سلام دعا لإزالة العراقيل الهادفة لتطويق رئيس الحكومة والسنيورة يرد: ممارسات مستهجنة
تعطيل الحكومة يؤزم العلاقة بين عون والرئيس المكلف … الحريري: ارتهانات غيري مكشوفة وأنا المتضرر من هدر الوقت
تأزمت العلاقة بين رئيس الجمهورية اللبناني العماد ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري في اليومين الماضيين وخرجت وقائعها إلى العلن في بيانات صادرة عن كل من مكتبيهما الإعلاميين، تصريحا وتلميحاً، فضلا عن صدور بيان من رئيس الحكومة السابق تمام سلام رد فيه على بيان عون وتضامن مع الحريري.
وقالت مصادر سياسية موثوقة لـ”الحياة” أن اهتزاز العلاقة بينهما بدأ أول من أمس حين أبلغ الرئيس عون زواره أن تأخير الحكومة لم يعد مقبولا وأبدى امتعاضه من أن الحريري سيغادر إلى باريس لحضور منتدى اقتصادي حول الترويج لقرارات مؤتمر “سيدر” للخطة الاستثمارية من أجل لبنان.
وأوضحت هذه المصادر أن عون أبلغ بعض هؤلاء الزوار ومنهم وفد “اللقاء النيابي الديموقراطي” الذي زاره ليسلمه ورقته حول سبل معالجة الوضع الاقتصادي، أن البقاء على هذا الوضع غير صحيح، “وهو حامل حالو ومسافر ولا يجوز أن نبقى بلا حكومة وإذا بقيت الأمور على هذه الحال بدنا نشوف حدا ثاني”. وأضافت المصادر أن عون قال لزواره أنه جرى عرض صيغة الـ32 وزيرا على الحريري فرفضها، لكي يتم تمثيل أحد من النواب السنة الستة، وإذا لم تنجح الاقتراحات المطروحة أنا سأتوجه إلى المجلس النيابي”…
وكان رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل زار الحريري ليل أول من أمس وناقش معه عرض رفع عدد أعضاء الحكومة إلى 32 وزيرا لتوزير أحد النواب السنة الستة حلفاء “حزب الله” إلا أن الحريري لم يقبل به.
وإزاء تسريب زوار عون ما قاله عن الحريري وعن اقتراح الـ32 وزيرا إلى بعض الصحف بعد أن نقل إلى الحريري ما قاله رئيس الجمهورية، أبدى الرئيس المكلف استياءه، فأصدر المكتب الإعلامي لعون بيانا أوضح فيه موقفه وأكد أنه “إذا ما استمر تعثر تشكيل هذه الحكومة، فمن الطبيعي ان يضع فخامة الرئيس هذا الامر في عهدة مجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه”.
المصدر “المقرب والرفيع”
وبعد الظهر وزع المكتب الإعلامي للحريري البيان الآتي: “علق مصدر رفيع ومقرب من الرئيس سعد الحريري، على تطورات الوضع الحكومي وما استجد عليها من مواقف وتحليلات، فأكد على ما يلي:
اولاً – إن الرئيس المكلف سعد الحريري يتحمل، في نطاق صلاحياته الدستورية ونتائج الاستشارات النيابية، مسؤولياته الكاملة في تأليف الحكومة، وقد بذل اقصى الجهود للوصول الى تشكيلة ائتلاف وطني تمثل المكونات الاساسية في البلاد، وهي التشكيلة التي حظيت بموافقة فخامة رئيس الجمهورية ومعظم القوى المعنية بالمشاركة، ثم جرى تعطيل اعلانها بدعوى المطالبة بوجوب توزير كتلة نيابية، جرى إعدادها وتركيبها في الربع الاخير من شوط التأليف الحكومي.
ولعله من المفيد التذكير أن الرئيس المكلف، اتجه للاعلان عن تأليف الحكومة بمن حضر، في حال رفضت “القوات اللبنانية” المشاركة، وان تعليق عملية التأليف تتحمل مسؤوليته الجهة المسؤولة عن التعليق، وان كل محاولة لرمي المسؤولية على الرئيس المكلف هي محاولة لذر الرماد في العيون والتعمية على اساس الخلل.
ثانياً – إن موقف الرئيس الحريري من توزير هذه المجموعة النيابية لم يعد سراً، واذا كانت مشاورات الأسابيع الأخيرة تركزت على إيجاد مخرج مقبول، يتجاوب مع الصلاحيات المنوطة بالرئيس المكلف ومكانته التمثيلية في الحكومة، فإن المسار الذي اتخذته تلك المشاورات لم يصل الى النتائج المرجوة بسبب الاصرار على الاخلال بالتوازن وتقليص التمثيل السياسي للرئيس المكلف، الأمر الذي يضفي على الحكومة العتيدة شكلاً من أشكال الغلبة يرفض الرئيس الحريري تغطيته بأي شكل من الاشكال.
