Site icon IMLebanon

قصة الحريري مع الحلفاء والشركاء: مَن طعن مَن؟

 

 

لعلها إحدى المرات القليلة التي يواجه فيها الرئيس سعد الحريري ما يشبه «العزلة السياسية» خارج طائفته، بعدما انقطعت به السبل وضاقت أمامه الخيارات. لكن لماذا وصل الى هنا؟ وهل سيتمكن من تحويل التهديد فرصة؟

عقب سلسلة طويلة من التجارب الحية في «مختبرات» السلطة، ها هم شركاء الحريري في التسوية يَنفضّون عنه وينفضون أيديهم منه، ولاسيما منهم الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل اللذين يعتبران انه خذلهما عندما قفز من مركب العهد بعد عاصفة 17 تشرين الأول مستخدماً الاستقالة المباغتة قارب نجاة، ثم محاولاً فرض شروطه للعودة الى دفة القيادة بصفته منقذاً.

 

 

 

ومع أنّ الحريري لم يُخفِ امتعاضه من تعَمّد فريق العهد «تربيحه الجميلة» مراراً وتكراراً و«كلما دَق الكوز بالجرة»، إلّا انّ ذلك لا يغير حقيقة ما يشعر به عون وباسيل لجهة انهما لم يكونا يتوقعان ممّن أقاما الدنيا وأقعداها من اجل «استعادته» عندما اضطر الى تقديم استقالته الملتبسة في السعودية، أن يبادلهما المعروف بالجحود، وان يقابل تمسّكهما به وسعيهما الى حمايته خلال أصعب لحظة شخصية وسياسية في حياته بالتنكّر لهما والتخلي عنهما عندما واجها أخطر أزمة عقب 17 تشرين الأول.

 

 

 

بالنسبة اليهما لا يتعلق الأمر بـ«تربيح جميلة»، بل بالوفاء الذي لا يجب ان يخلو منه العمل السياسي مهما بلغ ضغط المصالح والحسابات الشخصية. وهناك بين المتضامنين مع رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» من يلفت الى أنّ سر صمود التحالف بين عون والأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله منذ 2006، على سبيل المثال، إنما يكمن في الدرجة الاولى بالوفاء المتبادل والذي كان يسمح لكل منهما أن يشعر أنّ ظهره محميّ ومصالحه الاستراتيجية محصّنة، على رغم من أنه كانت تمر أوقات طويلة من دون أن يلتقيا أو ينسّقا المواقف مباشرة.

 

 

 

لكن من يقف على شرفة «بيت الوسط» يشاهد الأمور بنحو مغاير، ويعتبر انّ ما فعله رئيس تيار «المستقبل» لإنجاح الشراكة مع عون وباسيل يكاد يرقى الى أعلى مستويات التضحية والشجاعة، ولم يكن أحد غيره ليتجرّأ على القيام به، بدءاً من دعم ترشيح عون لرئاسة الجمهورية خلافاً لمزاج طائفته وأصدقائه الخارجيين، وصولاً الى إبدائه أقصى البراغماتية في مقاربة الملفات الداخلية لمنع تفاقم الازمات والمآزق الوطنية كما حصل حين وافق على قانون انتخاب يعرف مسبقاً انه سيتسبّب في خسارته عدداً غير قليل من المقاعد النيابية، وبالتالي تقليص حجم كتلته وتأثيرها في المعادلات السياسية.

 

 

 

ويشير المتعاطفون مع ما يفترضون أنها «مظلوميّة» الحريري الى أنّ التنازلات التي قدّمها الرجل لصنع التسوية الشهيرة وإنجاحها كَلّفته ثمناً باهظاً على أكثر من صعيد، «إذ انه خسر جزءاً من قاعدته الشعبية التي لم تتقبّل خياراته السياسية، وكذلك حصل تراجع في زخم علاقته مع عمقه الاقليمي التقليدي المتمثّل في السعودية، من دون ان يربح في المقابل رهان الشراكة مع عون، فمن يكون صاحب التضحيات وحتى صاحب الفضل على الآخر في مثل هذه الحال؟».

 

 

 

ونَمط سلوك الحريري في مواجهة التحديات المستجدة أصاب ايضاً الشريان الممدود مع «الصديق اللدود» رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي انزعج بداية من استقالة الحريري، ثم من إفراطه في المناورات التي كان يحاول عبرها استعادة رئاسة الحكومة بشروطه، لينتهي به المطاف الى خسارة مقعده في السراي ومكانته في عين التينة.

 

 

 

أما الصدمة الأكبر التي تلقاها الحريري فكانت من الحليف المفترض سمير جعجع، الذي سحب قبل صياح الديك بساط الميثاقية من تحت قدمي رئيس «المستقبل»، حارماً إيّاه من الغطاء المسيحي الوازن الذي كان يطلبه للقبول بتولّي رئاسة الحكومة، بعدما تقاطع حزب «القوات اللبنانية» مع «التيار الوطني الحر» عند مصلحة واحدة وهي عدم تسمية الحريري.

 

 

 

ولعل «انقلاب الفجر» الذي نفذته «القوات» على الحريري نَكأ جروحاً قديمة غير ملتئمة في «بيت الوسط»، وأشدها إيلاماً هو خيار جعجع بالتخلي عن الحريري خلال أزمته في السعودية، وفق توصيف البعض لسلوك معراب آنذاك.

 

 

 

ويضاف الى ذلك افتراق الجانبين في محطات أخرى لاحقاً، سواء على طاولة مجلس الوزراء أو على طاولة الحوار التي دعا إليها عون في قصر بعبدا، حيث طرح جعجع للمرة الاولى تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين بدلاً من تلك التي يترأسها الحريري، من دون إغفال مسارعة وزراء «القوات» الى الاستقالة من طرف واحد بعد انطلاق الحراك، وهو موقف بَدا من منظار «المستقبل»، في حينه، انه ينطوي على محاولة لإحراج الحريري وإخراجه.

 

 

 

وغالب الظن انّ «القوات» وجدت الفرصة ملائمة بل مثالية للثأر من النهج الذي اعتمده الحريري خلال الفترة السابقة، وهي المقتنعة بأنه «ارتمى طويلاً» في حضن باسيل وغَلّب مصالحه التكتيكية معه على التحالف الاستراتيجي بينه وبين معراب.

 

 

 

يعرف جعجع أنّ طبق الثأر يؤكل بارداً، وبالتالي هو اختار التوقيت السياسي المناسب لإفراغ حمولة قلبه الملآن في «بيت الوسط» الذي يملك رواية أخرى لأسباب الخلاف معه، عكس جزءاً منها عضو كتلة «المستقبل» النيابية محمد الحجار عبر اتهامه «القوات» بأنها هي التي سَلّمت البلد الى «التيار الوطني الحر» و«الثنائي الشيعي».

 

 

 

وحجر الزاوية في رواية «المستقبل» أنّ جعجع الذي رفض تأييد الحريري لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية وأبرمَ «تفاهم المصلحة» مع عون بكل ما تَرتّب عليه من تداعيات، لا يحق له أن يلوم رئيس «المستقبل» على انخراطه في التسوية الرئاسية ومفاعيلها.

 

 

 

في المحصّلة، لقد خسر الحريري دعم الحلفاء وتفهم الخصوم، إلّا أنه ربح على الأرجح تأييد جمهور بيئته الذي ينظر اليه في اعتباره «ضحية» تستحق الاحتضان والمؤازرة، وهذا هو السلاح الوحيد الذي يملكه الحريري الآن لمواجهة الرئيس المكلّف والقوى التي سَمّته.