كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:
يلتقي رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري اليوم وزير الخارجية مايك بومبيو في واشنطن وقد جرى ترميم صورة حكومته قبل 5 أيام، بعد أن مرت في قطوع أنقذها من حالة الشلل الذي خضعت له على مدى 40 يوما وأبقت البلد معلقا على حبال حادثة قبرشمون البساتين.
وإذا كان الرئيس الحريري ربح من المصالحة بين رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وبين رئيس “الحزب الدموقراطي” طلال أرسلان عودة الحكومة إلى الاجتماع قبيل سفره إلى واشنطن، فإن الربح توزع في شكل متفاوت من وراء هذه الخطوة، كما تقول مصادر متقاطعة لـ”الحياة”. فالحكومة كانت معرضة لاهتزاز يتخطى تجميد اجتماعاتها قبل أن ينجح رئيس البرلمان نبيه بري في لملمة الأمور متسلحا بدعم كامل من “حزب الله” الذي أعاد النظر في موقفه بعد أن ساهم في تأزيم الأمور في الأسابيع الثلاثة التي تلت الحادثة، بتبنيه مطالب رفضها رئيس “الاشتراكي”، ولاسيما إحالة الحادثة الدموية على المجلس العدلي.
ويؤكد مصدر قيادي في “الاشتراكي” لـ”الحياة” أن جنبلاط كان أبلغ الرئيسين بري والحريري ليل الخميس 8 آب (أغسطس) أن وزيريه أكرم شهيب ووائل أبو فاعور سيستقيلان من الحكومة إذا تمت الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتفق مع الحريري على الدعوة إليها على أن تبت بجدول أعمال عادي، ويكتفي في نهايتها الرئيس عون بالإشارة إلى حادثة قبرشمون باعتبارها حادثة مؤسفة وقعت على أن تتم معالجتها عبر المسار القضائي وأن التحقيقات في شأنها تستكمل (ويشمل ذلك تسليم أرسلان المطلوبين لديه)، ثم يرفع الجلسة من دون التطرق إلى اقتراح المجلس العدلي، ومن دون إفساح المجال أمام أي من الوزراء بأن يدلي بدلوه حتى لا يتوسع النقاش ويتأزم مجلس الوزراء.
وعلمت “الحياة” أن سبب تحفظ جنبلاط على هذه الصيغة كما أبلغه إلى الرئيس الحريري أن لا ضمانات بأن تنتهي الجلسة على هذا الشكل الذي يؤدي إلى إبقاء فكرة المجلس العدلي معلقة، فضلا عن أن وزيري الاشتراكي قد يعتبران أن عليهما الرد على كلام قد يقوله الرئيس عون، في حين أن الصيغة التي كانت مطروحة تؤدي إلى إنهاء الجلسة من دون أن يتمكنا من الإدلاء برأيهما.
وتقول المصادر المتقاطعة لـ”الحياة” إنه لم يكن الموقف الجنبلاطي وحده الذي اعترض على هذه الصيغة، بل أن أرسلان رفضها خلال زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم له، وامتنع عن تسليم المطلوبين لديه وكرر مطلبه بأن يطرح اقتراح المجلس العدلي خلالها. وفيما كان يجري التداول بالأمر بين الحريري والوزير أبو فاعور ليبلغ الأول الثاني بأنه يشكل الضمانة للمخرج وبأنه لن تطرح أي فكرة تتعارض مع موقف جنبلاط، غرد أرسلان رافضا هذه الصيغة. وحين أطلع الحريري عون على الموقف الجنبلاطي المتحفظ، كان رد فعله الامتعاض من رفض أرسلان أيضا. أما جنبلاط فسأل على “تويتر” عما إذا كان من سببوا الحادثة سيبقون يسرحون ويمرحون خارج المساءلة.
عندها استنجد الحريري بالرئيس بري الذي كان أطفأ محركاته إثر رفض الرئيس عون صيغته للمصالحة، قائلا إنه ليس شيخ عشيرة، فأعاد تشغيلها واتصل بـ”الاشتراكي” مستفسرا عما آلت إليه الأمور، وحاول إقناع جنبلاط بالفكرة، مشيرا إلى الحاجة القصوى لاجتماع الحكومة بسبب الوضع الاقتصادي والمخاوف من انعكاس الشلل الحكومي على مصير “سيدر”، ومن خفض تصنيف لبنان الائتماني. إلا أن جنبلاط أقفل خطوط هاتفه بعدما حاول الحريري الاتصال به، وانتقل إلى المختارة.
