Site icon IMLebanon

ولادة الحكومة اللبنانية بعد مخاض 9 أشهر الحريري يعتذر من اللبنانيين ويتلقف “الجمر بيديه”

بعد ضغوط خارجية وتحت وطأة التعثر الاقتصادي
ولادة الحكومة اللبنانية بعد مخاض 9 أشهر الحريري يعتذر من اللبنانيين ويتلقف “الجمر بيديه”

وفي الأسبوع الأول من الشهر التاسع ولدت الحكومة اللبنانية الثلاثينية برئاسة سعد الحريري، بعد مخاض عسير تخللته مناورات وضغوط ومطالب وتنازلات واهتزاز في تحالفات نتيجة التجاذب على الأحجام والحقائب “الدسمة”. وهو ما اضطر الحريري في كلمته بعد إعلان الحكومة إلى الاعتذار من اللبنانيين.

وإذ جاء الإعلان عن الحكومة بعد أسبوع على تلويح الرئيس الحريري قبل أسبوع بموقف حاسم في حال استمر تعطيل التأليف، وصولا إلى الاعتذار عن مواصلة المهمة، فإن مجرد الإعلان عنها مساء أمس أدى إلى ارتفاع قيمة سندات لبنان الدولارية وفق وكالة “رويترز”.

ومع التأخير في تشكيل الحكومة 8 أشهر وأسبوع، منذ تكليف الحريري في 24 أيار (مايو) 2018 ، والوقت الضائع في إفادة لبنان من قرارات مؤتمر “سيدر” الدولي لدعم اقتصاده المتعثر، ينتظر أن يحدث الإعلان عنها صدمة إيجابية في الأسواق المالية وعلى الصعيد النفسي بين اللبنانيين، لقصيرة، قبل أن تبدأ عملها في تطبيق الإصلاحات المالية المطلوبة من المجتمع الدولي كشرط لتنفيذ برنامج الاستثمارات في بنيته التحتية. وعاجل الحريري الوزراء الجدد بعد دقائق من إعلان مراسيم التأليف بتغريدة من كلمتين: “إلى العمل”.
وساهم في حلحلة العقدة الأخيرة التي شغلت مفاوضات ربع الساعة الأخير حول تبادل الحقائب تنازل قدمه حزب “القوات اللبنانية” عن حقيبة الثقافة لمصلحة كتلة حركة “أمل” ورئيس البرلمان نبيه بري الذي وافق بناء لطلب الحريري على التخلي عن حقيبة البيئة التي أصر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على أن تؤول إلى فريقه، فحصلت “القوات” على حقيبة التنمية الإدارية. وطالب باسيل بالبيئة تعويضا عن قبوله بتوزير ممثل للنواب السنة الستة حلفاء “حزب الله” من حصة تكتله النيابي (لبنان القوي) ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إذ أن التسوية حول تخصيص مقعد لهؤلاء قضت بأن يكون هذا الوزير منتميا إلى “اللقاء التشاوري الذي يضم هؤلاء النواب، وفي الوقت نفسه أن يحضر اجتماعات “تكتل لبنان القوي” وينسق مع الرئيس عون. وعمل “حزب الله” في اليومين الأخيرين عبر مساعد أمينه العام حسين الخليل، مع حليفيه أعضاء “اللقاء” وباسيل، على تدوير الزوايا للوصول إلى هذا المخرج المركب، بعد أن كان إعلان الحكومة تجمد منذ 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بسبب إصرار الحزب على تمثيل النواب السنة المعارضين ل”تيار المستقبل” بزعامة الحريري.

وفيما اعتبر بعض الأوساط أن العقد التي أخرت التأليف داخلية تعود إلى قراءة كل فريق لنتائج الانتخابات النيابية في أيار الماضي وفق أهوائه، خصوصا أنها شهدت ارتفاعا في عدد نواب “حزب الله” وحلفائه في “التيار الوطني الحر” وقوى 8 آذار وانخفاضا في كتلة “تيار المستقبل”، فإن بعض الأوساط السياسية اللبنانية ظل مقتنعا بأن أسباب تعطيل ولادتها كانت خارجية أو بحسابات خارجية عند أطراف محليين، بدليل أن ضغوطا دولية جرت ساهمت في الإفراج عنها منها اتصلات أجرتها موسكو مع كل من “حزب الله” وطهران أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، شملت أيضا وزير الخارجية جبران باسيل، للحض على تسهيل ولادتها. كما أن هذه الأوساط أشارت إلى ضغوط المجتمع الدولي لا سيما فرنسا للتعجيل بالحكومة وإلا تلاشت قرارات مؤتمر “سيدر” فضلا عن أن تشجيع وكيل وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل خلال زيارته بيروت قبل أسبوعينن على تفعيل حكومة تصريف الأعمال في حال تأخر تأليف الحكومة، شكل عاملا ضاغطا هو الآخر لإنجاز التشكيلة الحكومية.

