أخذت مهلة اليومين لولادة الحكومة اللبنانية الجديدة تضيق، فيما تهيأ رئيس المجلس النيابي نبيه بري للدعوة إلى جلسة تشريعية عبر أخذ قرار في هذا الشأن في هيئة مكتب البرلمان، وتُرك له تحديد موعد لها في ضوء نجاح الجهود في تأليف الحكومة أو عدمه.
وغرق الفرقاء اللبنانيون في تفاصيل المخارج الممكنة لحل عقدتي تمثيل “اللقاء التشاوري” للنواب السنة الستة حلفاء “حزب الله”، وإسناد حقيبة البيئة إلى “التيار الوطني الحر” بدلا من أن تكون في عهدة أحد وزراء رئيس البرلمان نبيه بري، واستمرت الاجتماعات والاتصالات الثنائية على قدم وساق بين الفرقاء المعنيين بهما حتى ساعة متأخرة ليل أمس.
وعلى رغم التوقعات بأن الحكومة قد ترى النور غدا الجمعة عند بعض الأوساط، فإن مصدراً وزاريا أبلغ “الحياة” أن شيطان التفاصيل يبقى ماثلا بحيث يجب عدم استبعاد أي احتمال قد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء في اللحظة الأخيرة. وقال قطب سياسي معني بالماولات الجارية ل”الحياة” إنه لا يعرف (مساء أمس) إذا كانت الحكومة سترى النور أم لا، في ظل ما يجري من صفقات حول الحقائب. وذكر مصدر مطلع أن بعض العقد أمام التأليف تبدو تافهة إلى درجة تدفع إلى الاعتقاد بأن سبب العرقلة هي أكبر منها.
وقالت مصادر مواكبة لجهود الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري ل”الحياة” إنه ما زال يتابع تحركه تأسيسا على ما قاله الثلثاء عن وجود إيجابيات تسمح له بالتفاؤل. وتضيف هذه المصادر أن الحريري على موقفه بأن هذا أسبوع الحسم، وأن الحكومة يجب أن ترى النور قبل نهايته، ويعمل استنادا إلى هذه القناعة، فإذا تعذر ذلك لديه خيار لم يتداول به مع أحد حتى الساعة، لكن المنطق يقول إن الشيء الوحيد المتاح أمامه هو الاعتذار عن عدم التأليف، مع أنه لم يفاتح أحدا بهذا الأمر. إلا أن هذه المصادر تسارع إلى القول إن الحريري واصل أمس اتصالاته على أساس أنها ستنتهي إلى إنجاز الحكومة. وفي ما يخص إشكالية اختيار الشخصية التي تمثل “اللقاء التشاوري” أوضحت المصادر ل”الحياة” أنه مع الجزم بأنه سيكون من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فإن المسألة ما زالت تدور حول ما إذا كان يصوت في مجلس الوزراء وفق توجهات “التشاوري” أم يكون مع الرئيس عون، وإذا كان عضوا في “تكتل لبنان القوي” الذي يرأسه الوزير جبران باسيل أم لا… والنقاش في ذلك دخل معمعة يشارك فيها “حزب الله” كحليف للطرفين.
لكن مصادر نيابية في كتل متعددة أوضحت ل”الحياة” أنه على رغم الحديث عن تموضع الوزير الذي سيمثل “التشاوري” هناك إشكالية في اختيار الإسم من بين الثلاثة الذين سماهم النواب الستة من خارج إطارهم، أي عثمان مجذوب مدير مكب النائب فيصل كرامي، حسن مراد نجل النائب عبد الرحيم مراد وطه ناجي القيادي في جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش). وأكدت المصادر النيابية أن تباينا حصل أول من أمس بين أعضاء “التشاوري” حول ما إذا كان الوزير الذي سيمثله يجب أن يكون عضوا في “تكتل لبنان القوي”، إذ عارضها عدد من النواب الستة، واستكمل النقاش في شأنها أمس حث جرى التوصل إلى قناعة بأنه إذا كان المخرج بأن يكون عضوا في التكتل “شكليا لكنه يصوت وفق توجهات التشاور، لن يكون الأمر عقبة”. وقال مصدر في “اللقاء التشاوري” ل”الحياة” إن طالما تمثيله لم يعد عقبة، ومطلبه تحقق، يفترض بالحكومة أن ترى النور إلا إذا كانت العقدة الأساس في الحقائب.
