بيروت – وليد شقير
قال مصدر قيادي درزي لـ”الحياة” إن أحداث قبرشمون في الجبل يوم الأحد الماضي أحدثت فرزا سياسيا جديدا ضمن طائفة الموحدين الدروز بسبب الخلفيات التي سبقتها والتفاعلات التي تبعتها، من أولى نتائجها رفع درجة الالتفاف الدرزي حول الزعامة الجنبلاطية الراجحة، وسط ترقب لإمكان أن تكون ساحة الجبل دخلت في مسلسل من الحوادث الأمنية التي يمكن لأجهزة وجهات داخلية وخارجية أن تغذيها.
ويشير المصدر القيادي لـ”الحياة” إلى أنه مع اشتداد الخصومة بين رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس “الحزب الديموقراطي” النائب طلال أرسلان، ربطا بواقع أن لكل منهما علاقاته وتحالفاته التي لا بد من أن تتأثر بما حصل بعد سقوط دماء وقتيلين، وفي ضوء الأبعاد السياسية التي طبعت الاحتجاجات على مواقف رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل وزيارته الجبل، وما تبع ذلك من انقسام سياسي على المستوى اللبناني.
وفي وقت يدعو المصدر القيادي الدرزي مثله مثل العديد من الأوساط السياسية في طوائف أخرى، إلى ترقب التفاعلات السياسية لما حصل على الساحة اللبنانية عموما، وليس فقط على الصعيد الدرزي، فإنه يتعاطى مع تداعيات التأزيم السياسي في شكل يتعدى الساحة الدرزية، من دون إهمال إمكان أن تختزل هذه الساحة ارتدادات التأزيم المتصاعد على المستوى اللبناني.
ويعتبر المصدر القيادي الدرزي أنه يفترض بأصحاب الجهود الهادفة إلى معالجة ذيول ما حصل في 30 حزيران (يونيو) الماضي في منطقة الشحار الغربي التوقف عند انعكاساته على الساحة الدرزية، مع أن هذه الذيول تتعداها لأنها تسببت بأزمة في العلاقة بين أطراف الحكومة من زاوية الخلاف على إحالة الحادثة الأمنية على المجلس العدلي وتعطيل انعقاد مجلس الوزراء، وارتدادات الحادثة خلال زيارة باسيل إلى الشمال هزالا في استقباله، فضلا عن انعكاسها على العلاقة بين تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، وبين الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، امتدادا، وفي ظل فرز المواقف المسيحية انطلاقا من قاعدة الحفاظ على المصالحة المسيحية الدرزية…وهذا خلق جوا مسيحيا ضاغطا في هذا الاتجاه إذ ركزت البطريركية المارونية والقوى المسيحية الأخرى، على صون المصالحة بالتناغم مع “الحزب الاشتراكي”، بينما أكد الرئيس عون على حفظها على رغم أن باسيل وصفها بأنها سطحية وغير عميقة.
إلا أن المصدر القيادي الدرزي يلفت إلى ما خلفته الحادثة على الصعيد الدرزي من زاوية الحاجة إلى قراءة المناخ الذي تركته بدقة، في ظل وجود قراءة لدى بعض قادة “التيار الحر” وبعض السلطة بأن رئيس “الاشتراكي” بات “محشورا” وأن “التكشير في وجهه سيؤدي به إلى تقديم التنازلات لأنه قرر تسليم المطلوبين من المشتبه بهم بإطلاق النار إلى السلطات الأمنية، بعدما جرت مداهمات غداة الحادثة، في وقت هو قام بهذه الخطوة لقطع الطريق على اتهام مناصريه بأنهم وراء الحادث، ولإفساح المجال أمام الأجهزة والقضاء، بأن تثبت أن لا صحة للاتهامات بأن كمينا جرى ترتيبه سواء للوزير باسيل أو لوزير شؤون النازحين صالح الغريب”.