وتواجه الحكومة إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتعثر، مواضيع خلافية رئيسة أبرزها العلاقة مع سورية بين فريق يدعو للانفتاح على دمشق وآخر يرفض الحوار مع النظام بانتظار الحل السياسي للأزمة السورية، فضلا عن التباعد في الموقف من إعادة النازحين السوريين. كما تواجه تحديات التعاطي مع العقوبات الأميركية على إيران وسلاح “حزب الله” ومناقشة الاستراتيجيا الدفاعية لاستيعاب هذا السلاح تحت إمرة الدولة، في وقت يطمح الحريري إلى انفتاح عربي ولا سيما خليجي على لبنان يساعد في تحسين وضعه الاقتصادي. وهي عناوين على الوزراء إيجاد المخارج لها في البيان الوزاري الذي ستطلب ثقة البرلمان على أساسه.

توزيع الأسماء على الحقائب والفرقاء

وتميزت الحكومة الجديدة بوجود أربع نساء فيها للمرة الأولى إذ كانت المشاركة النسائية سابقا أقل، وبتولي حقيبة الداخلية التي آلت إلى “تيار المستقبل” وزيرة المال السابقة ريا حفار الحسن.، فيما تولت النساء الثلاث الأخريات حقائب الطاقة والتنمية الإدارية ووزارة دولة.

وضمت الحكومة الجديدة وفق إعلانها في القصر الرئاسي بعد اجتماع بين عون والحريري وبري الأسماء الموزعة على الحقائب كالآتي:

سعد الدين الحريري رئيسا لمجلس الوزراء، غسان حاصباني نائبا لرئيس مجلس الوزراء (القوات اللبنانية)، اكرم شهيب للتربية والتعليم العالي (الحزب الاشتراكي)، علي حسن خليل للمالية (أمل) محمد فنيش للشباب والرياضة (حزب الله)، جبران باسيل للخارجية والمغتربين (لبنان القوي)، وائل ابو فاعور للصناعة (الاشتراكي)، ريا حفار الحسن للداخلية والبلديات (المستقبل)، سليم جريصاتي وزير دولة لشؤون الرئاسة (لبنان القوي)، الياس بو صعب للدفاع الوطني (لبنان القوي)، جمال الجراح للاعلام (المستقبل)، يوسف فنيانوس للاشغال العامة والنقل (المردة)، اواديس كدنيان للسياحة (الطاشناق الحليف للبنان القوي)، البرت سرحان للعدل (لبنان القوي)، محمود قماطي وزير دولة لشؤون مجلس النواب، (حزب الله)، منصور بطيش للاقتصاد والتجارة (لبنان القوي)، جميل صبحي جبق للصحة (حزب الله)، كميل ابو سليمان للعمل (القوات)، ريشار قيومجيان للشؤون الاجتماعية (القوات)،مي شدياق وزير دولة لشؤون التنمية الادارية (القوات)، حسن اللقيس للزراعة (أمل)، محمد شقير للاتصالات (المستقبل)، عادل افيوني وزير دولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات ( سماه الرئيس نجيب ميقاتي بالتفاق مع الحريري)، فادي جريصاتي للبيئة (لبنان القوي)، غسان عطا الله للمهجرين ( لبنان القوي)، حسن مراد وزير دولة لشؤون التجارة الخارجية (اللقاء التشاوري ولبنان القوي)، صالح الغريب وزير دولة لشؤون النازحين (يمثل النائب طلال أرسلان وعضو لبنان القوي)، محمد داوود داوود للثقافة (أمل)، فيولات خير الله الصفدي وزير دولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة ( تحالف ممد الصفدي والحريري)، ندى البستاني وزيراً للطاقة والمياه (لبنان القوي).