لكن تردد أيضا أن تباينا حصل حول اختيار إسم الوزير. واتفقت مصادر في “التشاوري” وأخرى مواكبة لاتصالات الحريري على القول ل”الحياة” أن التسمية متروكة في النهاية للرئيسين عون والحريري. إلا أن هذه المصادر قالت إن الوزير باسيل يفضل توزير نجل مراد على مجذوب لأن الأخير يمثل كرامي المشارك في تكتل نيابي يقوده رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، الذي تشوب العلاقة بينه وبين باسيل حساسية عالية السلبية. وفي المقابل فإن المصادر ذاتها تشير إلى أن الحريري يفضل مجذوب على مراد لأسباب تتعلق بالخصومة السياسية والانتخابية مع الأخير في البقاع الغربي، لا سيما أنه ينوي تسمية وزير من تلك المنطقة هو جمال الجراح.
ولم تخف المصادر وجود بانات بين أعضاء التكتل أنفسهم حول التسمية.
معضلة حقيبة البيئة
أما بالنسبة إلى معضلة إصرار باسيل على الحصول على حقيبة البيئة، الآيلة إلى حصة الرئيس بري فإنها لم تجد حلا حسبما قال أحد الوزراء المتابعين للمفاوضات، طالما أن الصناعة التي طالب بها بري بديلا للبيئة يتمسك بها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي امتنع عن التخلي عنها حين طلب منه الحريري ذلك أكثر من مرة ، لمصلحة الثقافة التي قيل إنها ستؤول إلى “القوات اللبنانية” أو إلى الحريري، ويرفض أي من بري أو جنبلاط أيضا الحصول على حقيبة الإعلام بدلا من البيئة والصناعة. وبينما قالت مصادر إعلامية أن هناك مخرجا يقضي بأن يحصل “التيار الحر” على البيئة، وأن يقنع حليفه حزب “الطاشناق” بالتخلي عن وزارة السياحة لبري، ليتولى الحليف الإعلام، فإن قيادة “الطاشناق” تحفظت على أن يكون المخرج على حسابها.
إلا أن قاديا في “التيار الحر” قال ل”الحياة” مساء أمس أن مطلب باسيل لا ينحصر بالحصول على البيئة، بل هو طرح بدائل أخرى إضافة إليها، وهي وزارة الزراعة (وهي آيلة إلى بري أيضا)، أو وزارة الشباب والرياضة، الآيلة إلى “حزب الله”.
وإلى أن تحسم “دويخة” تدوير الحقائب في الساعات المقبلة، أكدت مصادر مطلعة على مسار التأليف في القصر الرئاسي ل”الحياة” أن كل الاجواء توحي بالايجابية وبقرب صدور مراسيم الحكومة”. وقالت: “إن رئيس الجمهورية يتابع الاتصالات القائمة، والتي رست على : عقدة “اللقاء التشاوري” حلت بنسبة 90 في المئة، بأن يختار الرئيس عون اسم ممثل اللقاء من المرشحين الثلاثة، على ان يجتمع مع كتلة “اللقاء التشاوري” وأن ينسق مع رئيس الجمهورية، ولا يزال امكان مشاركته في اجتماعات تكتل “لبنان القوي” قيد البحث. أما توزيع الحقائب فقد رست وزارة البيئة لصالح “لبنان القوي” فيما يصر الحزب “الاشتراكي” على التمسك بالصناعة، والبحث هو عن وزارة بديلة عن البيئة لحركة “أمل”.