ثالثاً – إن الرئيس المكلف كان صريحاً منذ الأيام الاولى للتكليف بانه يفضل العمل على حكومة ائتلاف وطني من ثلاثين وزيراً ، وان الاقتراح الذي يطالب بحكومة من ٣٢ وزيراً، هو اقتراح من خارج السياق المتعارف عليه في تشكيل الحكومات.
أضاف المصدر المقرب من الحريري: إن إعادة استحضار هذا الاقتراح لتبرير توزير مجموعة النواب الستة، وإنشاء عرف جديد في تأليف الحكومات أمر غير مقبول ، اكد الرئيس المكلف رفضه القاطع السير فيه.
رابعاً – إن أحداً لا يناقش الحق الدستوري لرئيس الجمهورية بتوجيه رسالة الى المجلس النيابي، فهذا صلاحية لا ينازعه عليها أحد، ولا يصح أن تكون موضع جدل أو نقاش، بمثل ما لا يصح ان يتخذها البعض وسيلة للنيل من صلاحيات الرئيس المكلف وفرض أعراف دستورية جديدة تخالف نصوص الدستور ومقتضيات الوفاق الوطني.
خامساً – إن مسيرة التعاون بين رئيس الجمهورية وبين الرئيس الحريري، هي التي شكلت جسر العبور من مرحلة تعطيل المؤسسات الى مرحلة اعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية ودورها.
واذا كان البعض يجد في تكرار التعطيل وسيلة لفرض الشروط السياسية، وتحجيم موقع رئاسة الحكومة في النظام السياسي، فان الرئيس الحريري لن يتخلى عن تمسكه بقواعد التسوية السياسية التي انطلقت مع انتخاب فخامة الرئيس، فحرصه على موقع رئاسة الجمهورية واجب وطني لن يتهاون فيه، ونجاح العهد هو نجاح لكل اللبنانيين، وحماية هذا النجاح تكون اولاً وأخيراً بتأليف حكومة قادرة على جبه المخاطر والتحديات وتعزيز مساحات الوحدة الوطنية وليس تحجيم هذه المساحات وبعثرتها.
سادساً – ان الرئيس المكلف اول المتضررين من هدر الوقت، ومن تأخير تأليف الحكومة ، لمعرفته بان حكومة تصريف الاعمال ليست الجهة المخولة، ولن تكون الجهة القادرة، على معالجة المشكلات الاقتصادية والادارية والانمائية المستعصية ، وان المخاطر الماثلة على الحدود الجنوبية تتطلب حكومة كاملة الصلاحيات، انما حكومة تكون محل ثقة المحلس النيابي والمواطنين والمجتمع الدولي والعربي، لا حكومة تقدم الهدايا المجانية للمتربصين شراً بلبنان واستقراره.
واعتبر المصدر أن بعض المصطادين بالماء العكر، الذين يأخذون على الرئيس المكلف تعدد جولاته الخارجية، يفوتهم أن الرئيس الحريري جعل من الوقت الضائع الذي استنزفوه في تأخير التأليف، وسيلة لحماية المشروع الاستثماري والاقتصادي الذي يراهن اللبنانيون على انطلاقته.
لقد نجح الرئيس سعد الحريري في حشد الاصدقاء والاشقاء على المشاركة في مؤتمر سيدر، وهو مؤتمن على حماية النتائج التي انتهى اليها، سواء من موقعه كرئيس اصيل للحكومة او من موقعه كرئيس لحكومة تصريف الاعمال.
وقال الحريري كلاما أكثر وضوحا خلال استقباله عصرا وفدا من “اللقاء التشاوري” في إقليم الخروب تقدمه النائبان محمد الحجار وبلال عبدالله وضم ممثلين عن “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”الجماعة الاسلامية” و”تيار المستقبل” ورؤساء بلديات ومخاتير قرى الاقليم.
وأبدى أعضاء اللقاء تاييدهم للرئيس الحريري ولمواقفه وتوجهاته السياسية ودعمهم لمؤسسات الدولة مؤكدين على ضرورة الالتزام باتفاق الطائف للخروج من التعطيل السياسي والاقتصادي.
