لبنان نحو إلغاء زيارة باسيل طرابلس بعد نصيحة أيدها عون وتباين حول وقائع الاشتباك المسلح و”التوازن في العدالة”
بيروت – وليد شقير
تحت سقف قرارات المجلس الأعلى للدفاع “الحاسمة بإعادة الأمن” والسعي للتهدئة وضرورة توقيف جميع المطلوبين الذين شاركوا في الاشتباك الأمني في منطقة الشحار الغربي في قضاء عاليه أول من أمس الأحد، لمناسبة زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل إلى المنطقة، توسع النقاش خلال اجتماع أمس حول ظروف الانفجار الأمني الذي شهدته منطقة الجبل، ولم يخل من وجود تباينات في مقاربة أسباب الاشتباك المسلح الذي هز الاستقرار اللبناني.
وعلمت “الحياة” أنها من المرات القليلة التي يلامس المجلس الأعلى للدفاع الذي التأم برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الظروف السياسية للقرارات الأمنية التي يتخذها، على رغم أنه لم يتعمق فيها، لكن المشاورات التي جرت بموازاة مناقشات اجتماع مجلس الدفاع، شملت إسداء نصيحة إلى الوزير باسيل بوقف زياراته إلى المناطق اللبنانية التي تسبب ردود فعل سلبية، في إطار جولاته التي يهدف من ورائها إلى الترويج لتياره السياسي، وأنه طُلب إليه عدم زيارة مدينة طرابلس المقررة يوم الأحد المقبل، بعدما صدرت مواقف سياسية طرابلسية رافضة لهذه الزيارة، إثر الذي حصل في قضاء عاليه أول من أمس، وأدى إلى صدام قتل بنتيجته إثنان من مسلحي حزب النائب طلال أرسلان، كانا كلفا بمواكبة وزير شؤون النازحين صالح الغريب الذي وقع الصدام مع موكبه أثناء مروره في بلدة البساتين وسط احتجاج أنصار “الحزب التقدمي الاشتراكي” على زيارة وزير الخارجية لبلدة كفرحيم.
ورجحت مصادر موثوقة ل”الحياة” أن يلغي باسيل محطة طرابلس، مشيرة إلى أن الرئيس عون انحاز إلى النصيحة بإلغائها، طالبا من باسيل تجميد زياراته، خصوصا أن ظروف حادث الشحار الغربي أدت إلى استنفار قوة أمنية كبيرة ساعدت على خروجه من بلدة شملان قبل حصول الاشتباك المسلح. وذكرت المصادر أن قياديين في “التيار الحر” يميلون إلى وجوب وقف تحركات باسيل نظرا إلى الانعكاسات التي تتركها على الوضع السياسي العام في البلد.
سجال محدود مع وزيرة الداخلية
وكشفت المصادر ل”الحياة” عن أن النصيحة بأن يتوقف باسيل عن القيام بالزيارات المناطقية التي تتخللها استعراضات سياسية وأمنية في المواكب التي ترافقه، ويترتب عليها مشاكل واحتجاجات على طريقة دخوله إلى هذه المناطق، جاءت في سياق التأكيد أن رئيس “التيار الحر” ليس مضطراً لخوض معارك “قبل 3 سنوات من استحقاقها”، في إشارة إلى طموحه الترشح لرئاسة الجمهورية والترويج لشخصه ولسياسته في ظل عهد الرئيس عون، خصوصا أنها تأتي بمفعول عكسي، نظرا إلى اللغة التحريضية التي يعتمدها.
وقالت مصادر معنية بوقائع اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي سبقه خلوة بين الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، ل”الحياة” إن التباين بدأ قبيل بدء الاجتماع حين حصل سجال بقي محدودا بين باسيل ووزيرة الداخلية ريا الحسن، إذ أن الأول عاتبها على تصريح أدلت به حول الحادث الأمني في الجبل حين دعت إلى “عدم القيام باستنتاجات مسبقة” ردا على اتهامات حول الحادث. وأوضحت المصادر أن الحسن رفضت ملاحظته وردت عليه.
