خلصت جلسة مجلس الوزراء اللبناني التي انعقدت بعد انقطاع دام ثلاثة اسابيع الى التركيز على مبدأ التوافق الذي شدد عليه الوزراء بعد انتهاء الجلسة، وهذا ما أكده رئيس الحكومة تمام سلام، معتبراً ان هذا الخيار يبقى الأفضل.
لكن ما ميز الجلسة امس النهج الجديد الذي طرحه سلام ليكون نظاماً داخلياً لعمل المجلس وتسيير العمل الحكومي من دون تغيير في الآلية، وأهم ما فيه تقليص انعقاد جلسات المجلس الى ثلاث ساعات، ودرس الملفات قبل عرضها، وايجاد حلول للمواضيع الخلافية قبل طرحها، وسياسة الحكومة يعكسها البيان الوزاري، وعدم اجراء اتصالات مع الخارج خلال انعقاد الجلسة، واختصار المناقشات ومداخلات الوزراء، وان يأتي الوزير دارساً ملفه، والتوقيع على المراسيم التي لم يتم الإتفاق الكامل عليها.
وعلمت «الحياة» ان سلام أكد في مداخلته في شأن توقيع المراسيم، انه بالنسبة الى المراسيم التي تتضمن قرارات صادرة عن مجلس الوزراء فإنها تصدر بتواقيع الوزراء الذين يحضرون، ولا تحتاج الى توقيع جميع الوزراء، طالما ان قراراتها اتخذت في مجلس الوزراء… ووافق الجميع على هذه الصيغة.
وأوضح سلام ان المراسيم التي تتعلق بقرارات لها طابع ميثاقي ووطني أو التي هناك خلافات على قضايا تتضمنها فإنه سيتجنب عرضها على مجلس الوزراء قبل حصول التوافق عليها قبل ذلك. وأوصى بأن الأمور لن تصل الى حد عرض مراسيم للتوقيع لاتباع آلية ردها ليعود مجلس الوزراء ويصر عليها أو تصدر ضمن مهلة 15 يوماً، إذا امتنع وزراء معترضون على توقيعها بالنيابة عن رئيس الجمهورية.
أما بالنسبة الى المراسيم العادية التي لا تحتاج الى قرار مجلس الوزراء وتتطلب توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة والوزير المختص، فإن سلام اعتبر أنه ليس ضرورياً أن يوقع بالنيابة عن رئيس الجمهورية كل الوزراء بل أكثريتهم. إلا أن وزير الاتصالات بطرس حرب رأى أن ينوب عن رئيس الجمهورية جميع الوزراء باعتبار ان صلاحيات الرئاسة لا تتجزأ عندما يحل مجلس الوزراء مكانه. وأيده في ذلك وزير العمل سجعان قزي. إلا أن سلام اعتبر وجهة النظر هذه اجتهاداً.
وفي النقاش حول توقيع المراسيم اعتبر وزير المال علي حسن خليل رداً على قول الوزير حرب أنه يفترض ألا يعمل مجلس الوزراء في شكل عادي في غياب رئيس الجمهورية، بالقول إن مجلس الوزراء ليس المكان المناسب للبت بالشغور الرئاسي.
وعلى اثر انتهاء الجلسة التي استمرت قرابة ثلاث ساعات، في السراي الكبيرة، قال وزير الاعلام رمزي جريج ان سلام أشار في بدايتها الى أنه «بعد مضي سنة على تأليف الحكومة، لا بد من إجراء تقويم لأدائها واستخلاص العِبر من ذلك، لا سيما في ظل الظرف الإستثنائي الذي يفرضه الشغور الرئاسي. ثم ذكر بأن الحكومة هي إئتلافية، وأنها شُكلت تحت عنوان المصلحة الوطنية، وأنها حققت إنجازات كثيرة خلال الاشهر الثلاثة الأولى من عملها أثناء ولاية الرئيس ميشال سليمان، لا سيما لجهة التعيينات التي أجرتها والخطط الأمنية التي أطلقتها، الى أن حصل الشغور في مركز الرئاسة، فاستقر الرأي على اعتماد التوافق نهجاً لعمل الحكومة، غير أن التوافق يجب أن لا يؤدي الى التعطيل، بخاصة أن غالبية المواضيع المطروحة متعلقة بأمور حياتية وإنمائية، ولا يجوز تعطيل البت بهذه الأمور، بحجة عدم توافر إجماع في شأنها».
