الحريري يعطي مهلة أخيرة بعد تكرار باسيل أفكاره وخليل يعتبر العجز إنجازا وفنيانوس ينتقد النقاش غير المفيد
بيروت – وليد شقير
بات تأجيل إنجاز الحكومة اللبنانية موازنة عام 2019 مثل قصة إبريق الزيت بعد أن أفضى اجتماعها الثامن عشر أمس إلى تأجيل آخر إلى غد الجمعة لإفساح المجال أمام الوزراء لدراسة اقتراحات جديدة تقود إلى خفض العجز عن نسبة 7،6 في المئة قياسا إلى الدخل الوطني المحلي.
وتسبب التأجيل بانزعاج واضح من رئيس الحكومة سعد الحريري ومن وزير المال علي حسن خليل ووزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس الذي اقترح أن تحصل اجتماعات بين الحريري وباسيل وخليل بعد أن طال النقاش من دون طائل.
وأخذت الأسئلة تتزايد على لسان مصادر نيابية ووزارية عديدة لفتت “الحياة” إلى استغرابها أسباب المماطلة، عن الأهداف من وراء تأجيل البت بالموازنة، وتقديم الاقتراحات بالقطارة إلى مجلس الوزراء، ولا سيما من قبل وزير الخارجية رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي كان بشّر نهاية الأسبوع الماضي بالتأخير معتبرا أن لا بأس إذا حصل وتحققت موازنة منخفضة العجز والنفقات، وهو ما كان تسبب بانزعاج من قبل الوزير حسن خليل في جلسة أول من أمس الثلثاء حين قال أن الموازنة منتهية بالنسبة إليه، ولوح بمغادرة قاعة اجتماعات مجلس الوزراء إذا كان البحث سيمدد في بحث التخفيضات في الإنفاق. وأوضحت مصادر وزارية ل”الحياة” أن باسيل تقدم أمس الأربعاء بزهاء 15 اقتراحا لخفض الإنفاق، بعد أن كان تقدم قبل أكثر من 10 أيام بورقة من 6 صفحات أكدت مصادر وزارية مختلفة ل”الحياة” أن أكثر من 90 في المئة منها سبق أن نوقشت من قبل الوزراء، أو طرحها بعضهم حتى من تكتله الوزاري.
والنقاط التي عاد فطرحها باسيل لتضمينها مشروع الموازنة أمس كانت وردت في الورقة التي قدمها، كما أوضح أحد الوزراء لـ”الحياة”. وبعضها أثارها الوزير منصور بطيش وآخرون. وتبين أن أكثرها وارد أصلا في المشروع النهائي للموازنة الذي أعده الوزير حسن خليل وسلم الوزراء قرصا مدمجا عنه. ولخص مصدر وزاري ل”الحياة” نقاط باسيل المكررة بالقول إنها تعيد طرح مسألة حصر التدبير الرقم 3 بالقوى العسكرية على الحدود واستثناء قوى الأمن منه (تدبير الاستنفار الذي ينعكس زيادة على الرواتب ويضاعف تعويضات نهاية الخدمة للقوات المسلحة) والتي كان اتفق سابقا على أن يبحثها وزيرا الدفاع الياس بوصعب والداخلية ريا الحسن مع قيادتي الجيش والقوى الأمنية على أن يتم إطلاع الحكومة لاحقا على النتائج، خفض الرواتب المرتفعة في الإدارة بتجميد بعض الدرجات، وقف التوظيف إلا بقرارات استثنائية من مجلس الوزراء، فرض ضريبة على الفوائد التي يجنيها مصرف لبنان المركزي، خفض مساهمات الخزينة في التقديمات للموظفين ومنح التعليم، رفع الرسوم على الكسارات والمرامل وعلى اليخوت، تحديد أرقام التهرب الجمركي الذي تعهدت الحكومة بمعالجته، وكذلك أرقام التهرب الضريبي الذي تقررت مكافحته بإجراءات متعددة، إلغاء وزارة المهجرين (بعد سنتين أو ثلاثة) …
وعلمت “الحياة” أن باسيل أصر على طرح هذه النقاط في جلسة مجلس الوزراء خلال اجتماع مصغر برئاسة الحريري حضره إليه الوزير خليل، والوزراء يوسف فنيانوس، محمد فنيش، وائل أبو فاعور وكميل أبو سليمان، معتبرا أنه يمكن خفض العجز عن نسبة 7،67 في المئة من الناتج المحلي الذي كان تم التوصل إليه الثلثاء. وخلال المناقشات في جلسة مجلس الوزراء جرى نقاش مطول في شأن خفض منح التعليم للموظفين وتوحيدها بين الأسلاك (لاحظ أحد الوزراء أن السنة الدراسية انتهت) وفي النقاط الأخرى حيث تبين أن معظمها وارد في مشروع وزارة المال. وقال مصدر وزاري أن إعادة النقاش في بعض النقاط بين الثلثاء والأربعاء أدى إلى خفض بحيث بلغت نسبة العجز ما يقارب ال 7،5 في المئة.