التوازن في العدالة
وفي ضوء المناقشات للمعطيات حول الاشتباك المسلح حيث عرض قادة الأجهزة الأمنية المعطيات التي تجمعت لديهم خلال الاجتماع، أشارت المصادر المعنية ل”الحياة” إلى الوقائع الآتية:
1- أن التوجه العام لدى قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية من جيش وقوى أمنية أخرى واضح، وهو عدم إقحام الجيش وقوى الأمن بمواجهة مع الجمهور والناس نتيجة الخلافات السياسية. وهو ما أكد عليه الحريري وورد في البيان الرسمي الصادر عن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع.
وأوضحت المصادر إياها ل”الحياة” أن الحريري أكد في هذا السياق على أهمية المعالجات السياسية أيضا، بالحوار والتواصل مع سائر الفرقاء، بالتوازي مع العمل على توقيف المسؤولين عن إطلاق النار والتسبب باندلاع الاشتباك المسلح الذي حصل.
2- أنه مع دعوة وزراء من تيار باسيل، خلال الاجتماع من أجل التشدد في المعالجات الأمنية لحادث الشحار الغربي ( قبرشمون- البساتين- عبيه- كفرحيم) وتوقيف مطلقي النار من الفريقين، فإن وجهة نظر أخرى أكدت أن هذه المعالجات الأمنية يجب أن تتسم بالتوازن وتشمل أيضا معالجة حادثة بلدة الشويفات في أيار (مايو) من العام الماضي على إثر الانتخابات النيابية (مقتل ناشط في الحزب التقدمي الاشتراكي على يد متهم من محازبي أرسلان جرى تهريبه إلى سورية) ما ساهم في الاحتقان الذي تشهده بعض المناطق الجبلية، جراء عدم تسليم الهاربين من العدالة.
3- أن الرئيس عون أكد خلال الاجتماع أن التأزم يحتاج إلى المعالجة على المستويات السياسية والأمنية والقضائية. إلا أن ترداد أحد الوزراء لاقتراح إحالة اشتباك أول من أمس على المجلس العدلي لم يلقَ حماسا لدى رئيس الجمهورية.
4- إزاء قول أحد الوزراء أنه كانت هناك محاولة اغتيال لوزير في الحكومة (المقصود الوزير الغريب) خلال حوادث يوم الأحد كان هناك موقف أمني آخر بالدعوة إلى عدم استباق التحقيقات وجمع المعطيات، وأن هذا الاستنتاج يحتاج إلى تدقيق، في وقت أذاعت إحدى محطات التلفزة معلومات عن أحد التقرير الأمنية ورد فيه أن الوزير الغريب قد يكون شارك في إطلاق النار. كما أن المعطيات التي توفرت أن أحد عناصر المواكبة في موكب الوزير الغريب، الذي هو واحد من القتيلين، أنه أصيب فيما كان يطلق النار وهو ملثم، فيما كان على بعد أمتار من سيارة الوزير الغريب وسيارات المواكبة، ما يعني أنه ترجل وأطلق النار.
مجلس وزراء آمن…
من جهة ثانية علمت “الحياة” أن الحريري الذي يترأس اليوم جلسة لمجلس الوزراء في السرايا الحكومية أجرى أمس سلسلة اتصالات مع الأطراف السياسية كافة المشاركة في مجلس الوزراء، من أجل تأمين جلسة آمن وغير متوترة على ضوء ما حصل في الشحار الغربي. وشملت هذه الاتصالات لقاءه مع وزير الصناعة وائل بو فاعور الذي استقبله لهذا الغرض وحمله رسالة إلى رئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط، فور عودته من زيارته للكويت.
