناطق ذات الأرضية المشتركة والتداخل القوي، ولا سيما في الإقليم والبقاعين الأوسط والغربي.
صحيح أن جنبلاط كان قد أعلن، بعد انطلاق ثورة 17 تشرين واستقالة «القوات» من الحكومة، أنه سيبقى مع الحريري في الحكومة وسيستقيل معه، رغم إدراكه أن خيار البقاء آنذاك مكلف عليه شعبياً لأنه يسير عكس مزاج شارعه، لكن مَن يتابع حركته ومواقفه بعد خروجه من السلطة، يُدرك أن الرجل أراد بتصريحه من «بيت الوسط» رسم حدود تموضعه السياسي في المعارضة.
لا تبدو في الأفق ملامح تكوُّن جبهة سياسية عريضة في ثوب معارض على غرار 14 آذار. ووفق قريبين من جنبلاط، فإن لا نية لدى رئيس «التقدمي» في أن يكون رأس حربة كما فعل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005. فالظروف تغيَّرت، وما تشهده المنطقة اليوم يندرج في إطار المواجهة الإيرانية – الأميركية التي تدور رحاها على أكثر من ساحة، ومن ضمنها الساحة اللبنانية. واشنطن تُضيِّق الخناق على «حزب الله» عبر العقوبات والضغوط، بهدف إضعاف نفوذ إيران الذي وصل إلى المتوسط، والتي تُمسك بملفين أساسيين بالنسبة للإدارة الأميركية: النفط والحدود، وهما ملفان يعود فيهما الحل والربط لـ «محور إيران».
لكأن ما يريد أن يقوله القريبون من جنبلاط إن قيام جبهة معارضة موسعة سيكون إيذاناً بـ «إعلان الحرب» سياسياً على «حزب الله»، وهذا ليس وارداً في أي من الحسابات. يبرز بين سطور الكلام حذر من أن يتحوَّل المكون السياسي كما الطائفي الذي يُعبّر عنه جنبلاط إلى «كيس رمل» يُستخدم من قبل أميركا أو من قبل غيرها، في هذه المواجهة، فلا رغبة ولا قدرة على الانخراط بمثل هذا الدور داخلياً.
الأكيد أن ثمة معارضة لا يوارب جنبلاط في إعلانها، وهي معارضة عهد ميشال عون. وهنا يصبح التلاقي والتنسيق والتناغم مع الحريري طبيعياً، ذلك أن زعيم «المستقبل» يعدّ العدة لتكون الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال رفيق الحريري مناسبة للإعلان عن تأسيس مرحلة سياسية جديدة. ففي 14 شباط، الذي سيشهد إحياءً للذكرى، سيُعلن الحريري عن القطع مع التسوية الرئاسية وتلك المرحلة التي كان يدرك مخاطرها عليه، والتي اعتبر يوم تبنّى ترشيح عون أنه يدخل في مغامرة سياسية قد تكلفه الكثير على مستوى قواعده الشعبية وجمهوره. سيقوم بنقد ذاتي لتلك التجربة، يقول ما له وما عليه، يطوي مساراً إيذاناً بفتح آخر جديد بعنوان «معارضة العهد»، الذي كان يظن أنه بمدّ اليد إليه قد ينجح في تجنيب البلاد الأزمات التي وصلت إليها. وسيرسم خارطة طريق للمواجهة وآلياتها، وسيعيد وصل ما انقطع مع شارعه الذي عبّر عن عدم رضاه بالانكفاء والعزوف عن المشاركة في الانتخابات.
ورغم التأكيد على أن لكل من جنبلاط والحريري نمطه وطريقته في المعارضة، غير أن ما يتسرَّب من معطيات يُشير هو الآخر إلى أن زعيم «المستقبل» سيبقى على سياسته في مهادنة «حزب الله» في مقابل التصعيد في وجه العهد، الذي بات رئيس التيار الوطني جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية عنواناً له، بفعل الالتصاق والتماهي الكليين.
على أن السؤال المحوري الذي يتطلب نقاشاً يكمن في ما إذا كانت معارضة العهد وحده من شأنها أن تصوِّب المسار السياسي الذي بات يتحكم بالبلاد؟ وهل يكمن أصل المشكلة في العهد وحده؟ وألا يستوي العهد بداعمه الأساسي المتمثل بـ «حزب الله» صاحب القرار الفعلي؟ وهل كان الانقلاب على التسوية، رغم التداعيات السلبية التي آلت إليها، ليحصل من دون غطاء الحزب؟ ألم يقبض «حزب الله» على السلطة التنفيذية كاملة مع الإتيان برئيس حكومة لا يمثل في بيئته، ورغماً عنها؟ وكيف ستستقيم المواجهة، في ظل عدم وجود شريك مسيحي قوي، في ظل اصطفاف «القوات» خلف العهد، وموقف بكركي التقليدي الداعم لموقع بعبدا؟
وهل من شأن هذه المعارضة، بالعناوين التي سترفعها، أن تفعل فعلها في لجم مسار الانهيار المالي والاقتصادي، في ظل الاقتناع السائد بأن حكومة «اللون الواحد» لن تلقى أبواباً مفتوحة لها خليجياً في المدى القريب، ولا يؤسس بيانها الوزاري لخطوات فعلية في عملية الإصلاحات المطلوبة، وأولها ملف الكهرباء الذي أضحى عنواناً أساسياً لمدى جدية الحكومة في طرق باب الإصلاح؟ وربما السؤال الأهم يكمن في كيف ستنجح القوى المنتقلة إلى المعارضة حديثاً في الاندماج مع الشارع المُعترض، الذي يَعتبر أن هذه القوى كانت جزءاً من السلطة حتى الأمس القريب، وأنها تتحمَّل قسطها من الأزمة سواء في السياسة أو في إدارة الدولة؟!