النقمة على الطبقة الحاكمة والتنازلات
ويشير المصدر القيادي الدرزي لـ”الحياة” إلى قراءة مختلفة تلاحظ أن مواقف جنبلاط لقيت التفافا درزيا واسعا حوله للأسباب الآتية:
1- أن التنازلات والتسهيلات التي سبق لجنبلاط أن قدمها في السنتين الماضيتين، ساهمت في التنامي التدريجي للاحتقان الدرزي حتى في صفوف مناصري “الاشتراكي”، من سياسات العهد، وحلفائه ضده، بعد اشتراكه في التسوية التي أفضت إلى انتخاب العماد عون للرئاسة. ويعدد المصدر أكثر من محطة، بدءا من قانون الانتخاب والحملة على فريقه بأنه يصادر النواب المسيحيين وحقوقهم، بهدف تحجيمه، وباعتماد الصوت التفضيلي الذي رفع من درجة الاستنفار الطائفي خلال عمليات الاقتراع، وبتركه مقعدا شاغرا للنائب أرسلان في لائحته الانتخابية، مرورا بطريقة التعاطي مع جريمة قتل الناشط في حزبه في مدينة الشويفات في أيار (مايو) من العام الماضي، وقبوله بمساعي عون لمعالجتها عبر إسقاط الحق الشخصي عن المتهم بقتل عنصر في حزبه، من مرافقي النائب أرسلان، وصولا إلى تنازله عن مطلب تسمية الوزراء الدروز الثلاثة بحيث اختار عون المرشح الذي سماه أرسلان. وإذ يشير المصدر القيادي إلى التصريحات المتتالية التي أطلقها باسيل وقياديون من “التيار الحر”، لا سيما تشكيكه بمصالحة الجبل، ثم حرص جنبلاط على حضور قداس “التوبة والغفران” الذي نظمه “التيار الحر” في بلدة دير القمر، للتأكيد على أن المصالحة تشمل “التيار”، فإن المصدر يقول إن باسيل تعمد على رغم ذلك مواصلة نكأ الجراح بالإشارة خلال المناسبة إلى أحداث 1840 و1860 الدموية بين الدروز والمسيحيين… وفي وقت لا تتوقف المحطات التي يرى المصدر القيادي الدرزي أنها ساهمت في تراكم الاحتقان، نتيجة نشوة السلطة عند فريق الوزير باسيل، فإنه يشبه النقمة التي تنامت بتلك التي تصاعدت أيضا وسط الطائفة السنية جراء التنازلات التي يقدمها الحريري منذ عقده التسوية على الرئاسة الأولى لإنهاء الفراغ الرئاسي.
ويضيف المصدر القيادي لـ”الحياة” أن هذا التراكم أنتج نوعا من الإعراض عن الزعامة الجنبلاطية لأسباب متناقضة ومتعارضة. فمن جهة هناك النقمة في أوساط شعبية على الطبقة السياسية برمتها، وهو منها، بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية والفساد والهدر التي اعتقد جنبلاط أن أولوية معالجتها تبرر له التنازلات التي يقدمها، ومن جهة ثانية هناك الانطباع عند جمهور لا يستهان به لدى كل الطوائف بأن التركيبة الحاكمة التي أنتجتها التسوية لم تاتِ بأي تحسن في الأحوال المعيشية بل بقي التناحر على السلطة بشعارات طائفية وفئوية سائدا. لكن هذا التناحر عاد فنقل النقمة في اتجاه الفريق الذي يستفز الجمهور الدرزي في الجبل بخطاباته، رغم مساعي الاستيعاب الجنبلاطية. ومن الطبيعي في هذه الحال أن يهمل هذا الجمهور النقمة على جنبلاط كواحد من أركان الطبقة السياسية التي يعتقد أنها سبب تدهور أحواله المعيشية، لشعوره باستهداف رمز الطائفة الرئيسي.