وقال الحريري: “رحم الله الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان دائما يجمع اللبنانيين في دارته في قريطم و كل مكان، لانه كان يدرك جيدا ان ادارة البلاد لا يمكن ان تحصل في ظل الخلاف بين ابناء الوطن”.
اضاف: إن لبنان يمتلك مقومات عدة وخصوصية معينة ، فيها ضعف في أماكن معينة ولكن فيها الكثير من القوة في أماكن أخرى، فلا خيار أمامنا سوى ان نعمل للحفاظ على بعضنا البعض.
وأشار إلى أن “هناك من يقول ان اتفاق الطائف الذي انهى الحرب اللبنانية واصبح دستورا للبلاد وارسى عقدا بين اللبنانيين ليحكموا البلد، هذا الاتفاق الذي التزمنا به منذ اقراره وما زلنا، اصبح بحاجة الى تغيير، وانا اقول اليوم: إن أي دستور نضعه في لبنان او في أي بلد في ظل وجود تصرفات من قبل البعض تخرق الدستور والقانون، لن يكون صالحا فالمهم هو احترام الدستور وليس المنافسة على خرقه وخرق القوانين”.
تابع قائلاً: “المسالة ليست مسالة “مرجلة” فاذا اردنا ان نكون بلدا حضاريا، يجب علينا ان نحترم الدستور والقانون. إن آلية تشكيل الحكومة استنادا الى الدستور واضحة، وهي تنص على أن يقوم رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة بالتفاهم مع فخامة رئيس الجمهورية ونقطة على السطر. هذا هو الدستور الذي وضعه من شاركوا في اتفاق الطائف بعد الحرب الاهلية الدامية التي عاشها اللبنانيون”.
وتابع قائلا: “لا شك ان هناك متضررين كثر من تنفيذ اتفاق الطائف، وتطبيق واحترام الدستور والقوانين. وقد اصبح واضحا ما يريده هؤلاء الناس وما هو مشروعهم، وما حصل خلال الاسبوع الماضي ولسوء الحظ لا يصيب سعد الحريري بل يصيب لبنان. وتساءل الرئيس الحريري قائلا: “هل اللغة التي سمعها اللبنانيون والعرب تعبر عن صورة لبنان الحقيقية وعن عادات وتقاليد اللبنانيين، وهل تجسد الصورة التي نريد اعطاءها للعالم العربي وللعالم اجمع؟ هل نريد ان نعطيهم صورة الدولة العاجزة عن تطبيق القانون؟ ام نقدم لهم سيل الخطابات السياسية التي تكيل الشتائم لي و لسواي من دون الاحتكام الى القضاء؟ فالتشهير والقدح والذم هي من صفات مطلقيها ، فالله يمهل ولا يهمل”.
وقال الرئيس الحريري: “لدي كامل الثقة اننا سننهض بمؤسساتنا وبالدولة وكل ما يحصل يصب في خانة وضع العراقيل امام تشكيل الحكومة ، المشكلة اصبحت واضحة ولا احد يمكن ان يختبىء وراء أي امر لتبرير ما يقوم به. ان قناعاتي السياسية معروفة وارتهانات غيري مكشوفة .
ما حصل امر يسئ الى لبنان والى عائلتي، وهذا امر لن اسمح ولن ارضى به مهما فعلوا ، وعلى كل واحد في النهاية ان يتحمل مسؤولية افعاله”.
وشكر “الحزب التقدمي الاشتراكي” ورئيسه وليد جنبلاط، إن وليد بك شخصية سياسية واجهت الكثير ووقفت الى جانبنا في الأوقات الحرجة وتيمور بك اليوم يكمل هذه المسيرة ونحن الى جانبه وسنكمل هذا المشوار، ونحن على تواصل مع “الجماعة الاسلامية”.
سلام و”البدع”
وأصدر الرئيس تمام سلام بيانا جاء فيه: “قرأنا بكثير من الاستهجان ما ورد في البيان الصادر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية، والذي جاء فيه أنه في حال استمرار التعثر في تشكيل الحكومة فمن الطبيعي أن يضع رئيس الجمهورية الأمر في عهدة مجلس النواب ليبني على الشيء مقتضاه”.
واعتبر سلام أن “هذا الموقف المستغرب، يستبطن القول إن النواب الذين منحهم الدستور حق تسمية الرئيس المكلف بإمكانهم إعادة النظر بهذا التكليف، ويحاول أن يستخرج من الدستور ما ليس فيه، ويشكل بدعة جديدة تضاف إلى سلسلة البدع التي ترمى في ساحة النقاش السياسي منذ فترة بهدف خلق أعراف منافية للنص الدستوري”.
