يصب الكاتب الاسرائيلي جدعون ليفي غضبه على مواطنيه الذين اقترعوا لمصلحة اليمين في الانتخابات الأخيرة ويدعو في مقال له في «هاآرتس» (18/3/15) الى ما لا يقل عن «استبدال الأمة» التي تصوت في كل مرة ضد السلام مع الفلسطينيين.
فبعد كل الخواء الذي طغى على حكم بنيامين نتانياهو والفضائح التي كشفت وافتعال التوتر وزرع الخوف والقلق، يعود الاسرائيليون الى انتخابه، ما يرى فيه ليفي علامة على ان شيئاً ما تحطم على نحو لا يمكن اصلاحه. ويستنج ان «الشعب الاسرائيلي يستحق نتانياهو وهذا يستحق ذاك».
الدعاية والتحريض والخداع هي أسلحة رئيس الوزراء المعاد انتخابه في إرساء أسس نظام الفصل العنصري والاحتلال الذي سيستمر خمسين عاماً اضافية، برأي ليفي.
ثمة ما يدعو الى الانتباه في هذا الكلام. ليس في إدانته لخيارات الناخبين الاسرائيليين، بل في لقائه مع كلام مشابه قاله مثقفون وكتّاب عرب بحق الثورات في بلدانهم: استبدال الشعب وتغييره وإحالة كل النكبات التي تحل هنا وهناك الى الأثر «الثقافي» المتمثل في الدعاية والتحريض.
وقبل ليفي ونظرائه العرب، كتب المسرحي والشاعر الالماني برتولد بريخت قصيدة ساخرة من القيادة الشيوعية في ألمانيا الشرقية السابقة التي خاب أملها من الشعب ودعت الى استبداله. ربما يكون موقف بريخت الهازئ من حكّام بلده ما زال صالحاً كمدخل لتفنيد آراء الكتّاب الذين يدعون الى استبدال الشعب وتغييره معتمدين المقاربات «الثقافوية».
فعلى غرار الكتّاب العرب، يرفع ليفي من أهمية العمل التعبوي والدعوي الارادي لقوى اليمين الاسرائيلي، ويجعل منه العامل المقرر في رسم سياسات الحاضر والمستقبل، متجاهلاً العوامل الأكثر واقعية مثل تركيبة المجتمع الاسرائيلي والاستقلال الاقتصادي الذي يتيح لاسرائيل الابتعاد عن الضغوط الاميركية واجتراح سياسة خاصة بها تقوم على فكرة «الماسادا» (القلعة المحاصرة) التي لا يثق من في داخلها بأحد من الخارج.
المثقفون العرب الذين نددوا بالثورات التي تعصف بالمنطقة وألقوا عليها تبعات الفوضى التي تجتاحها، استندوا كذلك الى ما رأوه من دور حاسم للمكون الثقافي عند الطبقات الشعبية التي تميل فطرياً – بحسب رأيهم – الى التطرف الديني من دون أن يتمكن هؤلاء المثقفون من رؤية العوامل العميقة التي جعلت هذا الميل، اذا صح وجوده، نتيجة معطيات تاريخية قديمة وجديدة يرتبط أحدثها بأنظمة الاستبداد والظلم الهائل الذي ميز عمليات توزيع الثروة وبناء دول العصبيات الطائفية المسلحة.
«تغيير الشعب» يلتقي عند المثقفين هؤلاء كما عند ليفي وشيوعيي المانيا الشرقية، بعمى كامل يمنع النظر الى النظام السياسي وتركيبته الاقتصادية والاجتماعية وتحالفاته في الداخل والخارج وممارساته وادارته للشؤون العامة، وهي التي تفضي مجتمعة ومنفصلة إلى التحضير للاضطراب كما حصل في الثورات العربية أو الى إبقاء الوضع على حاله كما حصل في الانتخابات النيابية الاسرائيلية.
وإذا نقلت كلمات الصحافي الاسرائيلي الى حيز الكلام العربي، لظهر من يزيد عليه أن الأجدى إبدال ما في العقول قبل إبدال الانظمة والحكومات، وأن الشعوب «سيئة» لعطب فيها وكل ما تقوم به يدلل على تخلفها. ويمكن بعد ذلك العودة الى الاستكانة «الثقافية» الهانئة، في ما يرقى الى الخيانة الموصوفة لمهمة المثقف ودوره.