بيروت – وليد شقير
تأمل بعض الأوساط السياسية اللبنانية بأن تؤدي الدينامية الجديدة للأحداث في المنطقة، إلى تسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية في غضون أشهر قليلة، لكن من دون الإفراط في التفاؤل في ذلك، نظراً إلى ترقب هذه الأوساط انعكاسات السياسة الأميركية في المنطقة في ضوء تعامل واشنطن مع السياسة الإيرانية في حال التوصل إلى اتفاق على الملف النووي الإيراني أواخر الشهر المقبل.
فهذه الأوساط ترصد بداية تحوّل في سياسة واشنطن في المنطقة بعد مرحلة من التركيز من جانبها على التفاوض حول ملف إيران النووي وإهمالها الأزمة السورية، بموازاة التركيز على حفظ الاستقرار في لبنان وتجنيبه المزيد من امتداد الحرائق الإقليمية إلى أرضه، وحض الفرقاء اللبنانيين على إنهاء الشغور الرئاسي لأنه يساهم في تدعيم الاستقرار المطلوب.
إلا أن هذه الأوساط ترسم مشهداً إقليمياً متحركاً، من خلال لقاءات بعض السياسيين اللبنانيين مع مسؤولين أميركيين ومنهم زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أثناء زيارته واشنطن قبل زهاء أسبوعين.
وتشير مصادر تسنّى لها الاطلاع على جانب من زيارة الحريري إلى أنها تناولت عدداً واسعاً من العناوين اللبنانية والإقليمية، أبرزها:
1 – ضمان سلامة لبنان وحمايته، إذ جرى التركيز على أن إبداء الإدارة الأميركية حرصها الدائم على تدعيم الاستقرار في لبنان لا يمكن أن يتم إلا من خلال دعم الجيش اللبناني الذي أثبت قدرته على الإمساك بزمام الأمور، شرط مده بالإمكانات، في ظل الإجماع على دوره. وشدد الحريري في هذا المجال على أن الحجة التي كانت تساق في السابق لتبرير التردد في مساعدة الجيش، بأن الأسلحة التي يمكن أن يزود بها يمكن أن تذهب إلى «حزب الله» أو تنظيمات أخرى متطرفة ليست منطقية ولا قيمة لها، لأن التجربة أثبتت أنه لم يقع أي سلاح أميركي أو غربي أعطي للجيش في أي مرة يحصل تأزم في لبنان، في يد الحزب أو أي جهة أخرى. وشدد على أن رفع هذه الحجة يعطل قدرات الجيش على ضبط الوضع في وجه الإرهاب والإخلال بالأمن.
وقالت المصادر المطلعة على نتائج الزيارة أن ملاحظة الحريري لقيت قبولاً، وأن المسؤولين الأميركيين الذين التقاهم لم يتأخروا في القول أنهم ينظرون بإيجابية إلى الدور الذي يلعبه الجيش وأنهم سيتابعون خطة تسليحه وأنهم رفعوا الحظر عن تزويده بطائرات مروحية مع تجهيزاتها المطلوبة بما فيها البالونات الحرارية التي تحمي هذه الطائرات من أي مضاد للطيران كي يتمكن من استخدامها في حربه مع الإرهاب والمسلحين على الحدود مع سورية. كما أن الحريري لاحظ أن قرار تزويد الجيش بطائرات «سوبر توكانو» من خلال الجزء المخصص له في هبة البليون دولار التي خصصتها المملكة العربية السعودية لمواجهة الإرهاب، والتي أوكلت إلى الحريري صرفها وتوزيعها، دليل على القناعة بوجوب التسليح النوعي للجيش. وهي طائرات صغيرة وسريعة تحمل صواريخ يمكنها إطلاقها وإصابة الهدف من 40 كيلومتراً ولديها قدرة على المناورة. وفيما سيحصل الجيش على هذه الطائرات مطلع 2017، فإنه سيتزود أيضاً بـ6 طائرات «سيسنا» من دون طيار التي لدى الجيش حالياً اثنتان منها، تساعده على الاستطلاع وكشف مواقع المسلحين، وعلى توجيه المدفعية للقصف، فضلاً عن أن بإمكانها أن تحمل صواريخ. وتشمل الأسلحة الأميركية أيضاً للجيش مدفعية موجهة إلكترونياً دقيقة التصويب. هذا فضلاً عن المساعدات التي بقيمة بليون دولار من أميركا، تتوزع على 80 مليون دولار سنوياً، تقرر رفعها إلى 120 مليون دولار قبل سنة، إضافة إلى عمليات التدريب والتسليح الخفيف. وتعتبر الإدارة الأميركية أن الجيش اللبناني بعد التجربة يتمتع بكفاءة عسكرية وعلمية عالية وأن القوات الخاصة فيه هي من الأفضل في المنطقة، إضافة إلى الجيشين المصري والأردني، وهناك إعجاب بتنظيمه العصري واللوجيستي وقدرات عناصره، بحيث يشجع واشنطن على تقديم المساعدات له التي يتوقع أن تنمو باضطراد في المرحلة المقبلة.
2 – إن الحريري شدد على أن حفظ استقرار لبنان في شكل متين غير ممكن من دون إيجاد حل للأزمة السورية لأن وجود زهاء مليون ونصف مليون نازح على أرضه يرتب ضغطاً اقتصادياً، اجتماعياً، سياسياً وأمنياً، على البلد في ظل شح المساعدات الدولية. ولمس الوفد المرافق للحريري تفهماً أميركياً لهذا الموقف لأن واشنطن بدأت تدرك الحاجة الملحة إلى حل في سورية، وكشف بعض المسؤولين أنهم أبلغوا قادة عرباً طالبوهم بخطوات حاسمة في هذا الاتجاه، بضرورة أن تقوم الدول العربية بخطوات على هذا الصعيد، على أن تدعم الإدارة الأميركية هذه الخطوات بوسائل عدة.