رواية بري
ونقل نواب عن الرئيس بري في لقاء الاربعاء النيابي أمس قوله إن “الإتصالات تركزت على نقطتين: الاولى حول كيفية تمثيل اللقاء التشاوري وليس على مبدأ التمثيل الذي اتُفق عليه. والإشكالية هي أين يكون وزير “التشاوري” ومن حصة من؟.اما النقطة الثانية فتتعلق ببعض اللمسات على بعض الحقائب”.
أضاف: ” تبقى نقطة صغيرة تتعلق بأن ممثل اللقاء التشاوري الذي هو حصة رئيس الجمهورية يمثل اللقاء، وهناك اشكالية حول ما إذا كان يحضر اجتماع تكتل لبنان القوي او اللقاء التشاوري”.
واشار بري وفق النواب الى ان الحريري قام بدوره بالاتصال مع الاطراف الاساسية، وان الرئيس بري قام بواجباته في اليومين الماضيين في سبيل تسهيل تأليف الحكومة كما فعل في مرات سابقة ، لأن وضع البلاد والعباد لم يعد يحتمل اضاعة الفرص.
ووضع بري النواب في اجواء إجتماع هيئة مكتب المجلس الذي ترأسه، مشيرا الى أن “هناك 9 بنود على جدول اعمال الجلسة العامة 6 مشاريع قوانين و3 اقتراحات، و”ان تحديد موعد جلسة نيابية يعود حصرا إلى بري، وفق ما قال عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب علي بزي.
هيئة مكتب المجلس
وكان بري ترأس اجتماع هيئة مكتب المجلس في حضور نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي والنواب: مروان حمادة، ميشال موسى، سمير الجسر، الآن عون، هاغوب بقرادونيان، والأمين العام عدنان ضاهر.
وقال الفرزلي: “تمت مناقشة جدول اعمال لجلسة محتملة وأسّست هيئة المكتب لكل الاحتمالات التي قد تطرأ على الساحة، وخلقت نوعاً من “شبكة الأمان للبدائل وفقاً لما قد يستجد سواء لجهة تأليف حكومة او لعدم تأليفها ونتمنى أن يصار الى تشكيلها وبالتالي يبنى على الشيء مقتضاه”.
وفي وقت نقل نواب عن بري بأن آخر الشهر إنفاق الدولة يتطلب مخرجا هذا الشهر قبل نهايته بالمعنى القانوني، إذا كان يتم على القاعدة الإثني عشرية أم لا، قال الفرزلي: “أُخذت في الإعتبار كل الإحتمالات وسيتم التصرف على هذا الأساس، ويأخذ الرئيس بري القرار المناسب وبتفويض من هيئة مكتب المجلس”.
واعتبر الفرزلي أن الامور ان شاءالله إلى خواتيمها في الشأن الحكومي، ولكن كما يردد الرئيس بري ما تقول فول تيصير بالمكيول. فهودائماً متفائل”.
حمادة
بدوره أكد حمادةعلى شبكة الأمان التي وضعت وصلاحية الرئيس بري في موعد الدعوة للجلسة التشريعية. وقال: مع أن صلاحية وضع الموضوع على جدول الاعمال هي صلاحية الرئيس بري، اعترضت سلفاً على إعطاء ضوء أخضر لسلفة 2734 بليون ليرة لكهرباء لبنان لمصاريف مستقبلية من دون أي إشارة الى القوانين السابقة التي تتعلق بوجوب تنظيم او إنشاء الهيئة الناظمة للقطاع وتشكيل مجلس إدارة. انا كنائب وكعضو هيئة مكتب المجلس لا اعتقد ان كتلتنا مستعدة ان تعطي ضوءاً اخضر على هذه السلفة من دون انتظام الامور داخل وزارة الطاقة والمياه”.