Site icon IMLebanon

طهران لكاغ: القرار لـ «حزب الله» فهو يتحمل عنا العبء الأكبر في سورية

 – محمد شقير

تلاحظ مصادر سياسية لبنانية واسعة الاطلاع ان حظوظ الدعوة الى عقد مؤتمر تأسيسي لإنتاج صيغة جديدة للنظام في لبنان بدأت ترتفع لدى «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون وحليفه «حزب الله» وآخرين في «قوى 8 آذار»، باستثناء رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يرى ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمهد لإعادة الانتظام الى المؤسسات الدستورية التي تشكو من الشلل الذي أصاب الحكومة ومن تعطيل التشريع في البرلمان، حتى لو اقتصر جدول الأعمال على الأمور الضرورية.

وتؤكد المصادر السياسية لـ «الحياة» ان «حزب الله» يسعى جاهداً لتمرير الوقت، ما يفسر تمني وزيره محمد فنيش على رئيس الحكومة تمام سلام منح مجلس الوزراء «إجازة رمضان» لعلها تسمح في ارجاء المزيد من المشاورات لإعادة الروح الى المجلس شرط ان يصار الى معالجة «حرد» العماد عون واستيعابه من خلال إرضائه بشيء ما.

وتعزو السبب الى ان انشغال «حزب الله» في قتاله في سورية الى جانب الرئيس بشار الأسد يحول دون التفاته الى الشأن الداخلي، على الأقل على المدى المنظور، على ان يشترط لاحقاً التلازم بين انتخاب الرئيس وبين الاتفاق على كل الأمور العالقة لأنه ليس في وارد إقحام نفسه في مغامرة سياسية غير محسوبة ما لم يكن المقرر الأساسي في صيغة «أي لبنان نريد».

وتلفت هذه المصادر الى ان «حزب الله» يتلطى وراء مواقف حليفه عون التصعيدية ويرفض التخلي عنه باعتبار انه وحده يوفر له الغطاء السياسي للتدخل في سورية، وهذا ما يفسر قول نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ان لا مفر من انتخاب عون رئيساً للجمهورية وإلا الفراغ.

وتتوقف أمام زيارة المنسقة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ لطهران بالتنسيق مع المساعد السياسي لبان كي مون السفير جيفري فيلتمان باعتبار انها تتبع له مباشرة، وتقول انها لقيت ترحيباً فوق العادة، وإنما في الشكل وليس في المضمون.

محادثات «ظريفة»

وتضيف المصادر ذاتها ان محادثاتها مع وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف كانت «ظريفة» جداً وأنه جرى عرض للوضع في لبنان في ظل تعذّر انتخاب رئيس جديد، اضافة الى الوضع في جنوب لبنان لما للقيادة الإيرانية من تأثير مباشر في «حزب الله» وعلى خلفية مواجهة كل الاحتمالات، خصوصاً ما يمكن ان يحمله من ارتدادات تحت وطأة استمرار الحرب في سورية.

وترى المصادر ان محادثات كاغ مع المستشار الأول لمرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، جاءت بمثابة نسخة طبق الأصل عن الأجواء التي سادت اجتماعها مع ظريف. وتكشف هذه المصادر طبيعة المحادثات التي أجرتها كاغ مع معاون وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان انطلاقاً من كونه المرجع الأول المولج الملف اللبناني في الخارجية، وتقول ان ما سمعته منه حول انتخاب الرئيس كان سمعه في السابق رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية السفير فرنسوا جيرو، مع ان الأخير كما تقول المصادر نفسها كان «استدرج» لزيارة طهران بذريعة ان القيادة الإيرانية باتت على استعداد لتشجيع اللبنانيين على مبدأ التوافق على رئيس جديد قبل ان يلمس ان لا تبدل في الموقف الإيراني.

وتؤكد المصادر ان اللهيان صارح كاغ بقوله ان طهران لا تتدخل في الشأن الداخلي في لبنان وهي تفضل ان تترك الأمر للبنانيين ليتدبروا أمورهم وتؤيد توافقهم على الحلول المقترحة للخروج من الأزمة التي يتخبط فيها بلدهم.

وتنقل المصادر قول اللهيان لكاغ ان «حزب الله» «يتحمل بالنيابة عنا وعن النظام في سورية العبء الأكبر من خلال مشاركته في الحرب في سوريـــة لمواجهة المجموعات الإرهابيــة ولسنا فــي وارد الضـغط عليه في لبنان أو مجــرد التفكير في إحراجه».

ويفهم من موقف اللهيان أن القرار أولاً وأخيراً بيد «حزب الله»، مع أن المسؤول الإيراني لم يكن بعيداً من تبني بعض الأفكار الرئاسية التي سبق لعون أن طرحها ومنها إجراء استفتاء شعبي في شأن انتخاب الرئيس. لذلك، عادت كاغ من طهران من دون أن تحقق ما يدعو إلى التفاؤل. لا بل لمست ان لا حلول في المدى القريب للأزمة في لبنان لأن هناك صعوبة في تهيئة الأجواء لانتخاب الرئيس وهذا ما سترفعه في تقريرها الى فيلتمان.