بيان مجلس الدفاع
وكان المجلس الاعلى للدفاع بحث وفق خبر المكتب الإعلامي في الرئاسة ما شهده عدد من قرى عاليه امس “من احداث دامية، واتخذ قرارات حاسمة باعادة الامن اليها وتوقيف جميع المطلوبين واحالتهم الى القضاء”.
أضاف: “اكد الرئيس عون خلال الاجتماع ان “ركائز الجمهورية هي ثلاث: حرية المعتقد وحق الاختلاف وحرية الرأي والتعبير عن الرأي”.
ومن جهته، دعا الحريري الجميع الى “التهدئة”، مشددا على عدم اقحام الاجهزة العسكرية والامنية بالخلافات السياسية”.
وكان المجلس انعقد برئاسة الرئيس عون وحضور الرئيس الحريري، ووزراء الدفاع الياس بو صعب، الخارجية جبران باسيل، المالية علي حسن خليل، الداخلية ريا حفار الحسن، العدل البرت سرحان، شؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي والاقتصاد والتجارة منصور بطيش، قائد الجيش العماد جوزيف عون، والمديرين العامين للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ولامن الدولة اللواء انطوان صليبا، الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع بالوكالة العميد وجدي شمس الدين، المدعي العام التمييزي بالإنابة عماد قبلان، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، مدير المخابرات في الجيش العميد الركن طوني منصور، مدير المعلومات في المديرية العامة للامن العام العميد منح صوايا، رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي العميد خالد حمود، المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير والمستشار الأمني والعسكري لرئيس الجمهورية العميد المتقاعد بولس مطر.
اللواء شمس الدين
وبعد الاجتماع، ادلى الأمين العام للمجلس بالوكالة ببيان أوضح أنه للتداول بالاحداث الامنية في عدد من قرى قضاء عاليه.
وأشار إلى أن عون طالب الاجهزة القضائية والامنية باستكمال الاجراءات اللازمة والضرورية وفقا للاصول والانظمة المرعية الاجراء والقيام بالتوقيفات اللازمة. ثم تطرق رئيس الحكومة الى الاوضاع السياسية التي تؤثر على المناخ الاقتصادي والاصلاحي داعيا الجميع الى التهدئة مشددا على ضرورة المعالجة السياسية اللازمة وعدم اقحام الاجهزة العسكرية والامنية بالخلافات السياسية، كما شدد على ضرورة تبيان الحقيقة حول ما حصل امس تمهيدا لاتخاذ الاجراءات المناسبة.
بعد ذلك عرض المدير العام لقوى الامن الداخلي بالتفصيل مجريات الاحداث الامنية والاشكالات التي وقعت ونتائجها.
كما عرض قائد الجيش للمعلومات المتوافرة لدى الجيش والاجراءات التي اتخذت لمعالجة الوضع.
وبعد التداول في النقاط التي طرحت اصدر المجلس الاعلى للدفاع البيان الاتي: “في ضوء ما حصل في عدد من قرى قضاء عاليه في محافظة جبل لبنان، وادى الى سقوط ضحايا واستهداف وزراء ونواب في تجوالهم وتنقلهم والتعبير عن آرائهم بحرية، وقطع الطرق الداخلية والعامة، وفي ضوء ضرورة الحفاظ على العيش الواحد في الجبل ورفض اي شكل من اشكال العنف الدامي، اتخذ المجلس الاعلى للدفاع قرارات حاسمة باعادة الامن الى المنطقة التي شهدت الاحداث الدامية ومن دون ابطاء او هوادة وتوقيف جميع المطلوبين واحالتهم الى القضاء، على ان تتم التحقيقات بسرعة باشراف القضاء المختص، وذلك وأدا للفتنة وحفاظا على هيبة الدولة وحقنا للدماء البريئة واشاعة لاجواء الطمأنينة لدى المواطنين والمصطافين والسياح، في ظل توافق سياسي يظلل الامن في كل بقعة من لبنان ويحصنه”.