العامل السوري
2- أن عوامل الاحتقان الدرزي ترافقت مع بروز عنصر خارجي كان تارة يخفت وأخرى يظهر على السطح، منذ ما قبل الانتخابات النيابية، هو سعي النظام الحاكم في دمشق، بالتعاون مع حلفائه و”حزب الله” إلى العودة إلى ممارسة دور في السياسة الداخلية من باب عودة النازحين، لضمان انفتاح الحكومة اللبنانية عليه، وهذا كان يحتاج، وفق المصدر القيادي الدرزي إلى ممارسة ضغوط على جنبلاط الذي بقي على موقفه السلبي من النظام وتأييده للمعارضة السورية. لكن هذا التوجه يتناقض مع المزاج الدرزي العام في لبنان، ضد النظام منذ اغتيال كمال جنبلاط، وصولا إلى التسقط الدائم للأقلية الدرزية لأخبار التطورات في محافظة السويداء والضغوط التي يمارسها النظام على أبنائها كي ينضموا إليه في حربه ضد المعارضة وتشجيعه الانقسامات بينهم هناك… وكان يمكن لهذا العامل ألا يلعب دورا في الاحتقان في الشارع الدرزي لولا أن بعض القرى في جبل لبنان حيث الناس تعرف بعضها جيدا، يشهد تنشيطا لمجموعات موالية للقيادة في دمشق، بالتزامن مع وقائع الصراع الداخلي، قبل حادثة قبرشمون وبعدها.
3- وفي معلومات المصدر القيادي الدرزي، في انتظار جلاء التحقيق، أن ملابسات حادثة قبرشمون، عززت الالتفاف حول الفريق الجنبلاطي لأن محاولات جرت من أجل عقد اجتماع للهيئة الروحية الدرزية حول ما آلت إليه الخلافات بين فريقين في الطائفة، وما سببته من دماء وسقوط ضحيتين من “الحزب الديموقراطي”، لكن أعضاء الهيئة لم يتحمسوا للفكرة فصدر بيان من أحد أعضائها دعا جنبلاط وأرسلان إلى معالجة الأزمة، وتعذر تأمين موافقة المرجعيات الأخرى على البيان.
“حزب الله”
4- يضيف مصدر في “الاشتراكي” على ذلك بالقول لـ”الحياة” إن بعض المواقف التي صدرت عقب الحادثة من دارة النائب أرسلان لقيت ردة فعل سلبية، مثل تصريح وزير المهجرين غسان عطا الله عن عدم دفن الضحيتين إلى حين تسليم المطلوبين. واعتبر بعض المشايخ أن هذا يخرق القواعد عند الموحدين في مسألة من هذا النوع، فليس من هم غير دروز الذين يحددون دفن أو عدم دفن الميت. ويقول المصدر إن تصريحات وزير الدولة لشؤون المجلس النيابي محمود قماطي والتي اتهم فيها ضمنا “الاشتراكي” بالحادثة قائلا إن زمن الميليشيات انتهى أثار حفيظة مرجعيات روحية درزية استذكرت 11 أيار 2008 حين دخل مسلحو الحزب إلى الجبل. واقترح بعض هذه المرجعيات، وبعضها ليس مواليا تقليديا لجنبلاط، اجتماعا لمشايخ من مناطق عدة لإصدار بيان يدين هذه التصريحات، وينتقد صدورها من دارة خلدة، لكن قيادة “الاشتراكي” دعت إلى التروي في ذلك، وترك الأمر لجنبلاط، وعدم توسيع السجال مع فرقاء آخرين. ويشبه المصدر “عودة” الالتفاف الدرزي حول جنبلاط بمحطات مفصلية في الصراع السياسي اللبناني في العقود الأخيرة. وربما ساعد ذلك جنبلاط في ضبط الأمور أكثر في الجبل، واستيعاب الاحتقان.
وقال المصدر في “الاشتراكي” إن نوابا في “حزب الله” دعوا زملاء لهم التقوهم في البرلمان إلى عدم التوقف عند تصريح قماطي لأنه قاله في ضوء الانفعال الذي ساد لقاءه مع النائب أرسلان والوزير عطاالله يوم الحادث. كما أن الحزب بعث برسالة إلى الحريري ومسؤولين اشتراكيين عبر وزير الأشغال يوسف فنيانوس (تيار المردة) بأنه مع التهدئة وإلى عدم اعتبار تصريح قماطي بأنه تصعيدي. لكن قيادة “الاشتراكي” تريثت في التعاطي مع هذه الرسالة في وقت تفيد المعطيات لديها أن “حزب الله” على موقفه ضد جنبلاط، خصوصا أنه لعب دورا في تجميع خصومه وتأمين تحالفهم ضده، ما يعني استمرار غياب الثقة بين الجانبين.