تقرير المستشارين
ويلتقي ما تسوقه المصادر المطلعة على نتائج زيارة الحريري، مع تقارير ديبلوماسية عن أن واشنطن أخذت تعمق سلوكاً جديداً مغايراً للسابق، الذي كان يترك القتال على غاربه في سورية، لأسباب عدة منها أن هناك موقفاً من الحزبين الجمهوري والديموقراطي يطالب إدارة الرئيس باراك أوباما بسياسة أكثر وضوحاً في سورية لتغيير الواقع القائم منذ سنتين بسبب التدخل الإيراني لحماية نظام بشار الأسد، وأن القناعة بأن مزيداً من الانهيار في الوضع السوري سيقود إلى انهيارات في الوضع الإقليمي تؤثر سلباً في دول صديقة أبرزها: تركيا، الأردن، لبنان والعراق. ويتوقع هؤلاء أن تظهر نتائج الأخذ بتقرير أعده عدد من المستشارين السابقين لشؤون الأمن القومي الأميركي، في عهدي جورج بوش الابن وبيل كلينتون على سلوك الإدارة في الأشهر المقبلة. والتقرير الذي صدر الشهر الماضي (عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى) يوصي بمواصلة خطة إلحاق الهزائم بـ«داعش»، و«العمل مع الشركاء المحليين لإيجاد ملاذ آمن داخل سورية، وتعزيز العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين مثل مصر»، إضافة إلى العمل مع إسرائيل لمنع مزيد من التآكل في العلاقة معها. كما ينصح التقرير بإضعاف المتطرفين السنّة والشيعة، وأن «تتصدى للإيرانيين… ولعواقب الانتهاكات الإيرانية المحتملة…». وأحد دلائل هو الأخذ بهذا التوجه هو الدعم الأميركي لـ«عاصفة الحزم» في اليمن.
وعليه، فإن القيادات اللبنانية التي استمعت إلى جديد إدارة أوباما ترى أن إشارات ذلك ظهرت على الأرض في الأسابيع الماضية، بدءاً بقيام بعض دول المنطقة بجهد تسليحي للمعارضة السورية، وبجهد سياسي لتوحيد بعض فصائلها ما سمح لها بالتقدم ضد قوات النظام و «حزب الله» والميليشيات المدعومة من إيران، في بعض المناطق، انتهاء بالجهد التدريبي الذي بدأه الأميركيون لما يسمى معارضين تابعين لفصائل معتدلة… وتقول أوساط هذه القيادات أن الإدارة الأميركية كانت في السابق ترفض أي بحث في قيام منطقة حظر جوي في سورية لحماية النازحين والمعارضة المعتدلة، لكنها الآن تنخرط في نقاش حولها من دون أن يعني ذلك أنها عدلت موقفها. ويرى هؤلاء أن النقاش حول هذه الخطوة قد يفضي على الأقل إلى السماح بتزويد المعارضة بصواريخ مضادة للطيران الذي يتفوق به النظام السوري، إذا لم تغير واشنطن موقفها من هذا الخيار.
تحضير الانتقال في سورية
لكن هذه الأوساط تجمع على أن سقف التبدلات التي يفترض رصد ثباتها لدى إدارة أوباما هو السعي خلال أشهر قليلة إلى تغيير في ميزان القوى في الميدان السوري يتيح جلوس الأطراف المتناحرين إلى طاولة حوار من أجل الاتفاق على مرحلة انتقالية يتولاها جسم سياسي لا يكون الأسد عنصراً مقرراً فيه. ويرجح بعض هذه الأوساط أن تجري واشنطن مشاورات حول هوية الشخص أو الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا في قيادة الانتقال السياسي للسلطة في سورية، بعد أشهر… كما يتوقعون أن تعود الإدارة إلى البحث المعمق مع روسيا في هذا الخيار. لكن اتضاح الاستراتيجية الأميركية في هذا المجال يتطلب وقتاً للتأكد من بلورتها…
3 – الشغور الرئاسي في لبنان: خلال زيارة الحريري توسع الأخير في الحديث عن ضرر عدم انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، لكن الجانب الأميركي توقف عند مدى تأثير الوضع الإقليمي في إطالة أمد الشغور الرئاسي، وبدا مدركاً سببَ اعتقاد الحريري وفريق من اللبنانيين أن «حزب الله» وإيران يعرقلان ملء الشغور. ولم يستبعد بعض القيادات اللبنانية أن تثير واشنطن مسألة الرئاسة اللبنانية مع الجانب الإيراني على هامش المحادثات حول النووي. إلا أن قيادات أخرى مطلعة على موقف واشنطن تستبعد أن يؤتي أي طلب أميركي من إيران أن تسهل انتخاب الرئيس ثماره، وتعتبر أن ما يفترض ترقبه هو مدى تأثير أي تعديل في ميزان القوى السوري في اتجاه ترجيح حل متوازن على عملية تسهيل انتخاب الرئيس اللبناني، لأن المعالجة السياسية للأزمة السورية إذا كانت جدية فستجعل دور «حزب الله» في بلاد الشام يتقلّص بحيث لا يعود قلقاً من مجيء رئيس قد يعاكس تدخله في سورية، مثلما فعل الرئيس السابق ميشال سليمان الذي شكّل موقفه هاجساً لدى الحزب من أن يتكرر مع أي رئيس جديد.