ومع أن المصادر لم تطّلع على مزيد من التفاصيل حول محادثات اللهيان – كاغ، فإنها لم تفاجأ بموقف ايران من الملف الرئاسي. وتعزو السبب إلى أن القيادات الإيرانية لن تقدم التسهيلات المطلوبة لإنهاء الشغور في سدة الرئاسة الأولى قبل ان ترسو الحرب في سورية على نتائج ملموسة.

وضع لبنان وحرب سورية

فإيران، كما تقول المصادر، تربط الوضع في لبنان بمصير الحرب في سورية لأنها لا تستطيع التفريط بكل ما استثمرته في لبنان سياسياً قبل أن تتضح الصورة في سورية في ضوء ما يتردد عن ان القيادة الروسية بدأت تدرس جدياً طبيعة المرحلة في سورية ما بعد انتهاء نظام بشار الأسد، وهي تتعارض في موقفها مع إيران على رغم أنها ترفض حتى الساعة أن تبوح على الأقل بما يجول في ذهنها من أفكار.

وتــؤكد المصادر ان القيادة الروسية بدأت تــشعر بــفــداحة الأضرار المتــرتــبة على استنزافها في ســوريــة وتحــديـداً في المجالين العــسكري والمالي في ضوء عدم قدرة الأســـد على حسم الموقف في مواجهته قوى المعارضة، لا سيما أن المعارك الدائرة على جبــهة القلمون لن تبدّل من واقـــع الحال في الخريــطة الجغرافيــة في سوريــة حتى لو تمكّن «حــزب الله» مــن السيـــطرة عــــلى هــذه المنطقة.

وترى أن إيران تقف إلى جانب تشدّد «حزب الله» في لبنان تحسباً للمتغيرات في سورية، وتقول إن القيادة الروسية تحاذر الآن الإعــلان عن موقفها في سورية من دون أن تتوصل إلى تــفاهم مع المجتمع الدولي حول المستقبل فيها.

وتعتقد أن حرص القيادة الروسية على تمرير رسائل الى من يعنيهم الأمر بأنها لا تقفل الأبواب أمام البحث في مستقبل سورية من دون ان تطوّر موقفها وتعمل على تظهيره الى العلن، ينطلق من انها تتفادى الانتكاسة السياسية التي لحقت بها عندما سارعت الى توفير الغطاء للولايات المتحدة الأميركية للقضاء على نظام الرئيس صدام حسين في العراق.

وتضيف المصادر ان موسكو فوجئت بأن واشنطن لم تلتفت إليها ورفضت أن تشركها في أي بحث يتعلق بمستقبل العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، وبالتالي ترفض أن تسلم كل أوراقها في سورية على بياض من دون أي مقابل سياسي يحفظ مصالحها فيها ويشركها في إعادة تركيب النظام الجديد.

لكن الحذر الروسي في هذا المجال لم يمنع من التواصل المفتوح القائم حالياً بين موسكو وباريس حول مستقبل النظام في سورية وتوفير الحماية السياسية والأمنية لكل المكونات فيها، علماً أن واشنطن على علم بهذه المفاوضات وشجعت باريس على المضي فيها.

إلا أن المصادر تسأل عن مدى صحة ما يشاع عن أن الحرب الدائرة في سورية بلغت مرحلة إعادة ترسيم الحدود استعداداً للتفاوض حول المستقبل في سورية في ظل عدم قدرة النظام على استرداد مواقع أساسية فقدها وهو يخوض الآن حرب الدفاع عن آخر مواقعه التي تربط دمشق باللاذقية وجبل العلويين.

كما تسأل عن صحة المخاوف التي أخذت تراود بعض القيادات السياسية في لبنان، وبعضها يتواصل باستمرار مع القيادة الروسية، وفيها ان موسكو قد تضطر أخيراً الى توفير الغطاء السياسي والعسكري لتقسيم سورية، على رغم أن هذه القيادات تستبعد ان تقحم موسكو نفسها في مغامرة سياسية من هذا النوع يمكن ان تترتب عليها ردود دولية وعربية وإقليمية قد تعيد الى الأذهان الثمن الذي دفعه الاتحاد السوفياتي عندما وافق على تقسيم فلسطين؟

ويبقى هذا الاحتمال – كما تقول المصادر – من باب تسليط الأضواء على المخاوف من تقسيم سورية وإلا لماذا تدخل موسكو الآن في حوار مع باريس حول مستقبل سورية، إضافة الى ان أحداً من زوار العاصمة الروسية لم يسمع ولو بالتواتر شيئاً من هذا القبيل.