مع فجر اليوم يفترض أن تتضح خريطة تركيب البرلمان اللبناني الجديد، بعدما تفاوتت نسب الاقتراع في اليوم الانتخابي الطويل أمس، فكانت عالية في مناطق احتدم فيها التنافس، ومتوسطة ومنخفضة في بعض الدوائر الـ15 التي أملت الأحزاب الرئيسة برفعها بعد حملات التعبئة المحمومة التي تولتها خلال الأسابيع الماضية. ويشمل فرز النتائج صناديق اقتراع المغتربين الذين صوّتوا قبل أسبوع، مع توقعات بحصول مفاجآت في غير دائرة.
وأكد الرئيس اللبناني ميشال عون بعد أن اقترع صباحاً في مسقطه في حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية «للعهد» كما قال، ضرورة أن يمارس جميع اللبنانيين صلاحياتهم الانتخابية، واصفاً الاقتراع بـ «الواجب المقدس الذي إذا أهملوه تنازلوا عن حقهم في المحاسبة»، ومعتبراً أن «العملية الانتخابية ناجحة جداً». وفيما شدد عون على أهمية منح الصوت التفضيلي لمن يلبي تطلعات المواطنين، قال إن «مجلس النواب هو المؤسسة الأم التي ينبثق منها كل السلطات». وتفقد عون غرفة العمليات في وزارة الداخلية المشرفة على العملية الانتخابية مع الوزير نهاد المشنوق الذي تنقل بين المحافظات بطائرة هليكوبتر. وقال الوزير إن عملية الاقتراع تسير بنجاح معلناً تعليمات صدرت لمساعدة ذوي الحاجات الخاصة في الاقتراع وآسفاً للتقصير في هذا المجال، بعد شكاوى من هؤلاء منذ الصباح بسبب عدم تأمين مستلزمات قيامهم بالاقتراع، أبلغوها إلى رئيس الحكومة سعد الحريري صباحاً حين التقوه أثناء إدلائه بصوته في بيروت. وعاد عون فوجه نداءً إلى اللبنانيين قبيل السادسة مساء ودعاهم إلى ممارسة حقهم في الإقبال على التصويت. وقال: «تفاجأت بضعف الإقبال… إذا كنتم راغبين في حصول تغيير وتبديل والوصول إلى حكم جديد ونهج جديد لا يجوز أن تتركوا هذه الفرصة مع قانون جديد يسمح بالوصول إلى الندوة البرلمانية». وأضاف: «الوقت ما زال متاحاً، وآمل منكم بأن تقترعوا. إذا كنتم موجودين داخل أقلام الاقتراع، سيمدد الوقت كي يتمكن الجميع من التصويت».
وكانت نسب الاقتراع ارتفعت عصراً حتى إقفال صناديق الاقتراع السابعة مساء، بعدما اضطر عدد من الفرقاء إلى مناشدة أنصارهم الإقبال على التصويت، خصوصاً «التيار الوطني الحر» الذي أصدر بياناً بهذا الخصوص، فضلاً عن نداء مماثل وجهه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى أنصاره، فيما سجلت الدوائر الأمنية ووسائل الإعلام عدداً من الإشكالات الأمنية قرب أقلام اقتراع في بيروت، منها بين «المستقبل» و «حزب الله» وبين الأخير ومرشحين منافسين في الجنوب، وبين مناصرين للوزير بيار رفول من «التيار الوطني الحر» وابنة المرشح المنافس ميشال دويهي في زغرتا، وبين «المستقبل» و «القوات» في منطقة زحلة (تضارب بالعصي وظهور سلاح أبيض)، وتعطيل الاقتراع في الشويفات بعد إشكال بين أنصار الوزير طلال أرسلان ورئيس قلم الاقتراع حول توقيع المقترعين، عاد فتكرر مساء، وبين «القوات اللبنانية» و «الكتلة الشعبية» في زحلة، وغيرها من المناطق، بقيت محدودة وتوقف الاقتراع لبعض الوقت في أقلام ريثما عالجت القوى الأمنية الحوادث.
وأوجب تدنّي نسب الاقتراع اقتراح نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم تمديد التصويت ساعتين. واستعيض عن التمديد بقرار لوزارة الداخلية يقضي بتنخيب الموجودين في محيط مراكز الاقتراع وباحاتها حتى ما بعد الساعة السابعة بسبب الازدحام الكبير.
وعزت الماكينات الانتخابية عدم ارتفاع نسبة الاقتراع في بعض الدوائر، إلى أسباب منها بطء العملية نظراً إلى أن آلية التصويت على النظام النسبي واختيار الصوت التفضيلي ضمن اللائحة الواحدة تأخذ وقتاً، ما سبّب تأخيراً للمقترعين الذين اصطفوا للإدلاء بأصواتهم، فضلاً عن الحاجة إلى شرح كيفية التصويت قبل دخول بعض المواطنين الأقلام، وحصول ازدحام في السير لا سيما في المدن، ما اضطر ناخبين للمشي لبلوغ مراكز الاقتراع في بيروت.
وأكثر المناطق التي شهدت كثافة في التصويت منذ قبل الظهر، هي التي اختبرت منافسة محتدمة مثل كسروان- جبيل، صيدا، بعلبك- الهرمل، بشري- زغرتا- البترون-الكورة، المتن الشمالي، الشوف عاليه، والنبطية – بنت جبيل -مرجعيون- حاصبيا، حيث ينتظر أن ترتفع في بعضها عما كانت عليه في دورة 2009… وبذل «حزب الله» جهداً استثنائياً لرفع نسبة الاقتراع في الدوائر حيث تنافسه لوائح قوية، فاستحضر في جبيل وفي بعلبك الهرمل المسنين والمرضى، وشوهد في الهرمل مرضى نقلوا من المستشفى وهم يعلّقون أكياس مصل، إلى قلم الاقتراع.
وشملت الخروق القانونية خرق الصمت الانتخابي إذ أدلى مرشحون بتصريحات على أبواب أقلام الاقتراع حيث لاحقهم المراسلون، وتسجيل «الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات» مجموعة من المخالفات منها دخول أعضاء من الماكينات الحزبية إلى غرف الاقتراع. ونقلت وسائل الإعلام المرئية أنباء عن رشاوى في زحلة وطرابلس والمتن وكسروان وتولي مندوبي لوائح مرافقة ناخبين إلى العازل بحجة أنهم أميّون أو من ذوي الحاجات الخاصة.
وأدت تعقيدات القانون ومنها توزيع الصوت التفضيلي من قبل الأحزاب الرئيسة على مرشحيها، إلى إشكالات بين مرشحي اللائحة الواحدة مثلما حصل بين المرشحين عن «التيار الحر» في جزين، زياد أسود وأمل أبو زيد. إذ أدت إشاعات عن أن «التيار» خصصها للثاني، إلى سجال على مواقع التواصل الاجتماعي، ما استدعى انتقال رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل إلى جزين لينفي أنباء عن مغادرة أسود التيار. وفي دائرة زحلة تسبّب توزيع «المستقبل» التفضيلي بين إثنين من اللائحة التي يدعمها، في استغراب حليفه نزار دلول وتريث بعض أنصاره في الاقتراع.