وأضاف: “إذا كان الدستور، الذي توافق عليه ممثلو الشعب اللبناني في الطائف، أعطى رئيس الجمهورية الحق في توجيه رسائل الى مجلس النواب عندما يرى ضرورة لذلك، فإنه لم يمنح الرئيس صلاحية وضع مسألة تشكيل الحكومة في عهدة مجلس النواب، كما لم يعط المجلس حق مراجعة التكليف الذي يحصل عليه رئيس الحكومة بموجب الاستشارات الملزمة”.
وأكد “تأييدنا للعهد في مسيرة الاصلاح والنهوض بالبلاد، فإننا نشدد على دور فخامة رئيس الجمهورية في السهر على احترام الدستور وحرصنا على موقعه كمرجع لكل اللبنانيين”.
وحتم بالدعوة إلى “الاسراع في تشكيل الحكومة وإلى معالجة الأسباب الحقيقية للتأخير وإزالة العقبات المفتعلة من طريق الرئيس المكلف والكف عن محاولات تطويقه وإضعافه”.
والسنيورة يرد: ممارسات مستهجنة
ورد المكتب الإعلامي للرئيس فؤاد السنيورة على بيان بعبدا “والذي ينتهي إلى القول أنّه: “إذا ما استمرّ تعثر تشكيل هذه الحكومة، فمن الطبيعي ان يضع فخامة الرئيس هذا الأمر في عهدة مجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه”. ولفت السنيورة الى ان معالجة مشكلة تشكيل الحكومة من خارج السياق الدستوري، كوضع هذا الموضوع بيد مجلس النواب من شأنه: “1- مخالفة أحكام الدستور، ولاسيما المادة 53 منه، التي تنيط برئيس الحكومة المكلف بالاتفاق مع رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة.
“2- الخروج على مبدأ الفصل بين السلطات، الذي يحدد صلاحيات المؤسسات الدستورية بصورة واضحة وصريحة.
“3- التنازل عن صلاحية تشكيل الحكومة مِنْ قبل مَن فوّضهم الدستور تشكيل الحكومة، أي رئيس الحكومة المكلّف بالتعاون مع رئيس الجمهورية، وتفويضها إلى جهة أخرى، وذلك مما يخالف أحكام الدستور والمبادئ الدستورية العامة، لأنّ تفويض الصلاحيات الدستورية غير جائز.
“4- وضع مسألة تشكيل الحكومة بيد مجلس النواب بما لا يؤدي إلى حلّ لأزمة تشكيل الحكومة، بل من شأنه أن يزيد الوضع تعقيداً وصعوبةً وخطورة. لأنه ينقل أزمة تشكيل الحكومة إلى مجلس النواب، علماً أنّ مجلس النواب ليس هو المخول بتشكيل الحكومة ولا في التدخل في آلية تشكيلها. إذ إنّ مهمته تنتهي بانتهاء الاستشارات الملزمة لكي تعود له الصلاحية عندما يَعْرِضُ رئيس الحكومة المكلف التشكيلة الحكومية عليه مرفقة ببيانها الوزاري لكي تنال الحكومة الثقة منه”.
واشار السنيورة الى “أننا نشهد في هذه الفترة ممارسات مستهجنة بقصد فرض أعرافٍ جديدة لا علاقة لها بالدستور، ولم يشهد نظامنا السياسي مثيلاً لها من قبل”، وقال: “من المستهجن أن يتحكم فريق سياسي بفرض تعيين وزراء من خارج فريقه، وان يشترط ذلك على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، والا فهو لا يسمح بتشكيل الحكومة بل هو يعرقل تشكيلها”.
وزاد: “ربما كان من الأجدى بفخامة الرئيس وهو المؤتمن على الدستور والأكثر إدراكاً للصعوبات التي تمرّ بها البلاد، أن يُعالج الأمر بالتعاون مع رئيس الحكومة المكلف من أجل التوصل إلى حل يرضي اللبنانيين ويحظى بثقتهم. فما قرأناه في وسائل الإعلام اليوم بإمكانية إحالة الأمر إلى مجلس النواب سيدخلُ لبنان في أزمة أكبر وأكثر تعقيداً وخطورة من الأزمة التي تمر بها البلاد اليوم، كما أنّ ذلك لن يحل مشكلة تأليف الحكومة ولن يساهم في إيجاد مخرج للأزمة”، معتبرا “أن حل هذه المشكلة برُمَّتها لا يمكن ان يتمّ إلاّ بالعودة والالتزام الكامل بأحكام الدستور بعيداً من الضغوط والإملاءات”.