وأضاف سلام أنه «كان ولا يزال يُطالب في كل جلسة لمجلس الوزراء بضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد. ولكن، في ظل استمرار الحالة الإستثنائية الناتجة من الشغور الرئاسي، فإن خيارالتوافق، المعطاة له الأولوية في المادة 65 من الدستور، يبقى الخيار الأفضل، مع الحرص على أن لا يؤدي اعتماد هذا الخيار الى التعطيل والعرقلة والذي لن يتهاون فيه رئيس الحكومة بعد اليوم».
وانتقل الوزراء الى بحث مواضيع مدرجة على جدول أعمال جلسة 12/2/2015، فجرت مناقشتها، واتخذ المجلس بصددها المقررات اللازمة.
هيئة الرقابة على المصارف
وكان وزير المال علي حسن خليل طرح من خارج جدول الاعمال موضوع هيئة الرقابة على المصارف (الذي لا يزال خلافياً لأن هناك أسماء مقترحة من جميع الأطراف، إضافة الى إصرار «التيار الوطني الحر» على أسماء من الحصة المسيحية، ما دعا سلام الى الطلب من وزير المال طرح الملف مع بقية الأطراف تمهيداً لعرضه مجدداً على طاولة مجلس الوزراء.
وأشار وزير الاتصالات بطرس حرب إلى أن «الآلية توضّحت بما يحول دون قدرة وزير على تعطيل قرار لمجلس الوزراء، كما تمنع التعطيل الذي لجأ إليه فريق من الوزراء مستغلاً مبدأ «التوافق» لتعطيل عمل الحكومة»، آملاً في أن «يسير عمل مجلس الوزراء بالحدود المطلوبة منه لتسيير شؤون الناس». وقال لـ «المركزية»: «الجلسة كانت هادئة وتوضيحية في كيفية متابعة العمل مع تكريس مبدأ التوافق في اتّخاذ القرارات. وكان هناك توجه بأن تكون الممارسة توافقية لا تعطيلية، ومن غير الجائز أن يعترض وزير لأسباب قد لا تكون لها علاقة بالملف المطروح والتي قد تكون سياسية بل يؤخذ برأيه في الاعتبار».
وأوضح حرب أن «توقيع المراسيم لا علاقة له بآلية إدارة جلسات الحكومة، وأنا ما زلت متمسّكاً بتوقيع كل الوزراء على المراسيم العادية، لكن بالنسبة إلى المراسيم الصادرة فقد تفاهمنا على أنه يحق للوزير إبداء ملاحظاته ولكن لا يحق له تعطيل القرار».
مجلس «ملائكة»
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن «كلام الرئيس سلام عن التوافق ورفض التعطيل، وجد قبولاً من كل الأطراف، وأثنى عليه وعلى إدارته الجلسات». ولفت إلى أن «سلام بدا حازما في قوله إنه لن يقبل بعد الآن بالتعطيل، ووافقه كل الوزراء في ذلك». وأضاف: «إلا أن رئيس الحكومة نبّهنا إلى أن مدة الجلسات ستصبح 3 ساعات فقط، وبعدها سترفع الجلسة»، شارحاً «أن الهدف من ذلك أن يعتاد الوزراء على اعتماد الاختصار ودرس ملفاتهم قبل الجلسة وليس على طاولة المجلس، لأن بعض الجدالات الذي يحصل عقيم».
وأشار درباس إلى أن «لا آلية جديدة لعمل المجلس بل روحية جديدة، وقد كرر سلام أنه سيدير الجلسات وفق صلاحياته وسيعتمد القرارات وفقا لمبدأ التسيير وليس التعطيل، وعجلة مجلس الوزراء انطلقت مجدداً بشكل إيجابي، مستبعداً تعطيلها من جديد».
وعن الجلسة التي اتسمت بالهدوء، قال احد الوزراء ان «الوحي سقط وتحوّل مجلس الوزراء الى مجلس ملائكة». وتحدث آخر عن ان الجلسة كانت «مطابقة للمواصفات». اما وزير العمل سجعان قزي فقال ان حزب الكتائب لم يتغير عليه شيء، فرئيس الحكومة لا يزال كما هو والوزراء على حالهم. واعتبر ان هناك ذهنية جديدة، وجو الجلسة كان مريحاً وبروحية سمحة. وأكد وزير الاقتصاد آلان حكيم اهمية التوافق وعدم عرقلة عمل المجلس. وأشار الى انه تم ارجاء موضوع الاساتذة المتعاقدين، مشدداً على وجوب مناقشة اي موضوع خلافي قبل عرضه على مجلس الوزراء.