وبعد قرابة ساعتين من النقاش اقترح الوزير فنيانوس البت باقتراحات باسل بينه وبين الحريري وخليل ليتم التوافق النهائي بينهم على الموازنة ثم يجري تجويلها إلى البرلمان. وقال أحد الوزراء ل”الحياة” إن فنيانوس اعتبر أن التأخير في نقاش غير مفيد فالوقت مكلف ولدينا عمل نقوم به في وزاراتنا، لكن الوزير سليم جريصاتي رد عليه قائلا أنه “لا يحق لك أن تقوم بخطوة سلبية”، فأجابه فنيانوس أنه “كنا اتفقنا أن يكون اجتماعنا الحالي النهائي يعقد بعده رئيس الحكومة مؤتمرا صحافيا. والظاهر أن “التيار” (الحر) لا يوافق على الموازنة، بينما العجز بنسبة 7،67 جيد. قليتفقوا في اجتماعهم وأنا أوافق. وأعقب ذلك إشارة بعض الوزراء إلى إضاعة الوقت بالمناقشات منهم الوزير أبو سليمان.
واعتبر الوزير حسن خليل أن ما يحصل هو تكرار في النقاشات، وأنه إذا امتدت النقاشات والاجتماعات يمكن أن تطرأ أفكار جديدة، فيما يمكن أن نواصل اتخاذ تدابير في قرارات لاحقة لمجلس الوزراء حين نضع يدنا على اقتراح معين لأن الموازنة عمل مؤسسات متواصل، وما يطرح ليس جديدا، في وقت لدينا قرار بألا نختلف، بينما بعض الإعلام يشن هجوما على الموازنة مثل محطة “أو تي في”، والإشاعات تخض الرأي العام. وذكّر بأنه كان ضد الرسم على البضائع المستوردة الذي اقترحه الوزير بطيش لكن عندما أقر ضمنته الموازنة. وأشار مصدر وزاري آخر ل”الحياة” إلى أن خليل دعا إلى عدم جلد الذات والتوصل إلى نسبة 7،5 في العجز إنجاز مهم جدا. وقال أن بعض الأرقام لم يضمنها الموازنة في انتظار أن تتحقق نتائج من ورائها، مثل وقف التهريب، وهذا يحفظ صدقية الدولة أمام المؤسسات الدولية والمهم أننا وضعنا البلد على مسار صحيح. وذكر أحد الوزراء أن خليل اعتبر أن الظهور بمظهر الخلاف يؤذي لبنان أمام الهيئات الدولية التي تساند لبنان.
واضطر الحريري إلى التدخل قائلا: خلال 18 جلسة أنا أفسحت المجال أمام النقاش بكل الأمور فامتد كثيرا حول بعض النقاط وكان مختصرا في غيرها. إذا هناك من ليس راضيا بنسبة عجز 7،5 في المئة نطرح الأمر على التصويت لأنه لم يعد جائزا إطالة البحث. فالموازنة هي للسنة الحالية وليست للتي تليها. وبعض اقتراحات الوزير باسيل ظهر لنا أنها جيدة وأخذنا بها. ثم لاحقا نعقد جلسات لنبحث بأمور أخرى.
ورجح أحد الوزراء ل”الحياة” أن يجري الحريري اتصالات اليوم وغدا الجمعة، بعد أن حدد الجمعة موعدا للاجتماع الأخير للحكومة، وأن تشمل هذه الاتصالات الرئيس ميشال عون من أجل تسهيل إنجاز الموازنة.
وأوضح أنه اتفق على التأكيد أن لا خلافات في النقاش الذي جرى. وهو ما عكسه وزير الإعلام جمال الجراح بالمعلومات الرسمية حين قال:
“قدم بعض الوزراء اقتراحات لتحسين الوضع وتخفيض العجز، وتبين أن العجز انخفض من 7.68% إلى 7.5%، وهذا أمر إيجابي جدا”. أضاف: كانت هناك اقتراحات من قبل عدد من الوزراء، وبعد النقاش، وحين وصلت الساعة إلى الخامسة والنصف، تبين أنها بحاجة فعلا إلى دراستها، ووزير المالية سينظر في انعكاسها المالي، لذلك أعطى الرئيس الحريري مهلة 48 ساعة لكي يناقش الوزراء المعنيون الذين تقدموا بأفكار وطروحات جديدة هذه الأفكار مع دولته، أو مع وزير المالية.
وقال: “وردني، وانا في الجلسة، أن بعض الإعلام تناول جو الجلسة، لكن ما تناوله الإعلام ليس صحيحا أبدا، كان هناك نقاش هادئ وموضوعي وجريء في كل المواضيع، لكن طوال الجلسة لم يحصل أي توتر أو أي كلام عال أو أي اشتباك. بل على العكس نتناقش ونتجادل ونقترح، لكن بكل هدوء ومحبة، وجميعنا بنفس الاتجاه. وبقدر ما نستطيع أن نخفض من العجز في الموازنة يكون الأمر جيدا جدا. لذلك أعطى الرئيس الحريري هذه الساعات الثمانية والأربعين، ستكون كافية لمناقشتها .
وتابع: “إذا برز أمر جدي، فلماذا لا نعطي أنفسنا 48 ساعة؟ إذا كان يخفض العجز من 7.5% إلى 7.4 أو 7.3% فلما لا؟ “.
واعتبر أنه “لا يمكن منع وزير من أن يقترح أمرا جديدا يوم الجمعة ويكون أمرا يساهم في تخفيض العجز وتحسين الموازنة، لكن أعتقد أننا استنفذنا كل الاقتراحات”.