الحريري والتحديات

ثم تلا الحريري بيانا قال فيه: “ينتهي اليوم الأسبوع الأول من الشهر التاسع على تأليف الحكومة، وهي فترة طويلة “تنذكر ولا تنعاد ان شاء لله”. المهم اننا توصلنا لتشكيل حكومة على صورة لبنان 2019، وبعد شكر فخامة الرئيس على ثقته والتأكيد على انني باق معه كفريق واحد وقلب واحد لخدمة البلد، يقتضي الواجب الإعتذار من كل اللبنانيين على التأخير، خصوصاً من جيل الشباب الذي انتظر فرصة لتصحيح الأوضاع. قد لا يكون هناك ما استدعى هذا التأخير فهناك الكثير من القضايا والملفات أهم من الحصص وتوزيع الحقائب”.

أضاف: “لهذا السبب تحديداً يهمني التأكيد منذ البداية ان المهم إعتباراً من اليوم، هو كيفية عمل الحكومة، وكيفية التعاون والتضامن داخل مجلس الوزراء كي نكون خلية عمل متجانسة. نحن أمام تحديات اقتصادية ومالية واجتماعية وادارية وخدماتية، اضافة الى التحديات المعروفة عن الأوضاع في المنطقة والتهديدات الإسرائيلية على الحدود. هذا يعني ان التعاون بين أعضاء الفريق الوزاري شرط وواجب كي نكون بمستوى التحدي وكي تنجح الحكومة في تجاوز هذه المرحلة”.

وأعلن أن “لدى الحكومة جدول أعمال لا يحتمل التأخير والتردد أو “التشاطر على الناس”. لقد انتهى زمن العلاج بالمسكنات، ولم يعد لاحد القدرة على ان يدفن رأسه بالرمل، فالامور واضحة كالشمس، وكل المشاكل وأسباب الهدر والفساد والخلل الإداري معروفة، وكل اللبنانيين يعيشون القلق على الوضع الإقتصادي.

المجتمع الدولي … والجمر

واعتبر أن “على اللبنانيين والسياسيين خصوصا ان يدركوا ان الحل لا يكون من خلال الشكوى والنظريات والخطوات الشعبوية، بل عبر برنامج واضح ومبادرات واصلاحات جريئة، وورشة تشريع وتطوير للقوانين لا تحتمل التأخير ولا المساومة. بهذه الطريقة نحمي اقتصاد البلد وحقوق الناس ومصالح ذوي الدخل المحدود خصوصا. ان حكومتنا هي حكومة الإستثمار بالحلول الإقتصادية والإنمائية والخدماتية. ان البرنامج الإستثماري بالبنى التحتية والخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي وطرقات، إضافة الى برنامج تفعيل قطاعات الإنتاج هو بين ايدينا، وقد دخل المجتمع الدولي شريكاً متضامناً معنا لتحقيق النهوض الإقتصادي، وقدم لنا في مؤتمر “سيدر” أكثر من 11 مليار دولار لتمويل مشاريع النهوض والتطوير، وعلينا كحكومة ومجلس نيابي ان نقوم بالباقي، عبر الشراكة الحقيقية والفعالة بين القطاعين العام والخاص. ان البرنامج المذكور يلحظ التمويل والمطلوب قرار التنفيذ، وهو يتطلب عملاً متواصلاً وإصلاحات أساسية مالية واقتصادية وإدارية وقطاعية. وببساطة لا يمكن للتمويل ان يصل من دون إصلاحات جدية تلحظ تلازماً بين التزامات المجتمع الدولي والإخوة العرب بالتمويل، والتزام الدولة اللبنانية بالإصلاحات والتنفيذ الشفاف للأعمال”.

وختم قائلا: “ادرك جيداً ان وجودي في الحكومة مع الوزراء مهمة غير سهلة، ويقال لي ان البعض “يرغب في رمي الجمر بين يديك”، اما انا فأقول: ليس لديّ ولدى الوزراء اي خيار، وعلينا مع فخامة الرئيس والمجلس النيابي ان نتحمل هذه المسؤولية، ونمنع انتقال الجمر الى بيوت اللبنانيين”.