وبعد اتصالات عدة تبلغ كل من بري والحريري من “الاشتراكي” بنيّة وزيريه الاستقالة في حال الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء يعتبرها جنبلاط ملتبسة وغير مضمونة النتائج، خلافا للأفكار السابقة التي كانت تطرح، من نوع مبادرة بري الأصلية، أي المصالحة، انعقاد مجلس الوزراء، ثم إسقاطات الحق الشخصي من قبل ذوي الضحايا كما حصل في حادثة الشويفات، هذا فضلا عن الاقتراح الجنبلاطي السابق بأن يجري ضم ملف حادثة الشويفات إلى حادثة قبرشمون البساتين، في حال استقر الرأي على إحالة القضية على المجلس العدلي. وهذا الاقتراح رفضه عون بشدة حين نقله إليه الحريري آخر شهر تموز (يوليو) الماضي.
العودة لمبادرة بري
وكشفت المصادر المتقاطعة عن أن بري استمهل جنبلاط بعض الوقت بعدما لوّح الأخير بنيّة استقالة وزيريه، ليعود بعدها إلى اقتراحه إجراء المصالحة في القصر الرئاسي برعاية الرئيس عون، مستعينا بـ”حزب الله” من أجل أن يلعب دورا في تشجيع رئيس الجمهورية، الذي سرعان ما اقتنع بأنها المخرج الأنسب، وعلى أرسلان الذي اشترط أن يعقد وزير شؤون النازحين صالح الغريب مؤتمرا صحافيا في اليوم التالي قبل اجتماع المصالحة، يرد فيه على المؤتمر الصحافي الذي عقده “الاشتراكي” قبل ثلاثة أيام. إلا أن عون وبري نصحاه بالإقلاع عن الفكرة والتوجه نحو المصالحة من دون سجالات إضافية. وكان موقف كل منهما صارما برفض فكرة المؤتمر الصحافي. وحين تبلغ جنبلاط بالعودة إلى اقتراح بري الأصلي بالمصالحة، ثم انعقاد مجلس الوزراء، ثم إسقاطات الحق الشخصي في القضية، أبدى ليونة وتجاوب مع رئيس البرلمان الذي أكد له أنه اتفق مع عون على أن يتخذا سويا موقفا ممن يعرقل المصالحة. لكن أرسلان لم يبلغ موافقته للواء ابراهيم إلا صباح الجمعة 9 آب قبل ساعات قليلة من اجتماع المصالحة.
وشهد اجتماع القصر الرئاسي سجالا اضطر معه بري إلى التدخل للطلب إلى أرسلان خفض سقفه والاعتدال في كلامه كما قالت المصادر لـ”الحياة”. فالمعطيات القليلة المتوفرة عما دار خلاله تشير إلى أن أرسلان أخذ يتحدث بصوت عالٍ بأن تعرض لإهانة كرامته جراء الحملات عليه من الوزيرين أكرم شهيب وأبو فاعور، ومن الوزير السابق غازي العريضي وآخرين، فيما بقي جنبلاط هادئا واكتفى ببضع عبارات منها قوله لأرسلان: “وهل وفرت أحدا أنت من حملاتك”؟ واضطر بري حسب قول المصادر إلى أن ينبّه أرسلان إلى أنه يتحدث في حضور رئيس الجمهورية مذكرا إياه بكل المبادرات التي رفضها لمعالجة المشكلة في الأسابيع الماضية.
وتلفت المصادر إلى أن الاجتماع انتهى إلى اتفاق على تكريس المصالحة ووقف السجال، وإلى تفاهم ضمني بأن إسقاطات الحق الشخصي في الحادثة تعزز المصالحة، وتسمح بمعالجة المشكلة لاحقا.
وتقول مصادر “الاشتراكي” لـ”الحياة” إن المخرج الذي جرى اعتماده يؤدي عمليا إلى أن صرف النظر عن فكرة المجلس العدلي، وأن الحصيلة النهائية للمخرج ستدفع جنبلاط إلى السعي نحو استعادة التقارب مع الرئيس عون، من أولى بوادره، بعد أن كان اتهمه على أنه يريد الانتقام، استقبال حاشد يجري التحضير له غداة انتقاله الجمعة إلى قصر الرئاسة الصيفي في بلدة بيت الدين.